-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في الصّيف ضيّعنا اللّبن!

سلطان بركاني
  • 2682
  • 0
في الصّيف ضيّعنا اللّبن!
ح. م

“في الصّيف ضيّعتِ اللّبن”، مثل عربي مشهور يُضرب لمن يضيّع الفرصة ويفوت الغنيمة، وقصّته أنّ امرأة تُدعى دَخْتَنُوس بنت لقيط بن زرارة، كانت زوجة لأبي شريح عمرو بن عُدَاس، وكانت ذات جمال وبهاء ودهاء، وكان زوجها الثريّ يكرمها ويجلّها ويغدق عليها من كلّ ما تشتهيه، لكنّها وبعدما أسنّ وأصبح عجوزاً، كرهت عشرته، وصارت تقارن حالها بحال صديقاتها اللائي تزوّجن بفتيانٍ يقاربونهنّ في العمر، وتأسَفُ لشبابها الذي ينفلتُ منها في ظلّ شيخٍ مسنِّ، فلم تزل تؤذيه وتُسمعه ما يكره وتهجره، حتى طلّقها في الصّيف، ثمّ تزوجت بعده شابًّا جميل المُحيّا هو عُمير بن مَعبد من آلِ زُرارة، لكنّه لم يكن كزوجها السابق في الشجاعة والثّراء والمروءة وكريم الخصال، وذات عام أجدبت الأرض، وكان الوقتُ صيفاً قائظاً، فمرّت إبل عمرو بن عدس (زوجها الأوّل) عليها كأنّها الليل من كثرتها، فقالت دختنوس لخادمتها: انطلقي إلى صاحب هذه الإبل فقولي له فليسقنا من اللّبن، فأتت الخادمة وقالت له: إنّ بنت عمك دختنوس تقول لك اسقِنا من لبنك، فقال لها عمرو: قولي لها: “في الصّيف ضيّعْتِ اللّبن يا دختنوس”.

هذا المثل ربّما يصلح أن يساق لوصف حالنا نحن الجزائريين الذين رضي بعضنا بأن يضيّعوا رصيد رمضان من الطّاعات والقربات، في متابعة فعاليات المهرجانات الغنائية التي انطلقت أياما قليلة بعد رحيل شهر النّفحات؛ فلم تكد تمضي أيامٌ أربعة على رحيل رمضان حتى انطلقت فعاليات الطبعة التاسعة لمهرجان الموسيقى والأغنية الوهرانية في الـ10 من شهر جويلية الجاري، بعدها بيومين انطلقت فعاليات الطبعة الـ38 لمهرجان تيمقاد الدولي بمدينة باتنة، أين امتلأت المدرّجات بالرجال والنساء والعائلات التي ارتضت أن تبذل الأموال الطائلة لحضور سهرات غنائية تحوم كلماتها حول “الحبّ” و”الغرام” وتدعو إلى كسر حواجز الحياء، يؤدّيها مغنّون يتقاضون أجورا خيالية، لقاء سويعات قليلة من الغناء والرّقص والتّمايل والهتاف.. مغنية لبنانية تقاضت أجرة قدّرت بـ 5 ملايير سنتيم كاملة غير منقوصة، مقابل ساعتين من الغناء العاطفيّ! في سهرة أحيتها مساء يوم الجمعة، حيث لم تنفع كلمات الأئمّة والخطباء لثني بعض الأسر عن حضور مثل هذه السّهرات في أيام تنحدر فيها الجزائر نحو أزمة خانقة، يبدو أنّ التقشّف الذي قُدّم وصفة ناجعة لتجاوزها لا يشمل الأموال التي تُصرف على مثل هذه المهرجانات!

ما كاد السّتار يُسدل على فعاليات مهرجان تيمقاد الدّولي حتى انطلقت وسائل الإعلام تنقل أخبار وفعاليات مهرجان جميلة ومهرجان الكازيف، وتحدّثنا عن الطبعة التاسعة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، التي انطلقت يوم الجمعة الماضي، واستضافت ألمع نجوم السينما العربيّة، الذين حظي بعضهم باستقبال منقطع النّظير، كيف لا وهم الذين يُراد لهم أن ينقلوا رسالتهم إلى فناني الجزائر ويؤزّوهم إلى مزيد من التفتّح.

إنّه لا عجب أن تنطلق المهرجانات والسّهرات ويُدعى المغنّون والفنّانون إلى إحياء السّهرات، وتنطلق معها حفلات الأعراس الصّاخبة، في أيام تُعدّ حاسمة بالنّسبة إلى مردة الجنّ الذين تفكّ أغلالهم بعد رمضان، ليبذلوا قصارى جهودهم لتعويض ما فاتهم في شهر التّوبة والغفران، ويحاولوا ثني التائبين عن توبتهم، وإلهاء الطّائعين عن طاعاتهم، تحدوهم في ذلك بعض وسائل الإعلام التي تطوّعت لتنقل أخبار وفعاليات المهرجانات الغنائية؛ إنّه لا عجب في كلّ هذا، لكنّ العجب في أن نقع لقمة سائغة سهلة لمردة الجنّ ومتمرّدي الإنس أياما قليلة بعد رحيل شهرٍ أعلنّا فيه التّوبة والأوبة، وأحيينا أيامه بالصيام ولياليه بالقيام وختمناه بالدّعاء أن يثبّت الله أقدامنا على الطّاعة والاستقامة.. العجب العجاب هو أن تنسل بعض العائلات الجزائرية– طوعا- من كلّ حدب وصوب ويقطع بعضها مئات الكيلومترات ويبذل أربابها الأموال الطّائلة لحضور فعاليات هذه المهرجانات، وتحدّثنا الصّحف بعد ذلك عن الأعداد الهائلة من الأُسَر التي تملأ الكراسي والمدرّجات وتتمايل طربا على وقع الوصلات والأغنيات التي يؤدّيها الفنّانون والفنّانات؛ ومن ذلك ما حدّثتنا عنه جريدة الشّروق في عددها ليوم الجمعة الماضي بأنّ 5 آلاف جزائريّ حضروا الحفل السّاهر الذي أحياه الفنّان العراقيّ كاظم الساهر في قاعة الزينيت بقسنطينة، وكرّر خلاله أغانيه التي لا تبتعد كلماتها عن الحبّ والعشق؛ حضروا الحفل وتفاعلوا مع الأغاني، مع أنّ حقوق الدخول كانت 1000 دينار عن كلّ فرد!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!