-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كاثرين جونسون: عبقريّة ونضال!

كاثرين جونسون: عبقريّة ونضال!
ح.م
كاثرين جونسون

كانت للأمريكية ذات الأصول الإفريقية كاثرين جونسون Catherine Johnson (1918-2020) موهبة خارقة في الرياضيات. وقد أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” يوم الإثنين 24 فبراير 2020 عن وفاتها، ووصفها رئيس الوكالة جيمس بريدنشتاين James Bridenstine بـ “البطلة الأمريكية، الرائدة التي لا يُنسى تراثها… سنستمر في توفير الفرص لكل من يمكنه، مثلها، المساعدة في زيادة الإمكانات البشرية”.

طفولة مريرة

وُلدت كاثرين في ولاية فرجينيا الغربية بالولايات المتحدة قبل قرن وسنة، وتوفيت يوم 24 فبراير الماضي. وقد أجبرها لون بشرتها الأسود على أن تبتعد عن الأهل لتلتحق بثانوية خاصة تقبل الزنوج، وأنهت بها هذه المرحلة التعليمية وعمرها لم يتجاوز 14 سنة.

ثم سجلت في كلية تستقطب المجتمع الأفريقي الأمريكي. وهكذا، لم سجّل خلال ذلك العام، في جامعة فرجينيا الغربية لمتابعة التعليم العالي من الطلبة السود سوى ثلاثة… وكانت كاثرين من هؤلاء الثلاثة، بل كانت الأنثى الوحيدة. ونظرا لتفشي الميز العنصري، فقد سُمح لأولئك الشباب بالتسجيل في الجامعة إثر قرار أصدرته المحكمة العليا الأمريكية. وسرعان ما أثبتت الطالبة كاثرين موهبتها الخارقة في الرياضيات. وعندما تخرجّت من الجامعة عام 1937 توجهت إلى تدريس الرياضيات في مؤسسة تعليمية خاصة بالسود.

غير أنها لم تكن ميّالة إلى مهنة التعليم. وفي 1952، نشرت اللجنة الاستشارية الأمريكية للملاحة الجوية (NACA) التي تأسست في أول مارس 1915… وصارت تحمل منذ 29 جويلية 1958 اسم وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، نشرت إعلان توظيف لحاملي شهادات في الرياضيات للعمل في مركز بحث تابع لها. وهكذا فازت كاثرين بمنصب باحثة ورياضياتية في هذا المركز عام 1953، فغادرت مهنة التعليم والتحقت بمنصبها الجديد الذي صالت فيه وجالت. وفي نفس السنة أصبحت كاثرين ربة بيت وأمًّا لأطفال.

وكما أسلفنا، كان التمييز العنصري في ذلك الوقت، قويًا في الولايات المتحدة. ولذا كانت وكالة الفضاء “ناسا” تفصل العاملين فيها الزنوج عن البيض. ذلك ما جعل كاثرين تعمل في خليّة مخصصة للسود تشرف عليها الرياضياتية الزنجية دوروثي فوغان Dorothy Vaughan (1910-2008). وهكذا، كانت كاثرين تعمل مع عشرات الرياضياتيين السود، بعيدًا عن زملائهم البيض. وقد تم التخلص من هذا الميْز العنصري داخل الوكالة عام 1958، وذلك للعمل سويا في أول برنامج لرحلات الفضاء المأهولة في الولايات المتحدة. ومن المعلوم أن كاثرين ساهمت مساهمة فعالة خلال عملها في كسر حواجز الفصل العنصري بين العاملين في وكالة “ناسا”.

علم ونضال

في عام 1960، كانت الباحثة أول امرأة يتم ذكرها كمساهمة في دراسة حول هندسة الفضاء. وقد كُلّفت بمتابعة تدقيق الحسابات الخاصة بإطلاق الرحلات الفضائية، وشاركت في تحليل مسار بعثة الفضائية “ميركوري فريدوم” (Mercury) التي أطلقت في ماي 1961 أول أمريكي، حيث حلّق رائد الفضاء آلان شيبرد Alan Shepard (1923-1996)، على ارتفاع يزيد عن 180 كيلومترًا فوق سطح الأرض.

