-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في ذكرى تأسيس أم الجمعيات (4)

التهامي مجوري
  • 652
  • 2
في ذكرى تأسيس أم الجمعيات (4)
ح.م

ما يعرفه الناس من الوسائل يعتمدها الإصلاحيون في نشاطاتهم الإصلاحية، الخطابة في المساجد والتدريس، وحملات الاتصال المباشرة مع الجماهير، فيما يقومون به من دروس في المساجد والخطب والزيارات الميدانية إلى المدن والمداشر، وحضور المناسبات الإجتماعية، مثل الولائم والمآتم والمناسبات الدينية كالمولد النبوي وشهر رمضان وغير ذلك من المناسبات.
فإلى جانب تلك الأنشطة المتعارف عليها، كانت هناك وسائل أخرى اعتمدتها الجمعية واعتبرتها هي الأصل، وما عداها كانت تعتبره من الأعمال التعبوية التحريضية على الاستعمار وأعوانه، المكملة للجهد الأصلي، الذي هو تأسيس المؤسسات الإعلامية، وإنشاء المدارس، والنوادي…
ففي الإعلام كان نشاط رجال الإصلاح، يتمثل في الكتابة في الجرائد لموجودة مثل النجاح وجرائد إبراهبم أبو اليقضان، غيرها من الجرائد المتاح النشر فيها. أما أولى الجرائد التي أنشأها رجال الإصلاح جريدتان هماك جريدة المنتقد لابن باديس وجريدة الإصلاح للطيب العقبي، إضافة إلى جرائد إبراهيم أبو اليقضان الكثيرة.
أما المنتقد فقد أوقفتها الإدارة بسبب شدة لهجتها على الإستعمارين: الاستعمار الطرقي الخرافي البدعي الموالي للإدارة الاستعمارية، حيث كان عنوان الجريدة ردا على الطرق البدعية، التي كانت تقول “اعتقد ولا تنتقد”، والاستعمار الثاني هو فرنسا التي كانت تعتبر القطر الجزائري جزءا من فرنسا، شعار المنتقد هو “الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء”، وبعد توقف المنتقد بقليل أعاد ابن باديس إصدار الشهاب في سنة 1926، واستمرت إلى أن توفي رحمه الله سنة 1940. وأما الإصلاح فقد توقفت بسبب الصعوبات، حيث كانت تعد في بسكرة وتطبع في تونس وتوزع في المدن الجزائرية ومن المدينة العلمية قسنطينة، ثم إن الشيخ الطيب قد انتقل إلى العاصمة بطلب من أعيانها ليقوم على النشاط العلمي بنادي الترقي.
وبعد تأسيس الجمعية، حاول العلماء إصدار جريدة كلسان حال للجمعية، ولكن الإدارة رفضت الاستجابة، فأسسوا السنة المحمدية، وعطلت بعد صدور أعداد قليلة منها، ثم أصدروا الصراط السوي وعطلت أيضا، بعد صدور أعداد قليلة أيضا، فأصدروا لشريعة المحمدية، وعطلت أيضا بعد صدور أعداد منها…، كل هذه المحاولات كانت مابين 1931/1933، ثم صرف العلماء النظر عن الموضوع واعتبروا الشهاب -التي هي مجلة الشيخ ابن باديس- مجلتهم فاكتفوا بما ينشر فيها، إلى أن تغير شكل السلطة في الجزائر، فأعادوا طلب اعتماد جريدة كلسان حال للجمعية/ فاعتمدت البصائر في ديسمبر 1935، واستمرت إلى أن توقفت الجمعية عن النشاط نهائيا.
وإلى جانب الإعلام كانت الجمعية تعتبر أن التربية والتعليم هي عصب النهوض بالمجتمع، وهو العمود الفقري في عملية الإصلاح والتغيير؛ لأن صياغة المجتمعات ومؤسساته كلها تمر من هنا، فركزت الجمعية على إنشاء المدارس، بمراحلها الأساسية الابتدائي والمتوسط تحديدا، فأسست ما يربو عن الأربعمائة مدرسة يؤطرها مئات المعلمين ويجوبها آلاف التلاميذ، إضافة إلى التعليم المسجدي والدروس العامة…، ثم أنشت بتلمسان دار الحديث وبقسنطينة معهد ابن باديس، وتم التنسيق مع الزيتونة لقبول طلبة معهد ابن باديس، كما سافر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي إلى المشرق، لفتح قنوات مع الدول العربية لاحتضان بعثات علمية، والحصول منح للدراسة لصالح الطلبة الجزائريين.
وهؤلاء الطلبة المنتظمون في مدارس الجمعية ومساجدها، يكلفون بالنشط العلمي في في بلدانهم التي يعودون إليها في العطل الصيفية، فيقومون بحملات تعليمية، تحفيظ القرآن، محو الأمية، دروس دعم استعدادا للدخول المدرسي…إلخ.
ومن وسائل تواصلها مع أبناء المجتمع، انها فتحت أقساما للطلبة لذي يدرسون في المدارس التي خصصتها فرنسا للأهالي وهي مدارس “الفرانكو موزيلمان”، وسمت ذلك بالتعليم التكميلي، أي تستدرك ما فاتهم مما ينبغي أن يتعلموه وحرمتهم منه المدارس الرسمية.
