-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فكر مالك بن نبي الذي نسيناه

بشير مصيطفى
  • 2289
  • 6
فكر مالك بن نبي الذي نسيناه
ح.م

احتفلت جل المكتبات العالمية ومنتديات التفكير بالذكرى الـ45 لوفاة رائد التفكير المبني على شروط النهضة والتطور المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمة الله عليه الموافق لـ31 أكتوبر 2018، لكن في الجزائر مرت الذكرى دون أن يلتفت إليها غير القلة من النخبة، وحتى بالمعرض الدولي للكتاب (سيلا 2018) ظلت مؤلفات بن نبي منظمة على رفوف عديد دور النشر ولا يدري أحدٌ كم قارئ اقتناها؟ وأذكر أنني سابقا كنا نبحث عن مؤلفات بن نبي المترجمة فلا نكاد نعثر عنها كما أذكر أننا كنا في يوم ما نعيد استنساخ كتب الرجل كما تُستنسخ المطبوعات الجامعية.
وتتزامن الذكرى الـ45 لوفاة بن نبي مع استعداد مبادرة صناعة الغد في الجزائر لإطلاق نقاش أكاديمي واسع حول مستقبل المنظومة التربوية خلال الشهر الجاري كتعبير من المبادرة عن استشراف غد المدرسة الجزائرية في ظل التحوُّلات التي تشهدها نظم التعليم ومنها تلك النظم الموجهة إلى الدول المتأخرة على سلم النمو واستباقا لفكرة القرن القادم أي الفكرة الثقافية. تحولاتٌ مطلوب استراتيجيا وفنيا متابعتها ورصدها ونقدها والإفادة منها بسبب وصول حلول التنمية التقليدية الى حدودها من جهة وتراجع القيم الحضارية وعلى رأسها قيمتا العلم والمعرفة من جهة ثانية. فماذا كتب مالك بن نبي عن التعليم؟ وهل يمكن الاستفادة من رؤيته في إعادة توجيه جيل الاصلاحات في المدرسة في الجزائر نحو أفق أكثر نجاعة وتطورا؟

سؤال التعليم في الجزائر

تواجه الجزائر مشكلة حقيقية في قطاع التعليم بكل أطواره – بما في ذلك التعليم العالي- تتمثل في انعدام التوازن بين مدخلات العملية التعليمية من جهة ومخرجاتها من جهة ثانية فيما له علاقة بسوق الشغل والأداء الاقتصادي ومردودية المؤسسة المنتِجة للثروة وتراكم رأس المال البشري، ما يعني هشاشة سياسات التكوين ويدعو الى تصميم رؤية استشرافية جديدة لإدارة العملية التربوية برمَّتها مبنية على تطبيقات اليقظة الاستراتيجية واعتبار هذه المشكلة موضوعا علميا يجب دراسته.
ويمكننا الاستدلال على هذا الوضع باستعراض المؤشرات الخاصة بموضوعات جودة التعليم والبحث التعليمي مثل الترتيب الدولي على سلم جودة التعليم الشاملة، مستوى النمو الاقتصادي في القطاعات ذات العلاقة القوية بالرأسمال البشري والتعليم، حجم البطالة في أوساط خريجي منظومة التعليم وتطوره في الزمن، وأخيرا مستوى البحث التعليمي الذي من شأنه مواكبة السرعات العالمية في الابتكار.

