-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فيروز… بيروت وماكرون

فيروز… بيروت وماكرون
ح.م

لا أدري إن كنت سأبدو رحيما أم قاسيا على السيدة فيروز آخر لآلئ الفن الأصيل في الوطن العربي، عندما أطالب بالحجر المعنوي على فنّها الراقي، وشخصها المحترم، بعد استقبالها للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيتها، وهو يمشي نحوها في أرض لبنان، مرحا ومختالا فخورا، أشبه بالفاتح لبلاد شدّه الحنين إليها بعد زمن من نهاية انتداب تمتّع به أجدادُه، وعانى منه آباء فيروز، وأجداد ماجدة الرومي؟

الرئيسي الفرنسي وهو يقترب من بيت صاحبة رائعة “زهرة المدائن”، أبى إلا أن ينزع الكمامة، ويستدير نحو آلات التصوير، من أجل أن يبصم صورته في الذاكرة، وهو يقتحم صرحا، ظل عصيا على ساسة ورؤساء لبنان من بشارة الخوري إلى ميشال عون، مرورا بكمال جنبلاط وموسى الصدر ورفيق الحريري.

أن يزور رئيس بلد، في زمن كورونا، حيث لا يكاد يتحرك في موطنه من كثرة ضحايا الوباء الفتاك، بلدا آخر، من دون دعوة ولا ميعاد، مرتين، وفي ظرف زمني وجيز، سعيد ببعض صيحات التودّد لفرنسا، من أفراد لم تطلهم مجازر صبرا وشاتيلا ولا قانة، فذاك معناه بأن المستعمِر القديم، هو الذي يرفض النسيان وطيّ صفحات التاريخ الدموية، وليس الذي عذَّبه الاحتلال.

وتدخُّلُ فرنسا بشكل دائم ومتنوِّع الأشكال، في شؤون لبنان ومالي وحتى دول المغرب العربي دليلٌ على أن الاستعمار هو غرس يرتفع عوده، مهما طال الزمن، حتى ولو بلغ سبع وسبعين سنة، تاريخ نهاية الانتداب الفرنسي على لبنان في عام 1943.

أسوأ صفات البشر على الإطلاق، هو استغلال ضعف الآخرين، في استدراجهم واستغلالهم والتنكيل بهم، كلما عانوا من الفتن والفقر والحاجة، وهو حال لبنان الذي سُدّت الأبواب في وجهه، فلا سعد الحريري وجد أموال الخليج أمامه، ولا حسن نصر الله غرف من مساعدات إيران، ولا ميشال عون التفت إليه مريدو الفاتيكان، فسقطت بيروت مثل الفريسة، كما تسقط دائما، تتوجَّع نساؤها ويئنُّ أبناؤها، فتبرز عينا ماكرون “مشتاقة تسعى إلى مشتاق” على حدّ إبداع أحمد شوقي.

عندما التقى إمانويل ماكرون، بفيروز، غابت فعلا ألحان “أعطني الناي وغني” و”حبيتك في الصيف” و”سنرجع” و”ناطورة المفاتيح” و”بحبك يا لبنان”، وعلت موسيقى الإيطالي “إينيو موريكوني” التي رافقت فيلم الويسترن الشهير “الطيِّب والشرس والوقح” الذي لعب بطولته كلين إيستوود.

عزاؤنا أن ماكرون “راود” لبنان في لحظة ضعف، والتقى سيدة الفن وهي في السادسة والثمانين خريفا، بعد أن اعتزلت الفن منذ أكثر من عشرين عاما، وعزاؤنا أن الضعف هو لحظة عابرة، ودائما يكون مع العسر يسرا، وسيتبخَّر اللقاء الجسدي مع فيروز واحتضانه لماجدة الرومي، بعد حين، وتبقى صيحات فيروز وماجدة تصدح “بحبك يا لبنان يا وطني بحبك بشمالك بجنوبك” و”يا بيروت ست الدنيا”، وتدوي مدى الحياة.

يقول المثل اللبناني الشهير: “اركب الديك وشوف وين يودّيك”، ويقول المثل الفرنسي الشهير: “من يطمع في كل شيء، يخسر كل شيء”، إنها حكاية الديك مع بيروت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • الباتني

    لا تنس ان هذا رئيس دولة اسست هذه الدولة اي لبنان و جاء اليها مهرولا لانها تدور في الفلك الفرانكوفوني و الفرانكوفيلي و فيروز هي تابع لثقافة ماكرون شئنا ام ابينا مسيحيو لبنان امتداد لدولة الافرنجة فلا غرابة من تبادل الزيارات و التضامن مع لبنان...

  • محمد

    خلفية الصورة أبلغ تعبير لهذا اللاحدث.

  • محمد

    ما بالك حين صرخ بعض سكان لبنان برغبتهم عودة حماية فرنسا لهم؟أين كانت نخوة الوطنيين منهم وكيف صمت عن الكرامة من يتربع على ساطانهم؟أين كان من يرفعون السلاح في وجه مواطنيهم لأتفه الأسباب؟أين هرب الساسة والمثقفون والناشرون علينا أشعارهم وموسيقاهم الرائجة في علمنا المغمور بالأوهام؟أين كان العرب وزعماؤهم الذين يقمعون شعوبهم ويزرعون فيهم الذل والهوان حتى صرنا لا نفقه كثيرا مما نقول؟لكن هل لبنان وحده من ضاعت به السبل؟هاهي إسرائيل تقتحم أجواء الجزيرة ليرتع فيها من كانوا ولا يزالون أعداءا لأمتنا.

  • البشير بوكثير / رأس الوادي

    مقال رائع يا صاحبي .. سلم يراعك وبيانك

  • بلقاسم شقيف

    لاخ كاتب المقال اصبت حين ذكرت****الاستدراج واستغلال الماسي والتنكيل بهم****** وهي كلها من اساسيات الاستعمار وحكام العرب الانتفاعيين،فيروز تبقى دائما عصية على ماكرون وكل الماكرين*** والطير الحر ما يتخبط****،وفيروز انشدت""القدس زهرة المدائن***** كما انشدت ***غنيت مكة اهلها الصيدا والعيد يملا اضلعي عيدا........يا قارئ القران صل لهم.اهلي هناك وحيي العيدا**** من كلمات شاعر لبناني مسيحي مثلها***سعيد عقل*** وفيروز موحدة للبنان افضل من سياسييه المتعفنين عكس بعض الانوار فيه.وما زيارة ماكرون لها الا لكونه يعرف انها موحدة اللبنانيين على مختلف طوائفهم واعلم انه لا يستطيع استدراجها.

  • خليفة

    فيروز و ماجدا الرومي اللتان هرولتا لاحتضان و معانقة ماكرون ،كانتا في حالة اشتياق لكل ما ياتي من فرنسا ،انه الانبطاح النفسي و الثقافي الذي عشعش في رءوس هؤلاء ،انه الاعجاب المبهم بكل ما ياتي من فرنسا ،هتان الفنانتان فقدتا البوصلة و تخلتا عن مبادءهن ان كانت لهن مبادىء ،عجبا لهولاء الفنانات التي غنين للشرق ،و لكنهن اخيرا عانقن الغرب و خاصة فرنسا و تبادلن مع ماكرون كلمات ليست كالكلمات.