-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

غلاء المهور.. الحمل الذي قصم الظّهور!

سلطان بركاني
  • 2302
  • 1
غلاء المهور.. الحمل الذي قصم الظّهور!
ح.م

من حين لآخر، نجد أنفسنا منساقين للحديث عن هموم وآلام وآمال إخواننا وأحبابنا الشّباب.. أصبحنا نعيش سنوات حرجة يعاني فيها شبابنا أشدّ المعاناة؛ يكابدون للحصول على وظائف وأعمال يكسبون منها أرزاقهم، ويعاني الواحد منهم لأجل الحصول على سكن يبدأ منه بناء أسرة مسلمة، والأدهى من هذا وذاك، يعاني الشابّ المسلم غاية المعاناة لأجل أن يحصّن نفسه ويتزوّج.. فماذا بعدما أصبح الزّواج حلما يؤرّق كثيرا من شبابنا؛ حلما صعب المنال يتمنّون تحقّقه، لكنّهم يجدون من العقبات والصعوبات على طريق تحقيقه ما تنوء عن حمله الجبال؟
لكم الله يا شبابنا ويا أحبابنا.. لكم الله يا ذخر هذه الأمّة.. لو كانت محنتكم تزول بالدّموع لرثينا وبكينا لحالكم حتى تجفّ الدّموع.. لكنّ محنتكم صنعها المجتمع.. نعم محنة شبابنا نحن من صنعناها.. صنعها الآباء، وصنعتها الأمّهات.. صنعناها عندما عمرت الدّنيا قلوبنا وأصبحنا نتنافس تنافسا محموما على المظاهر والمفاخر.. نتنافس على الألبسة والخرق والموضات وعلى حليّ الذّهب ومصوغاته.

تكاليف باهظة وتقليد أعمى!

قبل مدّة، كتبت منشورا على صفحتي حول تكاليف الزّواج، فدخل كثير من إخواني وأحبابي الشّباب يبثّون همومهم ويشكون واقعهم.. إلى الحدّ الذي جعل أحدهم يقول: “والله إنّه لأمر صعب.. تقدّمت للزّواج ثمّ ندمت”… فلا حول ولا قوة إلا بالله.. أ هذا ما نريده؟ أهذا ما تريده المسلمات اللاتي يرين في الزّواج فرصة للحصول على أبهى وأثمن أنواع الحليّ ومصوغات الذّهب، وفرصة لاقتناء كلّ ما هو جديد في عالم الألبسة والموضة؟ أ هذا ما يردنه؟ أن يندم شبابنا على الزّواج؟ أن يتأخّر الزّواج بشبابنا إلى الثلاثينات والأربعينات، ثمّ إذا تقدّم أحدهم للزّواج فوجئ بشروط ومطالب وتكاليف تدقّ عنقه وتحبس أنفاسه وترفع ضغطه، وتضطرّه إلى مكابدة الدّيون؟.. شابّ آخر كتب قائلا: “قديما كان يقال: زواج ليلة يدبّر له في عام، أمّا الآن فأصبح يقال: زواج ليلة يدبّر له في أعوام”.. بمعنى أنّ الشابّ الذي يريد الزّواج، يقضي سنوات وربّما عقودا من عمره وهو يعمل ويكدّ ويتعب، لأجل أن يوفّر أموالا طائلة ينفقها في ليلة واحدة هي ليلة العرس.. شابّ آخر كتب قائلا: “كنّا نقول إنّ الزّواج هو إكمال نصف الدّين، وأصبحنا نقول هو إكمال نصف الدّين بالدَّين”؛ بمعنى أنّ الشابّ يكمل نصف دينه بالدّيون التي تبقى معه سنوات وسنوات بعد الزّواج، يعجز عن التخلّص منها.. أحد الشّباب أراني فاتورة لأقلّ تكاليف الزّواج في أيامنا هذه، فكتب المسكين: “المهر والشّرط: 20 مليون.. الذّهب 14 مليون.. كسوة الزّوجة: 10 ملايين.. الكبش: 6 ملايين.. اللّحم: 4 نعاج بـ 12 مليون.. مستلزمات القدر (البرمة): 5 ملايين.. كسوة الزّوج: 5 ملايين.. مستلزمات أخرى: 5 ملايين.. المجموع: 77 مليون سنتيم”.. هذه أقلّ التّكاليف التي يدفعها شابّ مسلم طرق باب أسرة مسلمة يطلب الحلال، ويطلب إكمال نصف دينه.. هذه أقلّ التّكاليف، لأنّ كثيرا من الأسر الآن، تشترط إضافة إلى ما ذكرنا ما تتعدّى قيمته 10 ملايين سنتيم من الذّهب عند الخطبة، وأكثر من 10 ملايين عند العقد، وتشترط عند الزّواج شروطا أخرى تكلّف أموالا طائلة، كثير منها لا يرضاه الله، كمن يشترط أن تكون حفلة العرس في صالة الأفراح حيث يدفع الزّوج أكثر من 4 ملايين سنتيم، وربّما يشترط عليه أن يحيي ليلة العرس بـ”الديجي” الذي يكلّف هو الآخر أكثر من مليوني سنتيم.. لتتعدّى تكاليف الزّواج في النّهاية عتبة 100 مليون سنتيم!.. فلا حول ولا قوة إلا بالله.. أيّ فساد هذا الذي أوصلنا إليه الشّيطان؟! وأيّ ضياع هذا الذي أوصلنا إليه التقليد الأعمى؟!

