-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فوضى التصدير!

فوضى التصدير!
أرشيف

مِثل الذي فاجأته أمواج بحر عاتية، فراح يمسك الماء بكفّيه، هو حال الحكومة الجزائرية بطاقمها الوزاري الذي رفع تحد كبير جدا، من دون أن يوفّر له أسباب النجاح، فجاء وقوعنا في فخ الأزمة، منطقي، منذ أن أعلناها منذ عقود “مْسلّمّين مْكتْفين”، لسلطة النفط، وكانت الحلول المقترحة غير منطقية، ومنها هذه الأسطوانة التي يرددها بعض الوزراء عن تصدير بعض المواد لتعويض نقص إنتاج النفط ونقص احتياطي المواد الأولية والصرف بالعملة الصعبة.

لا توجد أمة في العالم تمكنت من الاكتفاء الذاتي في غذائها وملبسها ومركبها، وتحولت إلى مُصدّرة من دون ثورة صناعية وفلاحية ومشروع قومي شامل، يجعل الأمة مثل الجسد الواحد الذي يخفق تحدّ من أقصاه إلى أقصاه.

من غير المعقول أن يبقى وزير الفلاحة مثلا يتغنى بشحنات بطاطا طارت إلى قطر، أو جرارات أبحرت إلى موريتانيا، ويمنّي وزير الطاقة النفس في تصدير الكهرباء إلى أوربا، ويعِد وزير السياحة برفع رقم زائري البلاد من الأجانب، بتقليص مدة حصول السياح على تأشيرة الدخول، وتكتشف الجزائر فجأة بأنها بلاد معزولة بحرا بموانئ لا تسافر بواخرها إلى أي بلد، ومطارات تكاد تكون رحلاتها الخارجية مختصرة في المدن الفرنسية.

لا جدال في أن ما تمتلكه الجزائر من خيرات يُمكنها من أن تعوّض جفاف آبار النفط أو انهيار أسعاره إلى ما دون العشر دولارات، في الفلاحة وفي السياحة وفي الطاقات المتجددة والأدمغة الهاربة إلى مختلف القارات، ولكن ليس بهذه الخطب الارتجالية التي تصدّر الريح، وتجلس أمام باب بيت المال تعدّ الدولارات الواردة من بيع التمر ومشتقاته.

عندما زار العالم المصري الراحل أحمد الزويل صاحب جائزة نوبل في الكيمياء، أحد مصانع المنتجات الكهرومنزلية في مصر، واستمع إلى أحلام مديره المغتبط بما يصدّره من ثلاجات ومدفئات إلى عدد من بلاد آسيا وإفريقيا، نقل لهم التجربة الأمريكية المبنية على الواقعية، التي لا تكلف الأفراد ما لا وسعا لهم، ونصح بالاهتمام بالمواد الأولية النادرة التي تمتلكها مصر، ومنها الطاقة الشمسية، ونصح بتطوير هذا المجال واقتحام أسواق العالم، قبل أن تتمكن منه أمم أخرى، وتجعله بترول البلاد على حد تعبيره. وعندما اقترح أحد الوزراء التونسيون على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة صناعة قطع غيار السيارات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي والانتقال إلى التصدير إلى البلاد الإفريقية، نصحه بتطوير السياحة لأجل استغلال غفلة الجزائر عنها، كما طوّرت المغرب فلاحتها أيضا مستغلة غفلة الجزائر عنها، فجلبت تونس سياحا من كل قارات الدنيا، وسافرت خضر المغرب وفاكهتها إلى كل قارات الدنيا، وبقيت الجزائر عاصمة للحاويات القادمة من كل قارات العالم.

لا يمكن ونحن نرفع هذا التحدي أن نبقى نجترّ مشكلة التعليب والشحن، والمشاكل الإدارية والبيروقراطية، والتيهان في سوق الإشهار والمعارض التجارية الكبرى، فالقضية ليست في صندوق فرولة وصل إلى الدوحة أو ومضة كهرباء أضاءت مدريد أو جرار بيع للغابون، وإنما في تحويل هذا التحدّي إلى مشروع قومي ضخم، يبنى على استرجاع الثقة في النفس وعقد اتفاق مع العمل ومحاسبة كل متقاعس مهما كانت رتبته!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!