-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قفة الإحسان.. أم مهزلة رمضان!

قفة الإحسان.. أم مهزلة رمضان!
أرشيف

صورُ التدافع والتزاحم وسط الرجال والنساء والشيوخ، والذي وصل حدّ التشابك والعراك بين المواطنين، من أجل الظفر بمساعدة بائسة أطلقوا عليها “قفة رمضان”، للإيحاء بمعاني الرحمة في الشهر الفضيل، أصبحت وصمة عار تلاحق مسؤولي البلد في كافة المستويات، مثلما كشفت عن سلوكيات اجتماعيّة في غاية الانحطاط، وصارت الظاهرة السيئة بحاجة إلى فهم وتفسير وعلاج.
لقد اجتهدت مصالح وزارة التضامن، والجماعات المحليّة منذ سنوات في تقديم تلك المساعدات الرمزيّة والموسميّة التي لا تسمن ولا تغني من جوع على أنها في صلب السياسة الاجتماعية للدولة وتجسيد لاهتمام الحكومة بالفئات الهشّة، لكنّ الطوابير الطويلة والتدفقات البشرية للمتسوّلين، أمام عتبات المؤسسات الرسميّة والخيرية منها على السواء، يعكس مستوى الفشل في توفير شروط الحياة الكريمة لقطاع واسع من الجزائريين، الذين أضحوا يعيشون اليوم على صدقات أهل البرّ والإحسان، بدل أن يتمكنوا من ضمان لقمة العيش في كنف الكرامة والعزّة.
إنّ تلك المشاهد المُخزية لمئات الآلاف من المحتاجين عبر الولايات، وهم يقضون يومياتهم مصطفّين أو متزاحمين، لأجل افتكاك كيس دقيق أو قارورة زيت، تكّذب الأرقام الحكوميّة عن مؤشرات العيش والرفاهية والعمل والبطالة في الجزائر، ليبقى البون شاسعًا بين الإحصاءات النظريّة التي تتشدَّق بها السلطات العمومية في المحافل الوطنية والدوليّة وبين الواقع المعيش لفقراء ومساكين تتسع دائرتهم بمرور السنوات.
غير أن الأسوأ من الفقر المادّي هو الفقر الذهني والقلبي الذي يُفقدُ مفتول عضلات همّته وشهامته، حاشرًا نفسه في عداد المحتاجين، بينما هو في كامل قواه الجسديّة، إذ في مقدوره أن يكسب رزقه وطعامه بعرق جبينه دون أن يمدّ يده العفيفة لأحد، لكنه عاطلٌ وقاعد مع المخلّفين عن معارك الحياة، كما قد تصادف آخرين تملّكهم الجشع والطمع، فراحوا يزاحمون غيرهم على عطايا غير مستحقّة، وهم في غنى عنها.
قد ينكر منكرٌ على هؤلاء العاطلين والملهوفين فيقول: إنّه لا ذنب للدولة في تصرفاتهم الإراديّة، لكنّها في الحقيقة تكريسٌ لثقافة اجتماعية فاسدة نتجت عن سياسات عامّة خاطئة، جعلت العملَ لدى كثيرين قيمةً دُنيا أمام عقليّة الاتكال أو البحث عن فرص الربح السريع، فلماذا يكدّ الغلابى ويُجهدون في بناء مستقبلهم، في حين يولد غيرهم أثرياء بسخاء البنوك والأموال العامّة؟ هكذا يفكرّ بعض شباب الجزائر اليوم بسبب التفاوت الطبقي المصطنع.
صنفٌ ثالث من المتهافتين على موائد المنّ والسلوى يجزم أنّ توزيع الإعانات في بلادنا لا يخضع أبدا لمعايير الشفافية والاحتياج بل تحكمه اعتبارات القربى والولاءات السياسيّة، وبالتالي من حقّه الانتفاع بالرّيع طالما كان ذلك متاحًا لأمثاله من ذوي النفوذ المحلّي والإداري.
في كل الأحوال، ومهما كانت حاجة المستفيدين وأحقيّتهم في قفة رمضان وغيرها من المساعدات، فقد أضحت مرادفة للإذلال والاستغلال والابتذال، ولم يعُد مقبولاً الإصرار على استمرارها بهذا الشكل المُسيء للكرامة والمشجّع على التوظيف السياسوي وتعليم الكسالى فنون التسوّل!
طبعًا ليس المطلوب حرمان الفقراء من حقوقهم الإنسانيّة، ولكن بات من الضروري تطوير آليات جديدة تصون الأنفة البشريّة وتحدّ من سلوكيات الانتهازيين والبطالين بمحض إرادتهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عمار ولد عمار

    أحسنت السّرد فماذا تقترح كحلٍّ لهذه المصيبة؟ عيبنا هو الكلام الكثير و الوصف الوفير ولكن لا نستطيع تقديم الحلول لضيق تصورنا و لتعسّف آرائنا و التشبث بأطروحات بالية. الغريق "يعيش" حتمية موته فكيف نلومه على صراخ أو بكاء و عويل.