-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كأنني القاتلة!

كوثر لعلى
  • 1062
  • 2
كأنني القاتلة!
ح.م

تعودت الجلوس أمام تلك النافدة، وكأني أمارس طقوسي الخاصة بعد نهاية دوامي وانتهائي من جلي صحون وجبة العشاء.. وكل ليلة مع تربع القمر وسط السماء أزيح الستار قليلا وأضع كأس القهوة على حافة النافدة التي كان عرضها يتسع لصحن بأكمله..

كنت أسترق النظرات إلى جارنا العجوز، الذي كان يجلس مقابل البحر، وضوء القمر يعكس شعره الجَثل، الأبيض على سطح البحر.. أتأمله بتمعن حتى أنسى نفسي، وتبرد القهوة وأذهب لأسخنها من جديد لتفقد إثارتها بعد تسخينها للمرة الرابعة.. لأعود إلى نافدة غرفتي ولا أجد العجوز والقمر أيضا لأن الشمس قد أشرقت ولم أنم بعد والقهوة على حالها على حافة النافدة تُسخن للمرة الخامسة على أشعة الشمس الساطعة..

أغلقت الستار وذهبت لأتسطح قليلا والهالات السوداء قد انتشرت لتغطي نصف وجهي..  ليصبح ملمحي كالعجوز الذي أراقبه كل يوم.. أنام ساعتين وأصحو لأركض إلى روتيني الذي يجعلني بائسة، لا إثارة فيه سوى المشاكل التي أتعرض إليها داخل البيت أو في العمل..

بعد مرور أسبوع انتقلت إلى بيتي الجديد، لم يكن يقابل البحر بل كان وسط حديقة صغيرة..  كان بيتي في الطابق السادس وفوقي عشرة طوابق.. لم أستطع النظر إلى البحر الذي كان يبعدني بعض الأمتار لأن من هم أكثر مني حظا أخذوا المنظر من الطابق السابع فما فوق..

أصبحت كل ليلة أستلقي في وقت مبكر على غير العادة، أغمض عيناي وأتخيل القمر والعجوز وأسبح بخيالي لأبعد الحدود، حتى أنني قد زوجت العجوز بجارتنا فاطمة ونسجت قصة حب بينهما، ونسيت أحلامي التي كنت أرسمها سلفا.. اكتفيت بما أنا عليه وبروتيني المزمن الذي لا ينصرف حتى يأتي الصيف وآخذ عطلتي قصيرة الأمد..

بعد مضي شهر كامل عدت إلى منزلي القديم لأحضر عرس جارتنا ابنة خالتي فاطمة، وأنا في مأدبة الغداء استرقت السمع لإحدى العجائز التي كانت تقول: هل سمعتن قصة عبد الحي العجوز الذي رمي بنفسه في اليم وكيف لم يحس به أحد من سكان الحي؟؟؟

نزلت كلماتها كالصاعقة، وارتبكت كأنني القاتلة، بل وحملت ذنبه على عاتقي برحيلي وعدم مراقبتي له.. تمالكت دموعي ومسحتها بمنديل طاولة العرس ومسحت أيضا أحمر الشفاه وخرجت مسرعة إلى مكانه المعتاد بكيت كثيرا وعدت إلى بيتي القديم أين تسكن جدتي أغلقت النافدة وسحبت الستار وأعددت القهوة وتركتها تراقب بدلا عني.. أغلقت باب الغرفة وقلت ربما لم أحصل على كل ما أردته، لكنني مُنحت الحياة لأفعل كل شيء جميل في حق نفسي بدل الاكتئاب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • خليفة

    نهاية حزينة بموت العجوز ،و متفاءلة باهتمام البطلة بحياتها الخاصة،و لكن الجملة التي حيرتني هي :(وأعددت القهوة وتركتها تراقب بدلا عني.. ) لا يمكن للجماد ان يقوم مقام الحي.

  • جلللول

    تجولت وتجممت فعلا مع هذه القصه التي أرجعتني بسنوات للوراء وذكرتني بأشياء جميله روعه.