تعسير الحلال وتيسير الحرام

إنّ شبابنا هم من يدفعون الثّمن بدينهم ودنياهم.. عسّرنا عليهم الحلال، فانطلقوا يطلبون الحرام.. إنّنا لسنا نبرّر لشبابنا أن يذهبوا إلى الحرام، كلاّ وألف كلاّ، فمهما كان الحلال صعبا فلا يجوز للشابّ المسلم أبدا أن يطرق أبواب الحرام، عليه أن يحصّن نفسه بتقوى الله وغضّ بصره وبالصيام، حتى ييسّر الله له الحلال.. لا نعذر شبابنا في طرق أبواب الحرام، لكنّنا ربّما نتحمّل مثل أوزار أولئك الشّباب الذي قادهم الشّيطان إلى طرق الغواية، لأنّنا من تسبّب في ذلك بإصرارنا على التقليد الأعمى.. الكلّ أصبح يقول: “نفعل ما يفعله النّاس”.. وكأن ما يفعله النّاس وحي لا تجوز مخالفته.. كلّ أب يأتيه من يخطب ابنته، ويحدّثه عن المهر والشّروط والتكاليف، يفاجأ بالأب يقول له: “نديروا كيما يديروا النّاس”! وهذا الكلام في الغالب ليس كلامه.. إنّما هو كلام زوجته وبناته وأخواته.. أصبحت أمور الزّواج تسيرها النّساء، وما عاد لكثير من الرّجال كلمة في متعلّقات الزّواج، حتى أصبح الأب يقول: “لا بدّ من مشاورة النّساء”.. هو لا يريد أن يستشير إخوته الرّجال، ولا يريد أن يستشير إمام الحيّ، لكنّه يريد أن يستشير النّساء وهنّ من يتّخذن القرار ويحدّدن قائمة المطالب التي تُعرف بدايتها ولا تعرف نهايتها.. فلماذا يتنازل الرّجال عن قوامتهم؟ هل نسوا قول ربّهم جلّ وعلا: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم))؟ لماذا يرضخون لقرارات النّساء؟ نعم أمر جيّد أن يستشير الرّجل زوجته في زواج ابنتها، لكنّه لا يليق أبدا أن يترك القرار شورى بين النّساء دون أن يتدخّل الرّجل ولو ليأمر بمعروف أو ينهى عن منكر.. حرام وعيب أن يتحوّل دور الأب إلى مجرّد ناقل، ينقل قرارات النّساء إلى الشابّ الذي جاء يخطب ابنته.. أين القوامة؟ أين الرّجولة؟

الطّامّة الكبرى أنّ أمور الزّواج تركت للنّساء، وكثير من النّساء ما عاد يهمّهنّ أن يتّقين الله ويلتزمن شرع الله.. انتشر الرّياء في أوساطهنّ انتشار النّار في الهشيم.. وأصبح التّقليد الأعمى شعارَهنّ ودثارَهنّ.. في كلّ عام تظهر شروط جديدة فتلتزم بها كلّ النّساء إلا من رحم الله، وتخرج موضات جديدة في عالم أكسسورات الذّهب فتطالب بها كلّ النّساء إلا من رحم الله.. وتخرج صيحات وماركات جديدة في عالم ألبسة الأعراس فتطالب بها كلّ النّساء إلا من رحم الله.. والطّامّة الكبرى أنّ هذه الماركات الجديدة في عالم ألبسة النّساء في الأعراس هي ماركات تجعل المرأة كاسية عارية، تلبس ما لا يجوز لها أن تلبسه أمام النّساء لتخرج به أمام الرّجال.. هذه تكاليف الألبسة والذّهب والشّروط التي تزداد عاما بعد عام.. ناهيك عن تكاليف المآكل والمشارب والحلويات وما تبعها…