وفي التعليم دائما مما تنبهت الجمعية إليه هو تعليم المرأة الذي كان معدوما في قاموس المجتمع الإسلامي، فكان ابن باديس يقول في معرض ترغيب الناس في تعليم البنات إن تعليم ولد تعليم لفرد، أما تعليم بنت فتعليم لأمة؛ لأن تعليم البنت يعني تعليم أم، والأم هي المربي الأول في المجتمع باعتبارها سيدة الأسرة ورب البيت.
لقد بادر ابن باديس في سنة 1938 بالتحضير لبعثة علمية إلى دمشق، والتلاميذ فيها بنات، حيث راسل إحدى حفيدات الأمير عبد القادر رحمه الله، وكانت رئيسة لجمعية تسمى “دوحة الأدب”، وقبلت حفيدة الأمير ،وشرع الشيخ في تحضير القائمة بالتشاور مع أولياء البنات اللائي اختارهن، ولكن الحرب العالمية الثانية، التي بدت بوادرها في تلك السنة 1938 حالت دون المشروع، ثم توفي الشيخ قبل نهاية الحرب فتوقف ولم يستمر، ولكن فكرة تعليم البنت ظلت راسخة في أذهان رجال الجمعية، حتى أن الشيخ محمد لبشير الإبراهيمي رئيس الجمعية بعد ابن باديس، كتب أرجوزة بعث بها إلى علماء نجد يحثهم فيها على تعليم البنات وهي منشورة في الجزء الرابع من آثارهّ، نقتطع منها هذا الجزء.
ورغم أن علماء نجد –الوهابيون- فيهم من الشدة والتعصب، ما يصم آذانهم عن مثل هذه الدعوات، لا سيما فيما يتعلق بالمرأة، فإن جرأة الشيخ لم تمنعه من الجهر بفكرته، لا سيما وأنه كانت له علاقات، مع المتنورين منهم أمثال نصيف رئيس رابطة العالم الإسلامي الأسبق.
يقول في هذه الأرجوزة:
كِتْمَانُهَا غَبْنٌ وَغِشٌّ وَضَرَرْ … لَا تَنْسَ (حَوَّا) إِنَّهَا أُخْتُ الذَّكَرْ
تَحْمِلُ مَا يَحْمِلُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرْ … تُثْمِرُ مَا يُثْمِرُ مِنْ حُلوٍ وَمُرْ
وَكَيْفَمَا تَكَوَّنَتْ كَانَ الثَّمَرْ … وَكُلُّ مَا تَضَعُهُ فِيهَا اسْتَقَرْ
فَكَيْفَ يَرْضَى عَاقِلٌ أَنْ تَسْتَمِرْ … مَزِيدَةً عَلَى الحَوَاشِي وَالطُّرَرْ
تَزْرَعُ فِي النَّشْءِ أَفَانِينَ الخَوَرْ … تُرْضِعُهُ أَخْلَاقَهَا مَعَ الدِّرَرْ
وَإنَّهَا إِنْ أُهْمِلَتْ كَانَ الخَطَرْ … كَانَ البَلَا كَانَ الفَنَا كَانَ الضَّرَرْ
وَإنَّهَا إِنْ عُلِّمَتْ كَانَتْ وَزَرْ … أَوْلَا فَوِزْرٌ جَالِبٌ سُوءَ الأثَرْ
وَمَنْعُهَا مِنَ الكِتَابِ وَالنَّظَرْ … لَمْ تَأْتِ فِيهِ آيَةٌ وَلَا خَبَرْ
وَالفُضْلَيَاتُ مِنْ نِسَا صَدْرٍ غَبَرْ … لَهُنَّ فِي العِرْفَانِ وِرْدٌ وَصَدَرْ
وَانْظُرْ هَدَاكَ اللهُ مَاذَا يُنْتَظَرْ مِنْ أُمَّةٍ قَدْ شَلَّ نِصْفَهَا الخَدَرْ
وَانْظُرْ فَقَدْ يَهْدِيكَ لِلخَيْرِ النَّظَرْ … وَخُذْ مِنَ الدَّهْرِ تَجَارِيبَ العِبَرْ
كما اعتمدت الجمعية في وسائلها الإصلاحية، على إنشاء النوادي لجمع الشباب على أهداف وغايات اجتماعية وثقافية، تشغلهم بما انشغلت به في رسالتها الإصلاحية، وغاياتها التحررية السامية؛ بل كانت الجمعية، إضافة إلى البعثات العلمية تفكر في إنشاء كلية دينية، ليكون للجزائر مؤسسات تعليمية شرعية مثلما لمصر جامعة الأزهر، ولتونس جامع الزيتونة، وللمغرب جامعة القرويين.
وهناك وسائل أخرى كثيرة لها علاقة بعادات الشعب الجزائري وطبائعه وأعرافه، لا يتسع المجال للخوض فيها الآن، لكنها كانت كلها استجابة لنداء، فرضته طبيعة الجمعية ورسالتها، فأضحى رجاله يتحسسون كل مواطن التأثير وأساليبه، متوسلين في ذلك بكل العلوم الإنسانية، تربية وتعليما وعلم نفس والإجتماع والسياسة….إلخ، ومن يقرأ لعلماء الجمعية يلمس قدرة عالية على توظيف وتنظيم المجتمع، في إطار خطط الجمعية النهضوية، وفق تكامل معرفي واحد، وكأن العلوم التي حصلها رجال الجمعية، من لغة وفقه وبلاغة وعلوم إنسانية….، أصبحت علما واحدا بمنهجية عالية؛ بل إن تلقينهم لطلبتهم في المدارس، ينقلون إليهم العلوم بصيغ تربوية تفوق مجرد التعليم، فالفاعل في النحو مرفوع، ولكن في مدارس جمعية العلماء، ليس مرفوعا وحسب وإنما يرفع صاحبه…. فكل فاعل مرفوع؛ لأنه يفعل شيئا !!. وفي الجغرافيا وقع البحر الأبيض المتوسط، هو لبحر الذي يفصل لجزائر عن فرنسا…، وإلى ما هنالك من الأفكار وللطائف الباعثة للجيل على تفتيق المواهب وصقلها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • هشيمالهاشمي

