-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عندما “نجحش” بكاءً على التعليم!

عمار يزلي
  • 1598
  • 2
عندما “نجحش” بكاءً على التعليم!
أرشيف

الحديث عن المنظومة التعليمية لا ينضب معينه.. ولا يتوقف السؤال بشأنه: إلى أين؟ كيف ولماذا؟ مع نقابات تعارض وتتشدّد ووصاية تتردد وحلول تتجدد وتتبدد والتلاميذ ضائعون، والمستوى يتهدد..
وجدتُ نفسي إزاء هذا الوضع المعتم، قد اشتريت جحشا قبل سنتين. ربيته أحسن تربية.. أردت أن أنافس الوزارة وأن أعكس رأي الناس في هذا المغفل “الحمار”، وأن أجعل الحمار يقرأ ويكتب ويجتاز امتحان البكالوريا في عامين!..
بدأتُ معه بتعلم الكتابة بأن ربطت له قلما في قائمته الأولى اليمنى، وهذا بعد أن علَّمته كيف يجلس وكيف ينزع القلم بفمه ويضعه خلف أذنيه كالنجار.. علمته في شهرين كيف يكتب ويقرأ ما يكتب.. أكبر صعوبة وجدتها في النطق.. فلقد تعوّد جينيا أن ينهق.. لكن أنا علمته أن يتكلم بلغةٍ عربية وفرنسية أيضا! الفرنسية لم يتعلمها بسهولة أما العربية فكان “يطير” فيها لأنها كما قال لي “لغة قريبة من وسطه البيئي”. أما الفرنسية، فقال لي إنه لا يحبها لأنها لغة كلاب العائلة، فالكلاب كما قال هي التي تسمَّى بأسماء فرنسية ونناديها داخل البيت بكلمات فرنسية: “أنتم تتحدثون مع الكلاب في بيوتكم بالفرنسية، وأنا لستُ كلبا، ولا أريد تعلّمها”. هكذا قال لي، لكني أفهمته أن الدولة تريد ذلك، فقال لي: أريد أن أتعلم الأمازيغية أولا. قلت له: والله أنا نفسي أريد ذلك وأشعر بأني حمار لكوني لا أعرف لغتي. لكني وعدته بأن أعلِّمها له عندما يكبر ويصير حمارا، أما الآن فالجحش عليه أن يحضِّر للامتحانات وآخرها البكالوريا بعد عامين (أي هذه السنة).
تعلَّم جحشي، الذي سميته “العاقل”، بعدما اكتشفت أنه أعقل مني ومن كثير ممن هم من جنسي.. اكتشفت أنه يتعلم بسرعة وذكي أكثر مما كنا نتصور ومما ألصقنا به من تهم. برنامج السنوات الابتدائية ابتلعه هو في شهرين بدل سنوات، بل وصحَّح لي كثيرا من الأخطاء في البرنامج، لاسيما الأخطاء اللغوية والإملائية وحتى التاريخية التي وجدت في النصوص، في المرحلة المتوسطة، “العاقل” صار “يطير” في الرياضيات والعلوم والفيزياء واللغات والتربية المدنية والدينية (وصل به الأمر أن صار يفتي لي في كثير من الأمور الشرعية!.. ثمّ ولى يصلي.. تصوروا.. حمار ويصلي، فما بالك بالبشر؟ بشر ولا يصلّون!). صار يحدّثني في المرحلة الثانوية، خلال منتصف السنة الثانية، عن الفلسفة ويناقشني في أمور لا أنكر أني أجهلها: عن التوحيد وعن الروح والخلق وعن النشأة الآخرة وعن المسؤولية الجزائية والعقاب والثواب والمرجئة وإخوان الصفا والمعتزلة ومسألة خلق القرآن والقضاء والقدر والأخلاق والإيمان وناقش معي فلسفة كانط وهوبز وسبينوزا وديكارت وروسو والغزالي وابن رشد ومحيي الدين بن عربي في التصوف.. الحاصل أني غرقت معه.. شعرت بأني أنا حمار أمام جحش قد بدأ “يتحمر”!.. “فأجحشت” بالبكاء، لا لأنه أفحمني في كثير من المسائل، بل لأني توصلت إلى أن أجعل من الجحش حمار المستقبل بفعل المنهجية والبرنامج السَّهل غير المكثف والمثابرة والعمل الميداني.. كما “أجحشت” و”أجحش” هو معي بالبكاء لبكائي لكون المنظومة التربوية رفضت أن تدخله المدرسة بدعوى أنه “حمار” لا يفهم، وبدعوى أن المدرسة لا تريد أن تخرِّج “أحمرة” بل تلامذة!..
من دون أن يدخل يوما للمدرسة، تمكنتُ من أجعل من الجحش نابغة، ثم “أجحشت” بالبكاء ثانية عندما قال لي: سيدي، أشكرك لأنك لم تُدخلني المدرسة!
وأفيق من نومي وابنتي التي تحضِّر لامتحانات الجامعة تقول: بابا، البحر الأبيض المتوسط، وين جاي؟ في المحيط؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • فتيحة

    عفوا ولكن مدرسة الثمانينات لم تنتج لنا شيء،إنما فقط مدرسة الستينات و السبعينات

  • ساسي

    علينا اعادة المدرسة الجزائرية القديمة مدرسة الستينات والسبعينات والثمانينات المدرسة التي اخرجت لنا علماء وعباقرة ونخبة قوية تحتل ارقي المناصب باوروبا وامريكا واليابان والصين وروسيا انها المدرسة الفرنسية نعم يا سادة