-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
العولمة وانتشار الأوبئة

فيروس كورونا: أحد الجوانب الشاحبة للعولمة

فيروس كورونا: أحد الجوانب الشاحبة للعولمة
ح.م

يعتبر وباء فيروس كورونا المستجد بمثابة أزمة جديدة للعولمة، ولكن هل ينبغي الجزم بحتمية التوجه نحو الخروج من هذه العولمة؟

سنحاول الإجابة على ذلك وهذا بالرغم من محدودية المراجع الجدية التي تناولت علاقة العولمة بالتدهور الواضح للظروف الصحية.

منذ فترة بعيدة والعولمة – كما نعيشها اليوم- كانت ولازالت محل انتقادات حادة، مشروعة ومؤسسة.

فإذا كان لفتح الحدود بين مختلف الدول جوانب إيجابية فهذا لا يعني بالمقابل وجود آثار سلبية لذلك، والتي لا يسعنا ذكرها هنا. فكل المجالات معنية كالاقتصاد، والمال، والبيئة وبالخصوص الصحة.

وفي تصريح للدكتور مصطفى بن عبد العزيز (مختص في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي) حول المسألة الشائكة للعلاقة بين العولمة وانتشار الأوبئة، يتساءل إن لم تكن هذه الأخيرة نتيجة غير مباشرة للأولى؟

“لاشك أن عولمة الإقتصاد صاحبها تطور معتبر والأهم في ذلك خروج نحو 300 مليون شخص من “فخ الفقر”. وفي رأيي، هذه مسألة إنسانية جوهرية”، يقول الدكتور مصطفى بن عبد العزيز.

ولكن حسب الدكتور فلكل تقدم وتطور ضريبة وجب دفعها، “نقل أنشطة الشركات إلى مواقع أخرى وهذا يعتبر نتيجة حتمية لمنطق القدرة التنافسية لرأس المال، قد أثار عددا كبيرا من الاضطرابات في النسيج الاجتماعي مما تسبب في البطالة، وعدم الاستقرار، والتهميش، والأدهى من ذلك الاتساع الخطير في الفروق الاجتماعية وهذا ما يطعن حتى في مفهوم وفكرة الديمقراطية التي عمل عليها الحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد J.Stieglitz.

ومما سبق يتوجب طرح السؤال التالي: هل يمكن إضفاء الطابع الإنساني على العولمة؟”

ومع ظهور وباء كورونا، عادت الانتقادات للظهور بشدة، ومنه يمكن القول أن العولمة مضرة للصحة وللاقتصاد!

فيما يخص الصحة، فمن البديهي أنه مع التزايد المسجل في الرحلات المهنية والسياحية، أصبحت للفيروسات (وأكثر من أي وقت مضى) القدرة على التنقل بسرعة كبيرة من مكان إلى مكان آخر في العالم مع العلم أنه في القرون السابقة، كان انتشار الأوبئة يأخذ وقتا أطول، مع ذلك كانت تحصد الكثير من الأرواح بسبب محدودية وسائل محاربتها.

وما يجب معرفته هو أن هذه الأوبئة لم تنتظر الكثافة الحالية للترابطات الاقتصادية لكي تظهر وتنتشر في مناطق جد نائية. فطاعون جوستنيان (Justinien) الذي ظهر بين القرن السادس إلى منتصف القرن الثامن، والطاعون الأسود في القرن الرابع عشر، أو مؤخرا الإنفلونزا الاسبانية كانت كلها بمثابة كوارث ذات بعد دولي تنتشر على مسافات طويلة، عادة على طول الطرق التجارية الرئيسية.

وقال جاك أتالي (مختص في الاقتصاد، كاتب وموظف سامي فرنسي، مستشار سابق للرئيس الفرنسي الأسبق “فرنسوا ميتران”) في تصريح له في 13 ماي 2009: “وباء صغير سيسمح بتشكيل حكومة عالمية”، مضيفا: “يعلمنا التاريخ بأن الإنسانية لا تشهد تطورا بشكل ملحوظ إلا عندما تمر بمراحل الخوف والذعر، ثم وبمجرد مرور الأزمة، فإنها تقوم بتحويل هذه الآليات لجعلها متوافقة مع الحرية الفردية وتسجيلها في سياسة ديمقراطية الصحة”.

