-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في مطار اسطنبول

التهامي مجوري
  • 2146
  • 4
في مطار اسطنبول
ح.م

أول ما فوجئت به عندما وصلت إلى مطار اسطنبول هو أن السيارة التي جئت بها إلى مطار، أوصلتني إلى مدخل المطار، وليس مثلما هو الحال عندنا، حيث يعتبر ذلك امتيازا، وإلا فإن القاعدة في مطارنا الدولي هي أن تضع سيارتك في الحظيرة ثم تلحق بالمطار.
وقلت في نفسي هذه تركيا المهددة أمنيا من قِبَل أكثر من جهة: من المعارضة الكردية المسلحة، ومن الفرق السورية المعارضة للتوجه التركي، ومن تنظيم داعش الذي هو على مرمى حجر من المدن التركية…، كل هذه الجهات لم تُخِفْ الدولة التركية، حتى تحتاط فتمنع وصول الركاب إلى مدخل المطار وتكثر من الحواجز الأمنية؛ لأن خدمة السائح من صميم فلسفة تنمية الاقتصاد التركي، والعمل على راحة السائح وزائر تركيا عموما، ولأن ذلك من أسباب جلب السياح الأجانب، وهذا ما لمسته بعد ذلك عندما دخلت المطار، سواء في كلام الناس عن الخدمات المقدمة، أو في الخدمات المقدمة بالفعل، أو في تنوع الجنسيات وكثرتها.
مطار اسطنبول بالمناسبة هو ثالث مطار دولي في تركيا، وهو أكبر مطار افتتح جزء منه في 29 أكتوبر 2018، على يتم استلامه مع نهاية العالم.. مطار معد لاستقبال 200 مليون سائح، أنجزته شركة دولية، مقابل استغلاله سبع سنوات، ثم تستلمه تركيا لتستغله ولا يشركها فيه أحد من العالم.
ففي مدخل المطار إذا كنت محملاً بالأثقال، يمكنك أن تأخذ عربة من سلسلة عربات متصلة ببعضها البعض، مصفوفة أما مداخل المطار، لتحمل عليها أثقالك، ولكن مقابل ليرة تضعها في العربة لتنفك عن السلسلة الموصولة بها….، وتدخل المطار مارا بحاجز أمني مثقلا بأمتعتك، لتجد فرقة من أعوان شركة الطيران التركية، حيث يمكنك أن تستلم بطاقة الصعود إلى الطائرة “la carte d’accès”، من غير أن تمر بالطابور، ثم تصعد مباشرة إلى شرطة الحدود لتنتقل إلى بوابة الركوب؛ لأن الأعوان منتشرين ببهو المطار وليسوا وراء مكاتبهم فحسب، وإذا كنت مثقلا بالأمتعة فيجب عليك الانتظار قليلا بسبب الزحمة.
دخلت المطار فوجدته مكتظا جدا، ولم أفهم سبب هذا الاكتظاظ في البداية، هل هو بسبب صغر المطار بحيث لا يسع إلا القليل؟ أم أن زوار تركيا كثر بحيث تغص بهم الساحات مهما اتسعت لكثرتهم؟
وبمدخل المطار يوجد طابور طويل وحاجز أمني، لتفتيش الأمتعة عبر السكانير، تفتيشا دقيقا بحيث إذا وجد جهاز ألكتروني مثلا، مثل “كمبيوتر أو أيباد أو طابلات”، فإن عون الأمن يطالب صاحبه بفتحه وتشغيله.
وفي الطابور الطويل، رأيت ما لم أر في حياتي في بلاد عربية أو إسلامية، حيث شاهدت شابة وشابا أظنهما تركيان، يتعانقان حينا ويتباعدان حينا آخر وكأنهما وحشين في غابة… وكنت في فريق من الأصدقاء والزملاء وبيننا نسوة، ولكن لحسن الحظ أننا كنا متباعدين، فكل واحد كان يرى وحده، وإلا لكانت الفضيحة، لا سيما فيما بين النساء والرجال والكل أجانب عن بعضهم.
هذا وجه من وجوه تركيا القبيحة، حيث لاحظت هذا المشهد في شوارع مدينة اسطنبول أيضا بكل أسف.
على كل حال لم أتمكن من معرفة سبب الاكتظاظ بالشكل اللازم، إلا عندما صعدت إلى البوابات التي نغادر منها إلى الطائرة، حيث اتضح لي أن الأعداد هناك تقل كثيرا عما كانت عليه في بهو المطار؛ لأن المسافرين الذين يدخلون إلى المطار تستقبلهم ساحة واحدة محدودة، فإذا كانت هناك رحلات كثيرة في نفس الوقت مثلا فإن الساحة تغص بهم، ولكنهم عندما يصعدون إلى البوابات يتفرقون ويتوزعون على رحلاتهم المقررة.
مررت بشرطة الحدود ثم بعد التأشير على الجواز بالخروج من الأراضي التركية، مررت بحاجز امني ثاني لمراقبة الأمتعة المحمولة بالأيد.. ولكن بعدما مررت من هذا الحاجز وجدت جواز سفر جزائري بين الأمتعة المتراصة، من أمتعتي والأمتعة التي سبقتني والأمتعة اللاحقة؛ بسبب سرعة رجال الأمن والآلات المستعملة، فأخذت الجواز واطلعت على صورته، وبحثت عنه قرب المكان متاملا الوجوه المحيطة به فلم أجده.. وبقيت حائرا ماذا أفعل؟ هل آخذ الجواز معي وأبحث عنه في البوابة؟ أم آخذه معي إلى “لبلاد” وأسلمه إلى مكان إقامة صاحبه؟ أم أسلمه إلى شرطة الحدود التركية؟

