-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مع شيخ العلماء والدعاة

عن كتاب “جــدد حياتك ” للغزالي.. وإملاء مقالاته

حسن خليفة
  • 546
  • 0
عن كتاب “جــدد حياتك ” للغزالي.. وإملاء مقالاته
ح.م

دعنا نذكر أولا بما ينبغي أن يُعرَف عن هذا الشيخ الجليل والداعية المتمرس القدير، في أن مرورَه على الجزائر ـ لم يكن عابراـ سواء من حيث الامتداد (أفقيا)؛ إذ بقي ما يربو عن خمس سنوات جميلات، أو من حيث الأثر الطيب وما تركه من جليل الأعمال وطيب الإنجازات، إنْ في مستوى الاستنهاض في سبيل الإسلام والدعوة إليه والمحاربة في سبيل التمكين له ولمبادئه وحقائقه، أو في مستوى ما حققه هو ذاته ـ رحمه الله ـ حيث نعلم أنه أحب الجزائرَ وأحب الشعب الجزائري على نحو مخصوص، وقد كتب عن ذلك أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة.

كانت حياة الشيخ الغزالي في الجزائر(قسنطينة) حافلة بحق، فكان يوم الشيخ عامرا زاخرا بالعطاء والبذل، على كل صعيد، تأليفا وتدوينا وكتابة، ودروسا ومحاورات وندوات ومحاضرات، وتلبية لدعوة من هنا أو هناك في هذه المدينة أو تلك… في مناسبة أو غير مناسبة، فضلا عن الاستقبالات اليومية لزوار وزائرات لأغراض وقضايا شتى.

وأحسَبُ أن مما يجب أن يُعرف هنا أيضا أنه كان يساهم بكتابات في صحف ومجلات عربية وإسلامية، وقد حضرتُ شيئا من ذلك مرتين أو أكثر، وهو ما يتصل بـ”عمود” كان يكتبه لجريدة “المسلمون” الأسبوعية السعودية التي تصدر في لندن مع “الشرق الأوسط” وصحف ومجلات أخرى تصدرها الشركة السعودية للأبحاث والتسويق المعروفة.

وكانت المرة الأولى عندما كنتُ مع الشيخ فرن الهاتف، فنظر إلي وقال: لا شك أنها لندن.. واستقبل المكالمة وبدأ يُملي دون انقطاع.. حتى قال “السلام عليكم”.. ووضع الهاتف في مكانه .

تبسم ضاحكا وقال رحمة الله عليه: هذا موضوعٌ أسبوعي بعنوان “الحق المر” تنشُره جريدة “المسلمون”.. قلت نعم، وكنتُ أنوي السؤال: أهكذا تكتب عمودك يا شيخنا؟ ولكنني تراجعتُ. وما لبث أن التقط تحيري وتساؤلي فأجاب ضاحكا: “إنه المحصول يا ولدي.. محصول القراءة والمطالعة طالع تكتب.. اقرأ تكتب”.. وما لبثَ أن انتقل إلى موضوع آخر.

بقيت تلك الحادثة الأولى راسخة في ذهني، تدل ـ بالنسبة إلي ـ على قدرات عظيمة لدى الشيخ الغزالي، وتكشف عن جانب آخر من جوانب شخصيته الثرية.

ومع أنه أجاب ـ رحمة الله عليه ـ فقد بقي السؤال في ذهني وأعماقي ردحا من الوقت: كيف تسنى له ذلك؟ وكيف يقتدر على إملاء عمود في صحيفة عالمية بارتجال وفي سلاسة، ودون تلعثم أو ارتباك أو تردد أو.. وكيف يعرف بالضبط ماذا يقول، وكيف يقول.. وكيف ينتهي ومتى ينتهي؟

والحق أن كتابة العمود في الصحافة من أشق أنواع الكتابة وأصعبها، ولا يتهيأ لكتابته إلا كبارُ المحررين والكتاب المتمرسين، وهذا معروفٌ شائع. يحتاج العمود إلى لغة كثيفة مركزة، وإلى قوة طرح في مساحة صغيرة تُحسب عدد كلماتها عادة، ويحتاج إلى قوة حضور وسِعة اطلاع، ومهارات في التبليغ لا تتوفر إلا في القلة، فما شاء الله على الشيخ الغزالي يرحمه الله، وما أروع ما أكرمه الله به من مهارات وقدرات كانت جميعا في سبيل الله وفي خدمة الإسلام والمسلمين. للإشارة فقد طُبعت تلك الأعمدة (المقالات القصيرة) في سلسلة كتبٍ بعد حين، وانتشرت كثيرا في أنحاء العالم الإسلامي.