الحصاد المرّ

ذاك الذي ذكرناه هو الواقع، فما هو الحصاد؟ وما هي النّتيجة؟ شباب بلغوا الثلاثينات، ومنهم من هو في الأربعينات، ولا يزالون يعانون العزوبية ويكابدون تبعاتها.. وفي المقابل فتيات في الثلاثينات والأربعينات ولا يزلن ينتظرن من يطرق أبوابهنّ.

فلله لله أيّ بلاء هذا الذي حلّ بشبابنا؛ فتّحت أمامهم أبواب الشّهوات والحرام وغلّقت دونهم أبواب الحلال؛ فتّحت لهم القنوات والمواقع وذلّلت لهم سبل الوصول إلى الحرام في كلّ مكان، ووضعت أمامهم العراقيل على طريق الزّواج.. والله إنّ هذا الذي وصل إليه واقع أعراسنا حرام حرام.. وسندفع ثمنه غاليا إن لم يلطف الله بنا ونعد إلى رشدنا.

تكاليف الزّواج الباهظة، تؤدّي إلى الشّحناء وربّما البغضاء بين الزّوجين بعد الزّواج.. تنتهي ليلة العرس، ويجتمع الزّوجان وتمرّ الأيام والأسابيع وتتساقط الأقنعة وتزول الأصبغة، ويرى الزّوج أنّ زوجته امرأة عادية، بل ربّما يكتشف من عيوبها التي كانت تخفيها قبل ذلك ما ينغّص عليه حياته.. يجد نفسه أمام امرأة خاملة كسولة لا تكاد تحسن شيئا آخر غير الإنترنت والتلفاز والنّوم، همّها أن تكون حرّة في دخولها وخروجها وأن يكون المال في يدها تصرف كما يحلو لها.. ينظر الزّوج إليها ويتذكّر الأموال الطّائلة التي أنفقها ليتزوّج بها، ويزداد عليه ضغط الدّائنين الذين يطلبون أموالهم، فيمتلئ قلبه على زوجته التي يرى أنّها السّبب في كلّ ما حلّ به، ويبدأ الشّيطان يملأ قلبه ببغضها حتى يبغضها، ثمّ تتحوّل الحياة إلى جحيم، وتنتهي بالطّلاق والشّقاق.

كم من أب الآن يضرب كفا بكفّ وربّما يذرف الدّموع على ابنته التي طلّقها زوجها أشهرا أو سنوات قليلة بعد الزّواج، يضرب كفا بكفّ وهو ينتقل بين المحامين وبين المحاكم ليجد لابنته مخرجا، وهو الذي أسند أمر زواجها قبل ذلك إلى النّساء اللاتي وضعن الشّروط وحدّدن التّكاليف.. أصبح كثير من شبابنا يعقدون الزّواج في الرّبيع ويتزوّجون في الصّيف ويطلّقون في الخريف، بأسباب كثيرة من أهمّها تكاليف الزّواج الباهظة… أشارت بعض الإحصاءات أنّ عدد حالات الطّلاق التي تسجّل في الجزائر خلال واحد تتجاوز 70 ألف حالة.. هذه التي سجّلت ووثّقت.. بمعنى 190 حالة طلاق كلّ يوم، أي 3 حالات طلاق توثّق كلّ ساعة.

