-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الأميرة فيتوريا ألياتا في الجزء الثاني من حوارها لـ"الشروق":

كتاب “المواقف” للأمير عبد القادر كان سلاحي لمقاومة المافيا

الطاهر حليسي
  • 4081
  • 2
كتاب “المواقف” للأمير عبد القادر كان سلاحي لمقاومة المافيا
ح.م

تكشف الأميرة الصقلية فيتوريا ألياتا في الجزء الثاني من حوارها لـ”الشروق” ما قالته في مؤلفاتها عن المرأة العربية المسلمة، وكيف كان لها الأمير عبد القادر “قدوة” في مسيرتها، كما تميط اللثام عن زوايا مظلمة حول شخصية الأمير وحقائق مثيرة عنه، وكذا كيف تم تهديدها بسبب مواقفها الداعمة للمسلمين ولماذا تم منع مؤلفاتها من الصدور.

…وماذا اكتشفت في سراديب تلك الكتب الكاثوليكية بالفاتيكان؟

المرأة باب الشيطان. كانت هذه هي الكتابات التي وجدتها في المكتبات الكاثوليكية تحمل مسؤولية الخطيئة الكبرى في إخراج آدم وحواء من الجنة لحواء فقط وانعكست تلك الثقافة على بني البشر بسؤال لو لم تقدم حواء على الخطيئة لعشنا في الجنة لكن هذا يتعارض مع مفهوم الموت والتكاثر البشري. طبعا كان هذا الخطاب فج وكان الغرض منه بناء مؤسسة بيروقراطية دينية، والمثير حقا أن مسيحيي الشرق والكلدانيين مثلا لم تكن لديهم هذه النظرة. ودفعني ذلك لدراسة علاقة المرأة بالرجل وبالمطلق. يعلمنا سيدي محي الدين بن عربي العلاقة الرقمية بين العدد والحرف فكل حرف يقابل عددا وبالتالي حينما نجمع عدد كلمات حواء وآدم نجد أنها تساوي عدد كلمة الله بمعنى أن الرجل والمرأة كائنان متوحدان في الذات المقدسة. وهذا التراث الرقمي العددي لم يكن حكرا على المسلمين فهو معمول به في التقاليد “الكابالية” ذات الأصول الإبراهيمية، إذن فوظيفتنا في الحياة بعد حادثة الشجرة هو التوحد في الحياة، فمفهوم الشجرة في القرآن في الآية “ولا تقربا هذه الشجرة” معناها لا تقربا الفراق لأن القصد هنا هو الفراق والقطيعة والانفصال. لابد أن نرجع كل ما كسر إلى أصله أيضا، وينسجم هذا مع يوم البعث فسنلتقي بعد فراق الموت. كل هذه المفاهيم ساعدتني على اكتشاف الحقيقة ولم يكن ذلك مفهوما نظريا وكلمات جوفاء رأيت ذلك عيانا وواقعا رأيت شخصيات سياسية كبيرة تعيش هذا واقعا، وهنا أتذكر حسن الشافعي مستشار الرئيسين جمال عبد الناصر والسادات والذي أعده أبا لي، والشيخ شخبوط الشقيق الكبير للشيخ زيد فقد كان هذا الشخص منسجما مع المطلق في جميع الحالات بسجاده وقرآنه لم يتغير وقت الشقاء كما في وقت الرخاء، فقد كان متمتعا بسلام باطني كبير مع نفسه، عشت ردحا من الزمن في ماليزيا هذا البلد الإسلامي الذي تتواجد به ديانات بوذية ولاوية ووثنية من صائدي الرؤوس البشرية وهو البلد الوحيد في العالم الذي مكن السكان البدائيين من أن يتولوا مناصب الوزراء، في وقت كان فيه السكان الأصليون في استراليا وأمريكا يعيشون في معتقلات. بالمختصر المفيد لقد قلبت من خلال كتابي “الحريم” مفاهيم غربية سائدة على أن المرأة العربية سجينة منزلها وبينت أنها تتمتع بحقوق كثيرة ومالكة لمصيرها.

اطلعت على الببليوغرافيا الخاصة بك ووجدت أنك ألّفت في فن العمارة الإسلامية فما هي الغاية من وراء ذلك؟.