نطاق المستقبل

وفي نطاق المستقبل، يشكل الطلب الكلي على التعليم تحت ضغط الزيادة السكانية قيدا آخر على السياسات الحالية في هذا القطاع ما يعني أن المفارقة بين المدخلات الكمية والمالية والمادية والبشرية من جهة ومخرجات التعليم آفاق العام 2030 من جهة ثانية ستتفاقم أكثر فأكثر في غياب رؤية متطورة للإصلاح.
هناك أربع إشكاليات تواجهنا فيما له علاقة بسؤال النهضة المبنية على المعرفة والذي جرَّ المفكر مالك بن نبي الى التفكير في مشكلات الأمة الأساسية وهي: الطلب الكلي المتزايد على خدمة التعليم، غياب التنوع في نسيج مؤسسات التعليم، ضعف الانسجام بين محتوى التعليم وأهداف التنمية الاقتصادية وتوازن الأسواق، وأخيرا ضعف المحتوى البحثي والابتكار في منظومتنا التربوية. إشكاليات حقيقية تتطلب الإسراع في تصميم السياسات المواتية لتحقيق التنوع المطلوب في خدمة التعليم، تصميم السياسات المواتية لتحقيق جودة التعليم، تصميم السياسات المواتية لتثمين وترقية وتطوير البحث التعليمي، وأخيرا تصميم سياسة جديدة لتمويل التعليم وتحليل التكاليف والمحاسبة وهو ما نبه إليه المفكر الجزائر مالك بن نبي في (شروط النهضة) ولكن في سياق تاريخي محدد هو سياق وضعية الزبون وليس وضعية التلميذ.

جودة التعليم الشاملة

تبدأ جودة التعليم من مستوى المكون (معلما كان أو أستاذا) ومن البرامج التي يجب أن تتمتع بمحتوى بيداغوجي جيد. المحيط الداخلي والمحيط الخارجي للمؤسسة التربوية الذي يجب أن يعكس فعلا معنى محراب العلم من حيث قدسية التعليم وليس ساحة الفوضى كما هو جار اليوم.
ومن خطوات اليقظة الاستراتيجية في قطاع التعليم دعم المعاهد المتخصصة في تكوين المكون حسب الرتب العلمية بحيث تستكمل عملية التكون في التدرج بعملية التكوين لأصحاب الشهادات العليا المؤهلين للتدريس، ويكون على عاتق هذه المؤسسات المتخصصة في تكوين المكونين ضمان القدرة على الأداء البيداغوجي، القدرة على التوجيه والمتابعة البيداغوجية، القدرة على التقييم البيداغوجي، وأخيرا القدرة على البحث التعليمي. وفي نفس الاتجاه الذي يُعنى بجودة التعليم يجب على البرامج أن تحتفظ بقيمتها العلمية من خلال التطوير على سلم معيارية مدروسة: حاجة النمو، حاجات المؤسسة المنتِجة، حاجات المجتمع. وحيث أن هذه الحاجات متغيرة في الزمن بسبب التحوّلات التكنولوجية والاختيارات المبنية على المعرفة الجديدة ونظم إنتاج وتوزيع وتخزين المعلومات، فمن الطبيعي إذن أن يحقق التعليم مبدأ الشراكة الإستراتيجية مع الفروع الاقتصادية ذات الأولوية في النمو.
حقيقة لم ننس مالك بن نبي كشخصية علمية وفلسفية مرموقة في ذكراه السنوية، ولكن حتى أفكاره في صناعة التعليم لم تلق منا الالتفات المطلوب على الرغم من الجهود التي بذلتها وتبذلها بلادنا في إطار الإصلاح التربوي، وربما ستحين اللحظة التاريخية المناسِبة لإنتاج منظومة تربوية مبنية على خصوصيات المجتمع الجزائري وثقافته وعلى الرصيد الذي خلّفه جيل ما بعد الاستقلال من رجال التربية ومهندسيها.
تتزامن الذكرى الـ45 لوفاة بن نبي مع استعداد مبادرة صناعة الغد في الجزائر لإطلاق نقاش أكاديمي واسع حول مستقبل المنظومة التربوية خلال الشهر الجاري كتعبير من المبادرة عن استشراف غد المدرسة الجزائرية في ظل التحوُّلات التي تشهدها نظم التعليم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • وهيبة سليماني

    شكرا استاذ مصيطفى.. مقال رائع.