وفي السنة الموالية -وكان حينئذ السباق إلى الفضاء على أشدّه بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة- كُلفت كاثرين جونسون بتدقيق كل حسابات رحلة رائد الفضاء الأمريكي جون غلين John Glenn (1921-2016) التي نافس فيها الرحلة المدارية للرائد الروسي الشهير يوري غاغارين Yuriy Gagarin (1934-1968).

وما يثبت حدّة التنافس بين البلدين في هذا الموضوع أن الأمريكيين ثارت ثائرتهم من تفوق الروس في المهام الفضائية بعد نجاح مهمة يوري غاغارين عام 1961. وفي هذا السياق، يُروى أن المخطط الأمريكي في مهمة جون غلين أنه لو تفشل هذه البعثة ويموت رائد الفضاء لكان الجيش الأمريكي سيعلن أن الكارثة حدثت نتيجة عمل عدواني قام به الزعيم الكوبي فيدال كسترو … ليكون ذلك ذريعة كافية لدى الرأي العام الداخلي والخارجي لاجتياح كوبا.

كان دور كاثرين في بعثة جون غلين الفضائية بالغ الأهمية إذ طُلِب منها التأكد من كل حسابات الآلة يدويًا. ذلك أنها اشتهرت بقدراتها الفائقة على إجراء الحسابات الفلكية، وهو ما جعل وكالة “ناسا” توكل إليها هذه المهمة في كل البعثات الفضائية قبل إحالتها على التقاعد… بما في ذلك مهمة أبولو 11 عام 1969، وبرنامج رحلات مكوك الفضاء التي دشنت عام 1981 وانتهت عام 2011.  كما عملت كاثرين في برنامج بعثات نحو المريخ. لقد مكنت دقة حساباتها وتفانيها في هذا المجال من إرسال أول أمريكي إلى الفضاء، ثم رواد الفضاء إلى المدارات حول الأرض، وإلى سطح القمر.

في عام 2017، وبعد مرور 21 عامًا على تقاعدها، تم تكريم كاثرين جونسون من قبل الرئيس باراك أوباما حيث منحها وسام الحرية الرئاسي عام 2015، وهو أعلى الأوسمة الوطنية المدنية في الولايات المتحدة… فازدادت شهرة هذه المرأة في المجتمع. كما منحها الكونغرس الأمريكي الميدالية الذهبية خلال السنة الماضية. وهذا فضلا عن تكريمات أخرى، منها منحها الدكتوراه الشرفية في عدة جامعات.

ومن المعلوم أن حياة الراحلة ومكانتها العلمية في وكالة “ناسا”، ومقامها الاجتماعي بين السود الأميركيين ألهمت مخرج فيلم “شخصيات الظل” (The Shadow Figures)، الذي ظهر عام 2016. أما سيناريو هذا الفيلم فقد اقتبس من كتاب ماغو لي Margot Lee ، الذي ركّز على سرد إسهام النساء الأمريكيات ذوات الأصول الإفريقية في غزو أمريكا للفضاء. ويُظهر الفيلم، بوجه خاص، كيف قامت كاثرين جونسون بتحديد مسارات برنامج “ميركوري” ومهمة أبولو 11 إلى القمر عام 1969.

ألا تستحق كاثرين جونسون التحية لتفانيها في المجال العلمي ولنضالها في التصدي للميز العنصري في بلادها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • رياح التغيير

    بلى و بالتاكيد ان كل عقل حادق و كل موهبة فدة و كل قلمناضح يحتاج الى تشجيع و عرفان من الجميع فالشموع المنيرة تنطفا لا محالة و يبقى اثرها فينا و في من يلينا بالدكر الحسن و الحفاظ على الموروث . فكم من عالم و فقيه وكاتب و مفكر و غيرهم من النفوس العطرة و العقول النيرة الدين عاشوا لغيرهم بكثير من التضحية والعطاء و الاحسان لوجه الله لم يريدو جزاء و لا شكورا فرحمة الله عليهم و رضوانه

  • kabir hacina

    شكرا علئ المقال هذا دافع قوي لمواصلة النضال في الزمن الصعب