ألفت كتاب المنزل والحديقة الإسلامية عندما سمعت الغربيين يقولون إن المرأة العربية المسلمة سجينة مسكنها وهو كتاب لم يشأ أحد نشره بعدما جمعت المادة والتقطت الصور بنفسي قبل أن توافق تصوير وعتاد يزن أربعين كلغ، في مناطق وعرة بالقاهرة وفي دروب قاسية باليمن من أجل ملاقاة فلاحين ومعرفة أسرار صناعة هذه المنازل بالتراب والمواد الطبيعية، وكانت حقا تجربة رائعة ومذهلة، ثم التقيت بالمهندس المعماري المصري الكبير حسن فتحي الذي كان أستاذي والذي تعلمت منه أن قوة البناء تكمن في الرمز، فقد كان يأخذني معه لرؤية المعابد المصرية القديمة وكان يشرح لي أنها منشأة فوق الماء دون دعامات ذلك أن البنائين القدامى كانوا يقومون بوضع قطع رخامية ثقيلة فوق الرمل يمر تحتها الماء ولا تنهار لأن دعامتها مستلهمة من شكل زهرة اللوتس. كان يفسر لي ذلك كما يفسر لي كيفية بناء الصوامع والمنارات ولم يكن ساعتها معروفا على الصعيد العالمي حتى حاز على جائزة “الأغاخان”، فأخذته للندن حيث أقام أول ندوة صحفية عرفته للعالم. كان شخصية رائعة فلم يكن مثلا يتحلى بأنانية فكرية فقد كان يمنح أفكاره ورسوماته مجانا وهو ملهم حقيقي للهندسة المعمارية الحديثة، فكل ما بني من وحي الهندسة الحجرية والهندسة الإثنية و”الأوفرقريد” والتجديد التقليدي للبنايات في العالم كان له الفضل فيها وهو بالتالي صاحب مساهمة إنسانية كبيرة حتى وإن مات فقيرا فإنه مات بكرامة. كل الشخصيات التي تعرفت عليها منحتها صوتا في مؤلفاتي وصوري ومقالاتي وحواراتي. حاولت جاهدة أن أقدم حميمية هذا العالم لعالم الآخر في حالة حرب لأننا شهدنا حروبا منذ 1973 ثم حروب الخليج المتتالية. خلال حرب الخليج الثانية، كنت في دمشق عند الشيخ كفتار حيث كنت أدرس عنده الشريعة، وقد أعددنا وثيقة مشتركة بين الفاتيكان والشيخ أحمد كفتار وكنت كاتبته وبيدا أن هذه الحرب لم تكن دينية بل كانت حربا سياسية من أجل السلطة، وقد قرأ جون بول الثاني الرسالة ودعاه الشيخ لزيارته بدمشق بعد سنتين، وفي تلك الأثناء أعددت مجموعة من المقالات والحوارات مثل ذلك الذي أجريته مع وليد جنبلاط لتبيان نظرته حول الحرب، وحينما عدت لإيطاليا قدمت تلك المقالات والمواضيع لعدة جرائد وتأخر نشرها ولم أفهم السبب حتى اتصل بي الصحفي الكبير إندو مونتانيلي وكان أكبر صحافي إيطالي عمل بجريدة لا كورييرا دي لا سييرا قبل أن يؤسس جريدته الجيورنال، وكانت بيني وبينه علاقة مودة شخصية واحترام مهني، فالتقينا في نقاش حميمي حول مأدبة عشاء وقال لي خلالها “فيتوريا لن تنشر الجرائد مقالاتك” فسألته مستغربة “لماذا؟ فقال لي: “الفيتو” فسألته عن مصدره فصارحني متأسفا “لقد اتصل وزير الخارجية طالبا من الجرائد منع نشر جميع مقالاتك وحواراتك” فرددت عليه “لماذا؟، فاجأني هامسا: “إنهم يقولون إن كتاباتك تجعل الأعداء ودودين”، “فصرخت: وهل نحن في حالة حرب ضد حضارة بأكملها؟ فرد “أظن ذلك”،”أظن أنها كذلك”.