وحسب أتالي دائما: “حتى وإن لم تكن هذه الأزمة بهذه الدرجة من الخطورة وهذا ما نأمله، فكما هو الحال بالنسبة للأزمة الاقتصادية، يجب ألا ننسى استخلاص الدروس قبل حدوث أزمة أخرى وهذا بوضع آليات للوقاية والرقابة، إضافة إلى العمليات اللوجستية للتوزيع العادل للأدوية واللقاحات”.

ولتحقيق ذلك، يتعين علينا إنشاء شرطة عالمية، مخزون عالمي، وبالتالي نظام ضريبي عالمي، كي نتوصل إلى وضع أسس حكومة عالمية حقيقية بطريقة أسرع من تلك التي كان سيسمح بها المبرر الاقتصادي لوحده.

إن أزمة فيروس كورونا اليوم تظهر لنا نزعة لا تنطبق على مجال الأزمات الصحية فحسب، فالانطواء الذاتي يكون أحيانا أمرا ضروريا وفعالا، كما يمكن أيضا أن يحول دون طرح حلول تتجاوز النطاق المحلي أو الإقليمي وتتطلب تعاونا وتنسيقا على الصعيد العالمي. لكن على ما يبدو لم  نصل بعد إلى ما نصبو إليه.

مع ذلك، وبزيادة انتشار الأوبئة، نكتشف وجود أزمة جيوسياسية حقيقية، أزمة عولمة، كونها على ارتباط أكيد بسرعة انتشار وتفشي هذا الوباء.

ويشير المتحدث إلى أنه “إذا رجعنا إلى أعمال د.رودريك (مختص في الإقتصاد)، نتساءل معه إن كان بالإمكان معالجة ما يسميه المعضلة الثلاثية: الدولة القومية، العولمة والديمقراطية ؟ نتيجة لذلك، فمن السابق لأوانه الحديث عن حكومة عالمية، ومن السهل أن نرى كيف نحاول اليوم إيجاد حل لهذا الوباء من خلال العودة إلى الدولة القومية باعتبارها أفضل كيان يسمح باستمرار العلاقات الدولية.

بالنسبة للباحث في العلوم السياسية: “لا يزال التعاون الدولي خاضع لقاعدة (رابح- رابح). ومع ذلك، فالمطلوب اليوم لمواجهة هذه الجائحة هو بالأحرى انتهاج سياسة ديمقراطية الصحة العمومية وتوزيع عادل للرعاية الصحية”.

وقد يتساءل البعض إن لم يحن الوقت للتفكير في الصحة على أنها – ملكية مشتركة – للبشرية؟

وفي الأخير، هل بإمكاننا القول أننا سنشهد – ما قبل وما بعد- فيروس كورونا في العلاقات الدولية؟

وللإجابة على هذا السؤال، يكاد البعض يجزم بأن وباء كوفيد-19 هو ظاهرة استثنائية لا تؤثر بشكل عميق ودائم في القواعد الأساسية للعولمة. وإذا ما أخضعنا تصورات المخاطر والاختلالات المرتبطة بها لصدمة استثنائية، يمكن القول في هذه الحالة أنه قد يكون لها تأثير دائم على خيارات الشركات والدول.

الأزمة الصحية كبيرة ومتفشية وعلى نطاق واسع، وهي أيضا أزمة العولمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • فداء الجزاءىر

    كلمة العولمة توحي الى جعل العالم قرية واحدة ومتقاربة يتم من خلالها تبادل الافكار والتعريف بالثقافات المختلفة والتعاون في شتى المجالات،ولكن في حقيقة الامر يتم صناعة و تشكيل ثقافه العالم وفكره وطرق عيشه على نحو نمط واحد و العمل على قتل ثقافة الشعوب و اضعافها بالحروب و تدمير اقتصادها بالسياسة والقروض الربويةو وساءل الاعلام الهدامة و السينما و تدبير الانقلابات و فرض الدكتاتوريات و نشر الامراض و الفيروسات وغيرها من وساءل التحكم بالشعوب وجعلها تابعة لنظام واحد شمولي الحادي لا يعترف بجميع الاديان يكون بيد بني صهيون وتحقيق حلمهم بالسطرةعلى العالم وحكمه منذ اول مؤتمر لهم في بازل بسويسرا سنة 1897 .