-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قوت الجزائريين!

قوت الجزائريين!
ح.م

أكثر من نصف قرن من عمر الجزائر المعاصرة، والنظام يكذب على الشعب، فيصفه تارة بـ”العبقري” وتارة أخرى بـ”العظيم” والقادر على كل التحديات، ولأكثر من نصف قرن والشعب لا يصدِّق النظام في أي شيء، إلا في هذه “الكذبة”، وكان من نتائجها، ظهور رجالات سياسة وثقافة واقتصاد كثر، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في طابور الرئاسيات القادمة أو في الحَراك البالغ من العمر خمسة وثلاثين جمعة، يظنون بأن الجزائر بإمكانها ومن دون أي جهد أن تعيش من دون نفط، عبر ثروات وهمية، و”ثورات إرادة” من نسج الخيال، وهم يكتبون ويقولون بحبر وميكروفونات مستورَدة ويأكلون كل وجباتهم من الحاويات القادمة من قارات العالم الخمس، ويلبسون ما تنسجه أنامل سكان بنغلاديش وفيتنام وتركيا وأندونيسيا…

 وبقيت الكذبة الكبيرة سارية المفعول، إلى أن سرق النظام المتحكّم في الجزائر، بعضا من الوقت، ورسم خارطة مالية ونسج قانونا جديدا للمحروقات، يقينا منه، بأنَّ الجزائر هِبة آبار النفط، وهذه الثروة لا يمكن شربُ قطرةٍ منها إلا إذا ارتوت منه شركاتٌ أجنبية إلى حدِّ الثمالة، وفهم المحتجون على قانون المحروقات الجديد، وغالبيتهم من الشعب، بأن لقمة العيش الوحيدة في الجزائر هي آبار النفط، وسار على نهجهم الطامحون في الرئاسة، لأنهم يعلمون بأنه لا برنامج لهم غير النفط، الذي من أمواله يبنون اقتصادا ويربحون السِّلم الاجتماعي، ويؤهِّلون به المنتخب الجزائري إلى كأس العالم، ويبنون به المدارس والملاعب والطرقات، فوقع العراك الحالي بين النظام والشعب على قوت الجزائريين الوحيد، وسقطت في الماء كل الكلمات العنترية عن “العظمة” و”العبقرية”.

النظام الجزائري منذ الاستقلال لم يبذل أي جهد لأجل حرية الأفكار واستقلال البلاد فلاحيا وصناعيا، وعندما تمكّن من آبار البترول والغاز، اجتهد في استعماله ببذخ وتبذير.

ومن العار أن يقول مدير سوناطراك ووزير النفط إن الجزائر لا تمتلك الإمكانات اللازمة والخبرة لأجل الاستثمار في المحروقات، وهي بحاجة إلى خبرة دولية كلها من بلدان لا نفط فيها، فمن غير المعقول أن تطوّر الصين مثلا زراعة الأرز بخبرة دانماركية أو سويدية من بلاد لا ينبت على أرضها الأرز، والذي يطَّلع على قانون المالية الجديد والقوانين التي سبقته يتأكد بأن “العقل” الجزائري للأسف، متوقفٌ على ضفاف البترول، أما الحديث عن وجود خبراء في المحروقات، فهو مجرّد ذرّ للرماد في عيونٍ هي في الأصل من دون بصر ولا بصيرة. قانون المالية الجديد هو استهزاءٌ بالقوانين، هو فقرة واحدة تتحدث عن الثروة الجاهزة وكيفية حلبها، وحتى الذين انتقدوا قانون المحروقات الجديد، لا يعارضون عملية الحلب، وإنما الطريقة فقط، وربما جنسية الأنامل التي تقوم بلمس ضرع البقرة الحلوب.

للسنة السابعة والخمسين من عمر النظام الجزائري، مازلنا في انتظار مشروع أمة واحد على الأقل، يضعنا رفقة الأمم التي نجحت في التحرر الغذائي والصناعي، وللجمعة الخامسة والثلاثين من عمر ثورة الحراك، مازلنا في انتظار ثورة الأفكار وخرائط المسار الجديد، حتى لا يبقى قانون المالية مجرد فقرة بترولية.. وفقط.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!