هذا الحظر ماذا شكل لك على الصعيد الشخصي بعد سنوات طويلة من محاولة التقريب بين عالمين؟

كانت صدمة عنيفة فقد بذلت جهودا خلال ثلاثين سنة، من خلال حوارات ومقالات وكتب، وبذلنا جهودا جبارة لتجاوز الخلافات من خلال ملتقيات ومواثيق سلام في المتوسط وندوات حول البيئة والتعاون، وفيما كنت أعتقد بعدها أننا تجاوزنا مشكلات كبيرة فوجئت أننا كنا نتقهقر إلى نقطة الصفر. كانت كارثة أن أسمع ذلك لذا توقفت نهائيا عن الكتابة في الجرائد منذ تلك الفترة، فقد كان أمرا مستحيلا وغير مقبول أن تنهار ثقافة سعينا إلى ترسيخها بين مجتمعات مختلفة، وواقع الحال توقفت عن الكتابة الصحفية وأنت أول صحفي يدخل بيتي وأتحدث معه بعد عقود التزمت خلالها الصمت.

بخصوص محي الدين بن عربي ما سرّ تعلق الغربيين به كما تعلّق الشرقيون به وأقصد هنا الأمير عبد القادر الجزائري على وجه التحديد؟.

بدأت الاهتمام بابن عربي في وقت لم يكن أحد يعرفه، نظمت له ملتقى بجزيرة صقلية سنة 1988 بمناسبة ذكرى وفاته في وقت لم تكن فيه مدينته مورسيا الإسبانية تعرف عنه شيئا. دعيت للمؤتمر كبار المختصين في تراث الشيخ الأكبر أو “الدكتور مكسيموس” كما كان يلقب، وتكمن أهمية هذا المتصوف في كونه تحدث في زمنه عن نهاية الزمن وعن تقديس الزمان والمكان وكأنه كان يهتك بنظرة روحانية ستائر وحجب المستقبل، كما تمكننا نصائحه في كيفية العيش في الحياة على أعتاب نهاية الزمن وهي تعليمات يستفيد منها كل إنسان مهما تكن الديانة التي يدين بها، أو المعتقد الذي يعتنقه. أما الأمير عبد القادر الجزائري فقد كان أحد تلامذة الشيخ الأكبر من الناحية الروحية، وكان أول من أخرج كتاب الفتوحات المكية. والأمير كما يدرك الجميع كان رجلا فاضلا وفذا بل كان لي على صعيد تجربتي الشخصية نبراسا أضاء لي حجب الظلام في معركتي التي خضتها ضد رجال المافيا هنا داخل هذا البيت العائلي الذي استرجعته منهم بعدما كانوا يريدون تحويله لكازينو يعج بالأوباش المنتشرين. وقد هدّدوني برمي رؤوس الخنازير في المنزل كي يثنوني عن معركتي الشرسة التي خضتها، وطوال تلك الفترة كان كتاب “المواقف” للأمير عبد القادر هو ملاذي، لا، بل كانت حياة الأمير سيرة تمثل كل فرد منا، فهو حارب كما ينبغي القتال حينما كان القتال واجبا، ثم توقف عندما كان من الواجب التوقف رغم علمه بتداعيات ذلك، ومنها نكوص أعدائه عن كل التوافقات المبرمة بين الطرفين، فقد دمر الفرنسيون عاصمته المتحركة الزمالة وأتلفوا جميع كتبه، وأخلفوا الوعد بالسماح له بالعيش في منزل محي الدين بن عربي في دمشق وألقي به في غياهب السجون لسنوات طويلة ولم يطلق سراحه سوى في عهد نابليون الثالث، وحينما سافر بعدها إلى دمشق كان له دور حاسم في حماية المسيحيين من مجازر كانت ستطالهم خلال الفتنة مع مسلمي الشام.

عندما أشرت للأمير عبد القادر كنت أرمي الوصول لوضع المسيحيين لأننا نرى اليوم أن المسيحيين مهدّدون في الشرق الإسلامي؟