ماذا أفعل؟

وبعد تردد دام دقائق، وأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى، اطمأنت نفسي إلى تسليم الجواز ومعه بطاقة الصعود إلى الطائرة “la carte d’accès”، إلى أمن الحدود التركية طمعا في أن يتصرفوا هم وفق ما يقتضيه الحال، فهم يمكن أن ينادوا عن صاحبه بمكبرات الصوت، أو يذهبوا بالجواز إلى السفارة الجزائرية أو يبعثوا بالجواز إلى البوابة حيث يوجد –افتراضا- صاحب الجواز وإلى ما هنالك من الأمور التي خطرت ببالي في تلك اللحظة…، ثم بعدما سلمت الجواز إلى الشرطة، ذهبت مسرعا إلى البوابة التي سنركب منها وأعلنت فيمن وجدت من الناس –الجزائريين-، “يا ناس لقد وجدت جواز سفر جزائري ضاع من صاحبه وسلمته إلى شرطة الحدود بالمطار، فمن يعرف هذا الشخص، أو وجده يبحث فليبلغه بذلك”، فسألني شخص وما إسمه؟ فتأسفت لأنني لم آخذ إسمه…
ولكن ما استغربت له أن شخصا قال لي “كيفاه هذا يضيع باصبورو”؟ وقال آخر وماذا يفيد أن تقول لنا هذا عنه الآن؟ وقال آخر “يا حليل مسكين واش يصرالو”….، وأنا كنت أعلم أن الوقت متأخر وأن صاحب الجواز لا يمكن أن يكون هنا، ولكن قلت ربما يوجد من يعرفه فيتصل به، أو يوجد من رآه يبحث عنه.
وشعورا مني بالمأزق الذي وقع فيه هذا المسكين، كنت أنتظر أن يكون رد الفعل هو الصياح على الأقل في وسط الحضور: من ضاع له باصبور.. من ضاع له باصبور.. من ضاع له باصبور.. من ضاع له باصبور..، ولكن ذلك لم يقع بكل أسف، ولا أدري ما الذي وقع لصاحبنا. هل دخل البلاد؟ أم لا يزال معلقا في مطار اسطنبول؟ أم تجاوز المحنة وحصل على جوازه؟
في هذه الساعة التي كنا فيها في المطار، توجد ثلاث رحلات إلى الجزائر، واحدة إلى الجزائر العاصمة، وأخرى إلى قسنطينة، وثالثة إلى وهران.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • حميد

    وصلت الرسالة.
    هذه التعالبق تحت تؤكد استغرابك من ردة الفعل عندما أعلنت عن ضياع جواز و وجهت إلى الجهة المعنية بدل ردة الفعل التي توقعتها و لم تحدث.
    تجد كل كلام و حتى طول اللسان إلا الكلام المجدي و الهادف لحل أي مشكلة.
    الله غالب يا أستاذ .... سبيطار كبير و في الهواء الطلق و المهابيل "يستبحراو".

  • Mohamed

    Waqila marra el oula tsafer lel kharedj. Mabrouk a3lik la3qouba lel djaya. dork twalef ma tzidch tenkhla3 hakda.

  • هشيمالهاشمي

    يآآآآ أستاذنا المحترم ان تركيا مثل أوربا فكلما رأيت بلد ناجحة فيه "السياحة فاعلم أن أهلها ومجتمعها صار حداثيا ومتقبل لكل قادم اليه بجماله وبقبحه" وبعبثه وبتهوره وبفساد أخلاقه ووبحسنها المهم أن تكثر السياحة وتكثر معها سييولة النقدية الأجنبية" ولاتهم بعدها الأخلاق والجمال الأخلاقي ونبلها ... وياليتك تكلمت على ما تمتازوا به من تهور وغلو فارغ

  • Yacine

    واش هاد الخرطي لي تحكي فيه