  • م.ب ( يتبع)

    تقول احدى بناته كنا لما نسأله عن شئ لا نعرفه نريد منه شرحه يقول لنا ضعي الجملة التي لا تعرفين شرحها بين قوسين؛ وواصلي ثم أعيدي مرة تفهمين.. أنه المنطق في فن التعلم ؛ والفهم الذاتي للاشياء أي التعلم عن طريق التكرار. والذاتية. وخصوصا أن ثقافته كانت تقنية علمية ، وبعصاميته وذكائه الخارقق اصبح مفكرا عالميا. تدرس افكاره في كبريات جامعات العالم الا في بلده. كان ؛ ولا زال نسيا؛ منسيا تقول الحكمة حتي واحد ماكان نبيا في بلده ؛ وهي الحكمة التي تنطبق على مفكرنا مالك بن النبي رحمه الله . فأين انت يا سيادة الوزير السيد بوكروح .. أسست حزبا على أساس افكاره ثم تخليت ؛ ونفضت يديك.وقمت..

  • م/ أولاد براهيم.

    قرأت مرة قالة عن هذا المفكر الاسلامي الذي ملأ صته الدنا ؛ ونطقت باسم بلاد الاعاجم؛ولم يعرفه بنو قومه
    وهاهي ماليزيا تؤسس لاجل أفكاره الندوات؛ والملتقيات؛ والمحضرات يقودها رئيس الوزاراءالسابق؛ والحالي . الذي أعيد أنتخابه.بل جسد أفكاره على أرض الواقع فصارت قوة أقتصادية ناشئة. انها المفارقات ؛ وان كان العلم؛ والمعرفة ليست لها؛ حدود؛ ولاسدود.. قلت قرات .. انه رحمه الله وهو في بيروت؛ والقاهرة يتفادى الناس حياء؛ وحشمة لا لشئ ؛ ولكن لايحسن التحدث بالعربية ؛ وذات مرة أجريت معه ندوة صحفية . ولما انتهت قالت النشطة .. خسارة كل هذا بالفرنسية. ققيل أن هذة دفعته لينكب ؛ ويقبل على تعلم اللغة العربية.

  • شاهين

    لم ننسته بل حرمونا منه و من علمه ليستفيد منه الأخرون , فارق المستوى بينه و بين من يحكمنا شاسع جدا و أفكارة هزت كيان الزمر الحاكمة في الوطن العربي التي كانت ترى فيه الخطر المحدق بها كونه منير لعقول الشعوب المنطفئة بفعل التعتيم المسلط عليها من قبل من يحكمها . أو لا تعلم ياسيدي أن الجزائر لا تملك براءة نشر و بيع مؤلفاته و كل أعماله ؟ لأنه رحمة الله عليه كان يدرك أن أعماله لن ترى النور تحا ظل حكم رجعي و منغلق في الجزائر فترك و صية لأحد اصدقائه المفكر السوري عمر مسقاوي حمله فيها المسؤولية المعنوية الكاملة لكل أعماله ,وصية رقم 285./ 68 المؤرخة في 10 ربيع الثاني 1491 هجري في محكمة طرابلس بلبنان

  • متابع من الجزائر

    شكرا للأستاذ بشير مصيطفى على هذه الالتفاتة إلى أحد عمالقة العصر ومحاولته استلهام فكر هذا المفكر في بلورة إحدى إشكاليات المنظومة التربوية والبحثية عندنا... ولكن ألا ترى يا أستاذ أن محاصرة مالك بن نبي حيا وميتا هي أمر مقصود ؟ أليست محاصرة أولا لنهضة الجزائر؟ إن محاصرة الأقزام لأفكار الرجل هي محاصرة لنور الإسلام الحضاري الحق الذي لا يفرط لا في معطيات إيمانه ولا في معطيات البناء الحضاري فكلاهما ضروري، وخصوصا في أيامنا الحالكة المكللة بالاستبداد المخزن لتروات النخب المتسلطة القاتل للمواهب، لذلك رأينا وكررنا مرارا بعدم الثقة والأمان في هؤلاء المنقلبين على إٍرادة شعوبهم، [ومن جرب المجرب عقله مخرب]

  • فريد

    يجب اصلاح الجامعة وجعلها مكان للعلم والمعرفة والفكر بدل ان تكون ساحة للغراميات ومحاكات الافلام الهندية