متفق معك نعم هناك تهديدات جدية، لقد شاركت في مؤتمر بروما قبل سنوات، وقرأت رسالة راهبة لبنانية دعت فيها الغرب لتفهم الأوضاع في الشرق الأوسط فالمسيحيون يعيشون في انسجام تام مع المسلمين بحكم الانتماء العربي الواحد، وحينما قرأت ذلك صفر ضدي عدد من الحاضرين فقلت لهم هذه رسالة راهبة لبنانية كما أن البطريرك الماروني، ممثل الطائفة الكاثوليكية في الشرق الإسلامي كان له رأي مماثل. لقد نحا نصرانيو الشرق منحى يختلف كليا، عما وقع خلال حرب 1975، ودعوا، للحفاظ على التماسك لأن الحروب تساهم في تكسير التلاحم. من السهل أن نكسر العلاقات بين مكوّنات المجتمعات بإثارة الكراهية لكن من الصعب بناء المشترك الإنساني، وهناك طريقتان في الحياة المرور تحت الحواجز أو القفز فوقها، حينما تخير البشر بين الخيارين فإن أغلبهم سيفضل المرور تحت الحواجز ولو بالفساد والرشوة وتقبل الإهانة ومن السهل طبعا فعل ذلك، غير أن قلة من تقرر القفز فوق الحاجز، وتفرض العلاقة بين مختلف الشعوب التعاون للقفز معا فوق تلك الحواجز في ظل الظروف الصعبة التي يجتازها العالم اليوم، وعلى الشعوب والمجتمعات التي تعيش في هذه المنطقة وتتقاسم البحر المتوسط أن تعي أنها كانت متوحدة حول الحياة كما كانت دائما وأبدا، بل وحتى في عز الحروب التي لا تساهم نهاية المطاف سوى تحطيم الاقتصاديات والوسائل المادية التي تشاركت مجتمعات المتوسط في إبداعها على مرّ العصور. هناك مؤلف رائع ألح على ضرورة التنويه والتعريف به ونشره على نطاق واسع ألا وهو كتاب:”مجتمع البحر الأبيض المتوسط” الذي ألفه صامويل قويتاين وهو أمريكي يهودي من أصل يمني كان يدرس بجامعة لوس أنجلس، واعتمد في كتابته على “وثائق الجنيزة” التي خبأت خلال العهد الفاطمي في كنيس يهودي بالفسطاط ولم يعثر عليها سوى في القرن العشرين، وانطلاقا من مئات آلاف هذه الوثائق المكتوبة باللغة العبرية والعربية كتب شلومو قويتاين مؤلفا رائعا من ستة أجزاء يستحق أن يكون قنديلا للمجتمعات والدول الحديثة، فهو يبين من خلال كتابات التجار اليهود الذين كانوا يعيشون زمن الدولة الفاطمية أن المنطقة والبحر كانت جنة حقيقية للشعوب، فالأفراد كانوا يسافرون من بلد إلى آخر في حرية تامة بلا حدود ولا جوازات سفر، وكانت السلع تدور بحرية تامة، والدينار الصقلي يتم تحويله في الصين دون مشكلة.
هذه هي الهوية التاريخية بمنطقتنا وهذه الوثائق عبرية وكتبها يهودي، فلماذا لا يتم ترجمة هذا الكتاب البديع والرائع، لطالما طلبت من دور النشر إصدار الترجمة التي أعدها مجانا لكن لا أحد يريد ذلك. هذا عمل أكاديمي محايد يتأسس على وثائق تاريخية صحيحة، ولم يكن كاتبه اليهودي يريد من خلاله أن يبيّن أن البحر المتوسط في العهد الإسلامي كان أكثر تطوّرا ومزدهرا، لكن ذلك العمل هو بحث أصيل يمكن أن يكون فخرا للجميع، فخرا لأمريكا التي أنتجت هذا العمل، وفخرا لليهود بأن أنجبوا شخصية تطرح تلك الحقيقة الساطعة، وفخرا للعرب الذين سيّروا البحر الأبيض المتوسط بحرية في قلب القرون الوسطى وفي زمن الحروب الصليبية، وهذا فخر للعالم في أن يكون وثيقة أساسية للبشرية. رغم كل تلك الحقائق الجلية فلا أحد من دور النشر في أوروبا تولى نشره وترجمته وعرض.

هل أنت متفائلة بخصوص ما تحمله الأيام القادمة؟

كما يقول أصدقائي البدو في أبو ظبي “عليك أن تعيشي ولا شيء فوقك سوى السماء، ولا شيء تحتك سوى الجمل”، كانت هذه الجملة تقال لي من طرف البدو الذين عشت معهم في صحراء أبو ظبي عندما كنت في العشرينيات من العمر أواسط السبعينيات، وهي مقولة تشرح لنا المعنى الحقيقي لكل ما توصي به جميع الشرائع السماوية لبني البشر، علينا أن نكون بين أيدي الله، ونعمل على بناء علاقات الحوار والثقافة بين الشعوب أو المجتمعات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • رشيد تلمسان

    من اروع ما قرات في هذه الجريدة .مصباح من مصابيح الهدى

  • adrari

    وشهد شاهد من اهلها
    "اللهم اهدها الى صراطك المستقيم فقلبها اقرب اليه اكثر