إنّ هذه الزّيجات التي تكون مبنية على التكاليف الباهظةالتي تصل 100 مليون سنتيم أو تقاربها، حتى وإن لم تنته بالطّلاق، فإنّها لن تكون زيجات مباركة.. هل تساءلنا مثلا: لماذا كان الزّواج في عقود خلت زواجا مباركا تدوم فيه الألفة والمودّة بين الزّوجين لعشرات السّنوات؟ ولماذا ذهبت البركة من بيوت كثير من الأزواج الذين يتزوّجون في العقود الأخيرة؟ بيوت خالية من المودّة والألفة وخالية من الرّحمة والبركة.. خصام ومشاحنات ونزاعات لأتفه الأسباب.. أهمّ سبب في هذا هو غلاء المهور وارتفاع التّكاليف. كيف ذلك؟ يقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: “إنّ أعظم النكاح بركة، أيسره مؤونة”.. نحن نقول إنّنا نحبّ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- ونقول إنّه قدوتنا؛ فلماذا لا نقتدي به في صداق زوجاته وبناته الذي لم يتجاوز 500 درهم؟ بل إنّه زوّج ابنته فاطمة سيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء أهل الجنّة، زوّجها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، مقابل درع حطمية، وزوج عليه الصّلاة والسّلام امرأة لرجل فقير بما معه من القرآن، بعد أن قال له: “التمس ولو خاتماً من حديد”، فلم يجد شيئاً.

آن الأوان لأن نعود إلى رشدنا

هل آن لنا أن نرعوي؟ هل آن لنا أن نعود إلى ديننا؟ هل آن لنا أن نحكّم عقولنا ونفكّر في عواقب الإصرار على المغالاة في المهور وتكاليف الزّواج؟ 4200 طفل يولدون من الزّنا كلّ عام في الجزائر، والسّبب الأساس تعسير الزّواج.. هل آن لنا أن نعود إلى رشدنا ونوقف هذا الفساد؟ هل آن للآباء أن يتّقوا الله ويحفظوا قوامتهم ولا يتركوا أمور الزّواج إلى النّساء؟ المشورة مطلوبة، لكنّ القرار الأخير ينبغي أن يرجع إلى الأب الذي يفترض أن يشاور الأئمّة والعقلاء ولا يشاور الباعة والتجّار، لأنّه يزوّج ابنته ولا يبيع سلعة من السّلع.

اتّخِذوا القرار أيها الآباء.. من كانت له ابنة بلغت سنّ الزّواج، وجاءه من يخطبها، فليسأل عن دينه وخلقه، فإن وجده صاحب دين وخلق، فليزوّجه، ولييسّر عليه، وليحسم الأمر في حينه وليحدّد مهرا سهلا ميسورا، ولا يكثر عليه من المجالس التي تتبعها المطالب والنّفقات الباهظة.. إنّ هذه العادات التي أصبحت وكأنّها قانون إلهيّ ولا يكاد يخالفها إلا من رحم الله، هي من الآصار والأغلال التي وضعها الشّيطان ولم يأذن بها الرّحمن؛ هذا مجلس خطبة يشترط فيه كذا وكذا من الذّهب، وهذا مجلس “حنّاء” يشترط له كذا وكذا من “الويز”، وهذا مجلس عقد (فاتحة) تشترط له شروط أخرى من الذّهب والكسوة، وهكذا… كلّ هذه المجالس والشّروط ما أنزل الله بها من سلطان.. ربّنا -جلّ وعلا- شرع لنا مجلسا واحدا فقط للعقد الشّرعيّ يُتحدّث فيه عن المهر وعن المهر فقط، ثمّ بعد ذلك تزفّ المرأة إلى بيت زوجها، وهو ينفق عليها بعد ذلك ويشتري لها ما أمكنه شراؤه.

وأنتنّ أيتها المؤمنات.. أيتها الأخوات. اتّقين الله في شباب هذه الأمّة.. كفانا والله تقليدا أعمى.. كفانا تعلّقا بالدّنيا الفانية.. كفانا لهثا خلف الموضة.. قيمة المرأة ليست فيما تتحلّى به من الذّهب، وليست فيما تلبسه، وليست فيما تحمله معها من الأثاث والحقائب.. المرأة ليست مكلّفة أن تحمل معها إلى بيت زوجها أثاثا وأغراضا.. الزّوج هو من يؤثّث بيته بما استطاع من غير تكلّف، أمّا مهر المرأة فهو حقّ لها تشتري به ما شاءت أو تتنازل عن جزء منه لزوجها.. هي حرّة في أن تتصرّف فيه كما شاءت.. قيمة المرأة ليست في الذّهب واللّباس والحليّ والحقائب وإنّما هي في دينها وخلقها ومعدنها وعفّتها وثقافتها ووعيها.. فكفانا بالله عليكنّ.. إنّنا نتّجه إلى جحر الضبّ.. بل نتّجه إلى الهاوية.. فحذار حذار، ثمّ حذار وحذار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    لقد أسمعت لو ناديت حياً *** و لكن لا حياة لمن تنادي