-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. قبل أن ينقلب السحر على الساحر

حبيب راشدين
  • 1847
  • 2
.. قبل أن ينقلب السحر على الساحر
أرشيف

الأزمة المصطنَعة في رأس جبهة التحرير، داخل البرلمان ثم في أمانته العامة ومكتبه السياسي، مؤشرٌ خطير على هشاشة مؤسسات الحكم، حتى بات الأمين العام للحزب الأول الماسك بالأغلبية في البرلمان يقال ببرقية من جهة “مجهولة” خارج القواعد واللوائح التنظيمية للحزب، كما رحل رئيس الغرفة السفلى بانقلاب من المؤتمَنين على التشريع وخرق أحكام الدستور والقانون الداخلي للبرلمان.
حتى الآن، لم يصدر عن أي جهة رسمية في هرم السلطة ما يصلح لإغلاق باب المضاربة حول أسباب ترحيل رئيس الغرفة السفلى في هذا التوقيت، واستهداف رجل لم يكن له وزنٌ يُذكر لا داخل اللعبة البرلمانية المغلقة بأكثر من مفتاح، ولا داخل لعبة السلطة على مستوى أعلى، حتى يضطرّ أحد أطراف اللعبة إلى تحييده، ولم يكن للأمين العام لجبهة التحرير أن يشاغب على خيارات أركان السلطة حتى تضطر إلى إقالته ببرقية بُني فيها قرار الإقالة للمجهول.
ثم إن قرار الترحيل وبهذا الأسلوب الانقلابي الذي يسفِّه الطرفين “الضحية والجلاد” سوف تكون له كلفة سياسية آنية ولاحقة تضرب القليل مما كان لهذه المؤسسات من مصداقيةٍ يصعب ترميمُها بعد حين. ولو أن جهة من خارج السلطة سعت إلى خلق أجواء مشاغبة مماثلة تستهدف ضرب الاستقرار داخل بعض مؤسسات الدولة لكان وجب ملاحقتُها قضائيا بتهمة ضرب الاستقرار وتخريبه عشية استحقاق حساس محفوف بالمخاطر.
حتى الساعة، ومع اقتراب موعد الرئاسيات، كانت معظم المؤشرات في الداخل والخارج، على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي أكثر من مريحة للسلطة، مع استقرار أمني متنام، وتعافي البلد ماليا بعد عبور عين الإعصار في 2016 و2017، وتراجع منسوب التهديد الإقليمي في الجهات الأربع، وغياب أيِّ تهديدٍ جدي للجبهة الاجتماعية، وخلود المعارضة إلى الأرض بعد أن سفهت معظم رهاناتها على ثورة مستحيلة داخل القصر تكفي المؤمنين شرَّ القتال، حتى إن السؤال الذي كان يُطرح في الشهور القليلة الماضية كان منشغلا بتقدير توقيت الإعلان الرسمي عن ترشح الرئيس لعهدة خامسة ليس إلا.
ومن الواضح أن تخريب هذا التوازن الهش الذي كان سيساعد في كل الأحوال على تمرير أي خيار للسلطة قد جاء من قلب السلطة، بتصنيع متتابع غامض لأحداث أساءت كثيرا إلى مؤسسات أمنية وتشريعية وتنفيذية وقضائية كان يُخشى عليها من استهدافٍ يأتي من خارج دوائر السلطة، بما أعطى انطباعا قويا بأن البلد تشهد صراعا فعليا بين أكثر من جناح ذي نفوذٍ في الدولة العميقة وبين أركانها، ليست معنية على ما يبدو بتبعات هذا العبث الآثم بمؤسسات الدولة وزعزعة الاستقرار بها.
وسواء كان الأمر مقصودا أو جاء نتيجة للصراع، فإن ما وصل منه للرأي العام في الداخل أو للأطراف الخارجية التي ترصد الوضع في البلد عن كثب هو أنّ دفة السفينة قد صارت محل تدافع بين أيد كثيرة تميل بها ذات اليمين وذات الشمال، في مشهدٍ مضطرب حرج يحقُّ للمواطن البسيط أن يقلق بشأنه، ما لم تستعد السلطة رشدها وتعفي نفسَها والبلد من تبعات لعبة السَّحرة التي قد ينقلب فيها السحرُ على الساحر من حيث لا يحتسب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • hamid

    يقول المثل : الطمع يفسد الطبع . هذه كلها صراعات على المصالح و الثراء بغير حق لانه لا يوجد رقيب و لا حسيب للمال العمومي .

  • الطيب

    من خلال ما حدث لبوحجة كرأي تجسد للعيان و نفذه ولد عباس ثم ما حدث لولد عباس كرأي مضاد للأول يتبين أنّ الحوار و التوافق حول الرئاسيات تجمد داخل ثلاجة على مقربة 5 أشهر منها ! ربما سيكون الاتفاق على تأجيلها و منح الوقت الكافي للأفلان لتصحيح ما يمكن تصحيحه أمام الرأي العام .