الملاحظة الآخرى في منهج الدعوة عند الشيخ الغزالي هي انفتاحه البديع، على الإنسان وتجاربه، من ذلك اهتمامه بالكتابة عن بعض شؤون الإنسان المسلم النفسية والعاطفية، وتطلعه الدائب الدائم إلى الاستفادة من الآخر، أيا كان، على سبيل تثمين التجربة الإنسانية واستثمار ما يحققه الإنسان من إنجازات ويحرزه من تقدم في أي مجال علمي، منهجي، عقلي، عاطفي…

وقد كتب الشيخ محمد الغزالي كتابه “جدد حياتك” في هذا السياق؛ إذ أنه ارتكز على كتاب “دع القلق وابدأ الحياة” لديل كارنيجي وسطر للمسلم ما يمكن أن يُشبه دليل الاستفادة مما في قيم ومبادئ الإسلام خاصة في الحقل النفسي: التوتر، القلق، الاكتئاب، وأنواع أخرى كثيرة من المشكلات التي طبعت حياة الإنسان في هذا العصر الزخار بكل شيء سيء أو جميل.

ودعا بوضوح إلى الاستفادة من ذلك الميراث الإنساني، كاشفا عن كنوز الإسلام وقدرة الإنسان على تحويل “الليمونة الحامضة إلى شراب زُلال”، إن أراد واجتهد وعكف واستنار باطنُه واستقامت سريرتُه وصحت إرادته.

وقد كتب في مقدمة الكتاب:

“أحب أن ألفت أنظار الجاهلين بالإسلام والقاصرين في فقهه إلى الخاصة الأولى في هذا الدين وهى أنه دينُ الفطرة، فتعاليمه المنوعة في كل شأن من شؤون الحياة هي نداء الطبائع السليمة والأفكار الصحيحة وتوجيهاته المبثوثة في أصوله متنفسٌ طلق لما تنشده النفوس من كمال وتستريح إليه من قرار”.

ثم أضاف، وهذا يفسر بعضا من رؤيته في منهج العمل الدعوي :

“وقد شُغفتُ من أمد بعيد ببيان المشابه بين تراث الإسلام المغمور وبين ما تنتهي إليه جلة المفكرين الأحرار في أغلب النواحي النفسية والاجتماعية والسياسية، وأحصيتُ من وجوه الاتفاق ما دل على التطابق بين وحي التجربة ووحي السماء”.

ومن أجمل وأقوى ما قال في المقدمة، وهو كلامٌ عميق جدا، وخلاصة تجربة للتنفيذ لمن أراد زراعة الخير والفضل والعمل الصالح وتحقيق المراد :”على الزراع أن يستجيدوا البذور، ويستكملوا الوسائل حتى يحصدوا غراسهم كما شاء الله نقاءً وجمالا “.

وتأمـل قوله “وكل تشويه يعترض عظمة الفطرة وروعتَها فهو شذوذٌ يجب أن يُذاد ويُباد، لا أن يُعترَف به ويُسكتَ عنه، فأصحاب الصحة النفسية والعقلية، وأصحاب الأمزجة المعتدلة والطباع المكتملة، هم وحدَهم الذين يُسمع منهم ويُؤخذ عنهم. أما المعلولون والمنحرفون وذوو الأفكار المختلفة والغرائز المنحلة فهم كالثمار المعطوبة في عالم النبات، أو الأجنة الشائهة في عالم الحيوان. ليسوا أمثلة لسلامة الفطرة، ولا يجوز أن يُطمأن إلى أحكامهم ولا إلى آرائهم …” وتمضي المقدمة على هذا النحو البديع الدقيق الواصف المعبر.. وأما الكتاب فمن بين بعض أجمل ما كُتب.

ومعلوم أن هذا الكتاب “جدد حياتك” طُبعت منها عشراتُ الآلاف من النسخ، في طبعات متعددة، وفي دور نشر متنوعة، وما يزال ُ يُطبع إلى الآن. ولقصة الكتاب فصولٌ أخرى ينبغي أن تُعرف في الكتاب الأصلي نفسه أولا “دع القلق وابدأ الحياة” وانتشاره الكبير وترجمته إلى عشرات اللغات واستفادة الناس منه على نحو أمكن لهم من خلاله إضاءة بعض الجوانب المظلمة في حياتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!