-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في حاجة إلى أفق استراتيجي للدستور…

في حاجة إلى أفق استراتيجي للدستور…
أرشيف

دستورنا اليوم في حاجة إلى أفق استراتيجي، كما هو الشأن بالنسبة للدول الصاعدة. الصين وضعت لدستورها المعدل في 24 أكتوبر 2017 أفقا استراتيجيا حدَّدته عبارة بناء “الحضارة الاشتراكية الروحية”، بدل الشيوعية المادية. وروسيا حَدَّدت لدستورها أفقا استراتيجيا ضمن النظرية السياسية الرابعة لـ”الإسكندردوغين” التي تَعتبر “المستقبل للمقدس وليس للمستباح”، وأن القالب “الأوراسي (المنطقة الرابطة بين أوروبا وآسيا) ينبغي أن يكون بديلا للقالب الأطلسي”. وأكدت لأول مرة في دستورها منذ التأسيس للنظام الشيوعي ضرورة الحفاظ على ذكرى الأجداد الذين تركوا لنا “المثل والمعتقدات والإيمان بالله”…

وكذلك نحن علينا قبل مناقشة تفاصيل الدستور الجديد، أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال الأساسي: أي أفقٍ استراتيجي للنظام السياسي الذي نريد، بعيدا عن تلك العبارات الجاهزة التي عفا عنها الزمن، كالتطلع نحو بناء الديمقراطية، أو تجسيد دولة القانون أو ما شابه… ذلك أنه يوجد في العالم اليوم أكثر من نظام ديمقراطي وأكثر من مفهوم للسيادة ضمن أطر فكرية مختلفة غير الأطر الليبرالية المهيمنة والساعية لأن تبقى البديل الوحيد…

في تقديري إننا اليوم في حاجة إلى طرح أفقنا الاستراتيجي الخاص، الذي ينبغي أن يؤطر الدستور انطلاقا من تراثنا السياسي الفكري بعيدا عن المنظور التغريبي الذي هَيمَنَ على لغة وروح دساتيرنا وقوانينا السابقة.

إننا جزائريون، مسلمون، أفارقة وننتمي للشرق بمفهومه الواسع، لا للغرب الذي اعتدى علينا باستمرار، وهذا الموقع يَسمح لنا بإعادة إحياء الطرح الآفرو ـ آسيوي الذي حَكَمَ رؤيتنا الاستراتيجية في بداية الاستقلال، كما سيسمح لنا باستلهام أبعاد نظامنا السياسي المقبل من جذور تاريخنا الضارب في القدم، وعمق حضارتنا الإسلامية التي أسَّست لأنوار الغرب ذات يوم من خلال إشعاع بجاية وقرطبة وطليلطلة وصقلية… كما سيُمكِّكنا من بناء نظام سياسي ملائم لامتدادات جغرافيتنا السياسية في  افريقيا، والعالمين العربي والإسلامي، وصولا إلى أقصى الشرق إلى إندونيسيا والصين وروسيا.

إننا في حاجة فعلا إلى مثل هذا التطلع، الذي يجعلنا نُفكِّر بحجم  بلدنا، لا أن نَنزل إلى مستوى مناوشات الحَيارَى من أمرهم حول فروع النظام السياسي، كلٌ يَنطلق من زاوية ضيِّقة يعتقدها، هي كل العالم، يُهين نفسه بذلك، ويُقلِّل من مكانة بلده، ويَستبدل تطلعاتها الكبرى بتطلعات أفراد أَسْرَى دائرة نظر ضيقة، بل مُغلقة لا تعيش إلا على المسائل الخِلافية المتعلقة بالتفاصيل، وأحيانا تفاصيل التفاصيل.

إننا ندرك أن العالم وصل إلى آليات حُكمٍ تَمَّ اختبارها على أكثر من صعيد، سواء تعلق الأمر بالعمل الحكومي والرقابة والتسيير وكيفية احترام حقوق الإنسان، أو الحَكَامة وتطبيق القانون… حتى كادت الدول تتحرك كآلة متناغمة الأجزاء، كل يعرف حقوقه وواجباته فيها… وبكل تأكيد لن تكون لدينا صعوبة في التَّكيُّف التدريجي مع هذه الآليات العصرية، ولا في صوغ مواد قانونية تساعدنا للتحول بسرعة لِنُصبح دولة فعّالة… صعوبتنا الكبرى والأساسية هل سنتحرك كدولة ترى نفسها صاعدة ضمن أفق استراتيجي واضح، أم سنبقى أسرى رؤوس مُطَأطأة لا تُريد أن ترى أبعد من مسافة ظل أقدامها في رابعة النهار… ذلك هو السؤال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • سليمان ديزاد

    ما ورد في المقال مقبول كلّه و يمكن أن يحقق الإجماع لو كان مشكل الجزائر هو الدستور، لكن مشكل الجزائر هو أنها في قبضة جماعة إجرامية تعتبر الجزائر و خيراتها ملكا لها و تحقد حقدا شيطانيا على الشعب الذي تعتبره قطيعها الذي من حقها أن تستغله و لا يجوز له أن يطالب بتقرير مصيره وصناعة مستقبله و في هذه الحالة ما فائدة تغيير الدستور ما دامت الدساتير الجزائرية مجرد نصوص ميتة لا علاقة لها بالواقع الذي يعيشه الجزائريون؟ مشروع المشاريع الذي ينبغي للجزائريين، إن أرادوا الحياة، البدأ في إنجازه هو التحرّر من الاحتلال اليهودي لبلدهم أما البقية فتأتي بعد الاستقلال.