    هؤلاء من يستحقون التكريم والتنويه بما قدموه للجزائر في زمن صعب وقاس؟! لكن هاهي تنسى وتصير من الماظي وويتطاولون عليهم بما لايستحقونه وهذا يعد لؤم *ان أنت أكرمت الكريم ملكته **وان أنت أكرمت اللئيم تمردا* كيف تستقيم أمور أمة تكون ، ناكرة لمن أسدوا لها معروف وعلما ؟! فلا خير في من ينكرون العرفان بالجميل ؟ لهؤلاء الخيرين الذين عملوا وجاهدوا بالكلمة والقلم في زمن استدمار ، حكم بالحديد والنار ، واضطهاد لكل انتماء عروبي واسلامي بكل الطرق المتاحة والدسائس الدنيئة؟! فرحم الله رجالها الأفذاذ وجزاهم الله خيرا عن ما قدموه من أعمال جليلة وقيمة وهي بحق تعد * أم الجمعيا ت *وبورك في الأستاذالمحترم مجوري

  • وجهة نظر

    تنظيم لمثل هذه الجمعيات يشكل خطر في إحداث الفتن
    لهذا ليس من السهل تنظيم هكذا جمعيات تهتم بجميع الميادين
    لأنها حتما ستتعرض للإختراق أن يتم إختراقها من طرف الخباثاء
    وكلما زادت أهميتها زاد تأثيرها وكلما زاد تأثيرها زاد أعدائها
    دون أن ننسى تدفق الأموال في صندوق الجمعية
    لهذا نستنتج أنها جمعية تريد أن تقيم دولتها بحد ذاتها
    وهنا لا يمكن إعتبارها مدرسة علمية
    لأنها ستتمرد و تتعثر كما البغلة مهما طال صبرها
    المثل البدوي
    الطريق طويلة و البغلة عثارة
    أشياء كثيرة أعجبتني في هذه الجمعية و إهتماماتها الإجتماعية
    أسلوب تنظيمها للمفاهيم و تقسيمها إلى أقسام تكمل بعضها
    المبادء لبد أن تكون جذور سليمة