-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قواعد التغيير.. بين آفاق التنظير وضوابط الممارسة

قواعد التغيير.. بين آفاق التنظير وضوابط الممارسة
ح.م

إن الحديث عن موضوع التغيير أو الإصلاح يقودنا إلى زوايا متعددة سواء على المستوى الفكري والتنظيري أو على المستوىالميداني والتنفيذي، ولعل أهم زاوية في نظري أن يكون هذا الإصلاح مؤطرا ومحددا في مجموعة من الضوابط والقواعد التي وجب على الحركات والكيانات الإصلاحية أخذُها بعين الاعتبار، وذلك لإزالة اللبس التالي:

– ليس كل عملية تغيير عملية إصلاحية، فقد تتغير أوضاع ما وينتقل الناس أو المجتمعات من وضع إلى وضع آخر، لكن من دون أن تُصلح الكثير من القيم والمبادئ التي ناضل الناس من أجلها.

– التغيير غير المنضبط لا يصنف ضمن المشاريع الإصلاحية الهادفة والجادة، فشرط التحضُّر والرقي الفكري سواء على مستوى التنظير لعملية الإصلاح أو وسائل التنفيذ الخالية من العنف والتخريب والقتل وإشاعة الفوضى شروط أساسية في الإصلاح، فهناك فرقٌ كبير جدا على المستوى المفاهيمي بين مصطلحي “التغيير” و”الإصلاح”، فليس كل عملية تغيير هي بالضرورة إصلاح، لكن العكس هو الصحيح فكل عملية إصلاح هي بالضرورة تغيير لأوضاع قائمة.

– التغيير المفضي إلى واقع أسوأ من ذلك الذي يراد إصلاحُه هو في نظري فشل ولا يُصنف ضمن قائمة المشاريع الإصلاحية، إذ أن الإصلاح هو تغيير الواقع المذموم إلى واقع مأمول إذ يحس من غامرت بهم ومعهم بأن جهودهم أثمرت ولم تذهب سدى.

– ينبغي للتغيير أن لا يكون مادة مستورَدة من الخارج أو تعليمات من قوى خارجية أو كيانات عالمية حتى ولو كان يربطك بها علاقاتٌ أيا كانت أصنافها، فالمشاريع الإصلاحية الناجحة هي تلك التي تنبع من بيئاتها الداخلية وتستعمل خبرات وتجارب أبنائها وفي ذلك دليل على قوتها وسيادتها وقدرتها على إحداث التغيير المنشود.

– لا يعني ما ذكرناه في العنصر السابق أعلاه بأن الحركات الإصلاحية لا تستفيد من تجارب الآخرين في التاريخ أو الحاضر، بل على العكس تماماً فإن من ملامح النجاح واحتمالية النصر وتحقيق التغيير المنشود قراءة سِير الآخرين وأخذ العبر والدروس من تجاربهم التي وبالتأكيد سوف تجد بها وفيها قواسم مشتركة مع تجربتك في الإصلاح، فقط بشرط مراعاة خصوصياتك المحلية وإمكاناتك الداخلية.

– يجب الانتباه أيضا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أنه لا توجد تجربة إصلاح مثالية وجب على الجميع التأسِّي بها أو تطبيقها بحذافيرها، وإنما خصوصية المجتمعات وتأثير الخلفيات الفكرية والوسائل وأهداف كل عملية إصلاحية يجعل من أوجه الإصلاح تمتاز بالتعدُّد والثراء والغنى، وينبغي في المقابل أن ينبني على ذلك أن الإصلاح ليس عملية عشوائية وغير منضبطة.

وعليه، يمكن الخروج بخلاصة مهمَّة في هذا العنصر وهو أن عملية التغيير ليست عملية حرة أو متروكة على إطلاقها، وإنما ينبغي أن تؤطَّر بمجموعة من القواعد التي وجب أن تضبط الإصلاح وتؤطره وتسير به إلى النجاح، لأن إجهاض التجربة الناجم عن سوء التخطيط أو التسرع أو العجلة أو التهوُّر قد تكون نتيجتها كارثية وقد لا تتاح الفرصة مرة أخرى.

قبل أن نخوض في تحديد وترتيب قواعد الإصلاح يجب أولا أن نعدد مجموعة من النقاط التي تشرح وتوضح نقاط الاشتراك بين هذه القواعد والتي يمكن تصنيفها فيما يلي:

النقاط المشتركة بين قواعد التغيير:

– هي قواعد عامة وجب أن تحكم وتضبط عملية الإصلاح، أما قواعدها الخاصة فمتروكة لكل تجربة وإسقاطاتها على بيئتها وأهدافها المسطرة، فالإصلاح غير المنضبط بقواعد وغير المؤطر بحدود وغير المبني على تخطيط وغير المرتكز على رؤية وهدف هو مغامرة أكثر منه إصلاح.

– هي قواعد مشتركة بين كل التجارب الإصلاحية مهما تعددت خلفياتها الدينية والعقلية والإيديولوجية ومهما تعددت أهدافها ووسائلها، فهي قواعد تتعدى خصوصية هذه التجارب الإصلاحية بل وتساهم في ثرائها وتأطيرها.

– هي قواعد تحمي عملية التغيير والتي من المفترض أن تكون في مواجهة البيئات الفاسدة والأوضاع التي يحكمها الاستبداد والدكتاتورية، فقوى المواجهة ستحاول إجهاض ومحاربة ومقاومة هذا الحراك الإصلاحي الذي سوف يهدد كيانها ويرهن مصالحها، وبالتالي تحتاج عملية الإصلاح لتحصين مشروعها وحمايته من الإجهاض والمقاومة، وعليه فإن القواعد الضابطة له والأطر الحاكمة لمساره سوف تساهم في حمايته والعكس صحيح.

– هي قواعد ليست على درجة واحدة من الأهمية، وعليه سوف يتم التطرق حسب الترتيب والأولوية والأهمية، فهناك قواعد يُشترط أن تكون ويجب أن لا تغيب عن فكر وتنظير وأهداف أصحاب المشاريع الإصلاحية والتي إن أغفلوها فسوف يرهنون لا محالة عملية الإصلاح.

– هي قواعد ليست شرطا ملحّا أن تطبق دفعة واحدة، فذلك يخضع لخصوصيات كل عملية إصلاحية من جهة بالإضافة إلى خصوصيات البيئة التي تكون مسرحا للإصلاح وأهدافه التي رسمت.

هذه بعض محدِّدات وقواعد عملية التغيير التي وجب على أصحاب المشاريع الإصلاحية الجادة والكبيرة والهادفة أخذها بعين الاعتبار، سواء على مستوى الهياكل التي تملكها أو على مستوى الأهداف والرؤى الاستراتيجية التي تضعها، أو على مستوى الكادر البشري العامل على هذه المشاريع وكذلك عدد المستهدفين بهذه العملية المهمة، ولا يمكن تحت أي ظرف أو استجابة لأي ضغط أن يتم إهمال هذه القواعد، فهي في نظري ونظر الكثيرين ممن عالجوا مسألة الإصلاح خطوطا حُمرا لا يمكن تجاوزها أو إغفالها، وإلا سيتحول هذا الإصلاح إلى مجرد ردود أفعال لا نفس لها ولا قدرة على المقاومة، والأهم من هذا وذاك هو حَراك لا هوية له ولا احتمال لنجاحه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!