  • عبد الحكيم بسكرة تابع

    ثم إن الوضع الحالي المفعم بالظروف المقلقة كضائقة وباء كورونا و ما تسببت به من خسائر في الارواح و من معاناة في المرض و من توقف في العمل لكثير من المواطنين و في مرحلة حكومة لم تستطع توفير كيس حليب او شكارة سميد في المحلات فترى المواطنين يصطفون بعضهم و راء بعض كلما وجدوا ضالتهم لعلهم ينالوا نصيبا من كيس حليب اصله ماء او كيس سميد و في واقع ينتظر فيه كثير من الأُسَر ِ على أمل اطلاق سراح من سُجن من افراده الذين منهم من سُجن منذ عشرين سنة اثناء العشرية السوداء و منهم من سجن اثناء الحراك الشعبي المبارك في وقت جل الدول اطلقت سراح المسجونين الذين لا يشكلون خطرا , افي هذا الظرف نناقش تعديل الدستور.

  • عبد الحكيم بسكرة

    اكتفي بوضع تعليقي الذي وضعته ردا على د . رخيلة :إن اهم شيئ في الدستور هو ان يكون وضعه او تعديله من طرف سيادة الشعب فكيف نرضى بتعديل الدستور في الوقت الحالي و جل الشعب لم يطالب في اولوياته بتعديل الدستور لأن تعديل الدستور يتطلَّبُ تهيئة الارضية المناسبة له مثل وجود المجالس المنتخبة الشعبية الشرعية و هذا الشرط غير متوفر لأننا ورثنا مجلسا شعبيا او برلمانا بغرفتيه لا شرعية له ولا يمثل الشعب بحكم تزويره من طرف عصابة بوتفليقة , ثانيا الآن نحن في وضعية ازمة وبائية عالمية لا تمهد و لا تناسب مناقشة اهم شيئ يخص الشعب وحده و هو مغيب بالكامل فاغلبية الشعب التي لم تنتخب على الرئيس الحالي و الاقلية التي

  • محمد قذيفه

    بارك الله فيك الاسترتيجية الصحيحة هي الأصح وليس العبارات المطاطية من تزويق وتنميق ظاهري ولا شيء في الداخل

  • عيسى حمدي

    هنا مربط الفرس أستاذنا

  • عبد الرحمن

    من المنطق أن يعرض الدستور للمناقشة و الإثراء ، بعد إجراء الانتخابات البرلمانية و المحلية . أما عرض الدستور حاليا ، فهو مغامرة و مجازفة بالوطن و بالمواطن . وربما هذا التسرع مقصود ، لتستمر الرداءة والفوضى و اللامبالاة . فالمؤسسات الشرعية على جميع المستويات هي التي تنجز دستورا مصيريا و ليس الدستور هو الذي يبني مؤسسات شرعية .

  • العمري

    بناء الديمقراطية ودولة القانون ليست عبارات عفا عنها الزمن بل هي تحديات كبرى للجزائر وأولويات كل توجه سياسي جديد.بينما الانتماءات الزائفة كافر قيا والشرق(أي شرق؟) والأفروآسيوية لا طائل منها ولا معنى لها وهي ثرثرة لا غير.
    ما جاء في القانون الاساسي للحزب الشيوعي الصيني وليس الدستور الصيني كما جاء في المقال يتكلم عن "الحضارة الروحية الاشتراكية " بمعنى تطبيق القيم الاخلاقية للاشتراكية كالأخوة والعدالة والمساواة والتضامن مع المقهورين .. وليس" الاشتراكية الروحية"، والفرق شاسع. كما هو لا يتخلى عن النهج المادي بل ينص صراحة على أن المبادئ الرئيسية الموجهة لعمله مصدرها الماركسيية اللينينية .

  • عبد القادر

    السلام عليكم استادي الكريم--------------------تعجبي في كثير من الاكاديميين براءتهم في طرح و مناقشة الافكار.....و الحقيقة ياستاد ان الدين كتبوا هده المسودة انمنا كتبوها بخبث كبير و دهاء منقطع النظير فهم قد ادرجوا قصدا مبادئ جديدة للامة و مفاهيم غربية للمجتمع في قالب ركيك يخلط بين القانون التنظيمي و المبدا الدستوري

  • salah

    ولا ذكر لامتدادات أول دولة إسلامية في الجزائر والمتمثلة في الدولة الرستمية.
    فلماذا يا ترى؟

  • جمال

    انتمي وحدك الى الشرق، تريدنا ان نكون امعة في الاخرين، وماذا ياتيك من الشرق

  • ابن الجبل

    أنا أضيف سؤالا جوهريا مهما ، بما أن كل سلطة جديدة تأتي الا وتخيط دستورا حسب مقاسها ... المشكل ليس هنا ، فالتجديد ضروري حسب الزمن ومقتضيات العصر ... انما المشكل يكمن في عدم تطبيق الدستور على الواقع . ولنا في مضى أمثلة كثيرة على ذلك ...!!

  • قل الحق

    إننا جزائريون، مسلمون، أفارقة وننتمي للشرق بمفهومه الواسع، لا للغرب الذي اعتدى علينا باستمرار.
    جملة تختصر كل شيء