-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قائد صالح يجاور خلانه من شهداء ثورة التحرير

حبيب راشدين
  • 1622
  • 5
قائد صالح يجاور خلانه من شهداء ثورة التحرير
ح.م

تودّع الجزائر اليوم إلى مثواه الأخير قائد صالح، مجاهد وطني مخلص، ورجل دولة كبير، هو أهلٌ ليجاور خلانه من شهداء ثورة التحرير بمربع الشهداء بمقبرة العالية، وقد لقي ربه بأياد بيضاء لم تلطخها الفتنة بدماء شعبه، أياما قليلة بعد أن سلم الأمانة، وقاد بكفاءة واحدا من أخطر وأعقد الاختبارات التي واجهت الجيش الوطني الشعبي منذ الاستقلال، لتُكتب له هذه الخاتمة الحسنة التي يتمناها المسلم لأخيه المسلم.

الرجل الذي استخدمه الله لقيادة البلد بحكمة وتبصُّر، والعبور به سالما معافى إلى بر الأمان تصدُق فيه الآية الكريمة “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَٰهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”، وقد منَّ الله عليه بإحدى الحسنيين بشهادة كُتبت له في الجهاد الأكبر، وهو الذي اختبر محنة دفن خلانه من الشهداء في الجهاد الأصغر وهو ابن السابعة عشرة، وشرَّفه الله مع ثلة من المجاهدين بقتال العصابة الصهيونية، قبل أن يختم مشواره بقيادة حرب التحرير الثانية على بقايا الاستعمار وزمرة المفسدين في الأرض.

ولأن الذي لا يشكر العباد لا يشكر ربَّ العباد، فقد وجب علينا نحن جيل الاستقلال أن نقف بإجلال لمثل هذه القامات من رجالات الدولة والقادة الكبار بأفعالهم، وسيَرهم، ومآثرهم التي تخلّدهم بلا ريب في الذاكرة الجمعية لشعب مجاهد مقاتل، غيور على سيادته، وأرضه وعرضه، يعرف في الوقت المناسب كيف يكرم الخيِّرين من أبنائه، ونحسب هذا الرجل الفاضل منهم عند من لا يضيع عنده أجر المحسنين من عباده.

ولو لم يكن في حساب هذا الرجل العظيم، غير هذه الأشهر العشرة التي قاد فيها باقتدار الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، في واحدة من أخطر المعارك وأعقدها على أكثر من جبهة، لوجب علينا اليوم تشييعُه بعبارات الشكر والعرفان، مع الدعوة الصادقة بالرحمة الواسعة له ولمن أنعم الله عليهم بالشهادة من رفاقه: شهداء ثورة التحرير المباركة.

أفضل ما قيل عن الرجل أنه قد أوفى بما أقسم به على رؤوس الأشهاد بمرافقة الجزائريين والجزائريات في هذا الاختبار، وقيادة سفينة كانت بلا رُبّان إلى بر الأمان دون أن تراق قطرة دم واحدة، أو تُهدر فرص إقناع الجزائريين بسلوك المسار الأسلم الضامن للأمن والاستقرار، والعبور به من عين إعصار كان يهدِّد البلد في أكثر من جبهة.

وقد سبقني المنصفون إلى رصد مواقف القيادة الحكيمة اليقظة، وحسن إدارته لما كان على المحك قبل اندلاع فعاليات الحَراك الشعبي، في مواجهة ما كان يُحاك ويدبَّر للبلد منذ بداية استهداف العالم العربي بالمتشابه من الثورات المخملية الموجَّهة عن بُعد، ويُحسب لهذا الرجل الفذ مع خلانه في قيادة الجيش حسن قراءة المشهد، والاستعداد لتداعياته بتأمين مؤسسة الجيش وتطهيرها من بقايا العصابة التي ورّطته في فتنة العشرية السوداء، قبل مباشرة مهام إعادة البناء التي قادها المرحوم أحمد قايد صالح لجيش وطني شعبي قادر على حماية سيادة بلد قاري، محاط بجبهات ملتهبة، وطوق من الدول الفاشلة المستباحة لعبث المجاميع الإرهابية المصنَّعة وللتدخل الأجنبي السافر.

ولأن المجال لا يتسع في هذا المقام لتثمين أعمال وسلوك هذا الرجل العظيم، والقائد العسكري المحنك، فإنني أتوقف بإجلال له ولرفقائه في قيادة الجيش الوطني الشعبي عند أشرف وأعظم معركة خاضها معهم لإعادة بناء الثنائي الفاضل: “الشعب وجيشه” في عملية ترميم وإعادة بناء دؤوبة استغرقت قرابة العقدين، كان لها الفضلُ في ما تحقق في الأشهر العشرة المضطربة من تلاحم وتناغم بين “الشعب وجيشه” هي التي فوّتت على العصابة فرصة صناعة الفوضى للإفلات من المحاسبة، وردعت بأكثر من طريقة من كان يراهن على الفوضى الخلاقة، وعلى المتشابه من “المراحل الانتقالية” كمقدِّمة لاستباحة بلد الشهداء وتهيئته للتدخُّل الأجنبي.

رحم الله القائد الصالح والمجاهد الوطني المخلص أحمد قايد صالح، وأسكنه فسيح جنانه، وتغمده برحمته الواسعة “مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّٰالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • اب ألاء

    لا فض فوك أستاذ حبيب وفيت وكفيت.أللهم ارحم المجاهد الصالح القايد صالح وأسكنه فسيح جناتك.

  • رضوان

    رحم الله شهيدنا وأسكنه فسيح جناته، لكن المكسب الأهم لأمتنا هو عودة البوصلة النوفمبرية إلى إحياء النفوس والضمائر، وإدراك حقيقة المعركة التي تتجاوز تصورات الديمقراطية المستوردة، وإنما المعركة الحقيقية هي دحر القابلية للاستعمار، وكل محاولات الكولونيالية الجديدة في تشويه رموزنا ومرجعيتنا. لكن هذا الفصل من تاريخ أمتنا ينبغي أن يدفعنا إلى إعادة إنتاج المعنى من هذه البوصلة.

  • عبد الدائم

    رحمه الله برحمته الواسعة ، العسكري الوحيد في وطننا العربي ، الذي سيكتبه التاريخ في سجل الزعماء ...
    ستنصفه الأيام حتماً ، بأنه الرجل الذي وقف أمام الإنحراف ، والفوضى والعبث ...
    إنا لله وإنا إليه راجعون ..

  • حمودي

    يمشي الرجال و تبقى 'الفكرة حية" ...و الفكرة التي آمن بها الرجل هي الجزائر بكل ما تحمل من قيم جاهد و مات من أجلها الأبطال الشهداء من الأمير عبد القادر إلى القايد صالح...رحم الله رجل اللاعنف و أدخله فسيح جناته...إن لله و إن إليه راجعون...و سيخلدك التاريخ في معبده الخالد بأحرف من ذهب...

  • HOCINE HECHAICHI

    عمي الصالح ربي اشرحم عاشذ ذا رقاز ثموثذ ذا رقاز

    وعدت ووفيت وانتقلت إلى رحمة الله قرير العين مرتاح البال