-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عادات زمان بين النية والفال..

كسرة الزهر وبوقالة سبع عيون وحكايات أخرى

فاروق كداش
  • 2452
  • 0
كسرة الزهر وبوقالة سبع عيون وحكايات أخرى
ح.م

في ليلة من ليالي القصبة، تدق الساعة تمام البوقالة، في منتصف ليل معبق بالياسمين والمسك، تجلس البنات على الهيدورات، ويستندن على مخدات المخمل، تستفتح إحدى العواتق السهرة هامسة: “يا فال يا فلفال يا فاتح سبع قفال”، وتقرع طبول الحظ المخبإ في زوايا السطح… فلينصتن للفال..

تحن النسوة “زمان” إلى الفال، لأنهن يرين فيه طريقة للتفاؤل بالخير فقط، وكنوع من اللعب البريء، بعيدا عن الشعوذات والطقوس، حول مائدة من الحلويات والشاي أو القهوة.. فلم يكن هناك هذا الكم الهائل من البرامج التلفزيونية، ولا إنترنت ولا فايسبوك. فلالة تماني، تحكي لنا كيف كانت البنات يطبخن كسرة الزهر، اللواتي يضعن فيها مقدارا من الدقيق يساوي مقدارا من الملح، ويأكلنها على أمل أن يرين زوج المستقبل في المنام، وهو يسقيها ماء يخفض ضغطها العالي، من فرط تناول كلوريد الصوديوم‫.‬

وتضيف هامسة عن بوقالة من نوع خاص، كانت تشبه الويجا زمان، وهي عبارة عن بوقالة تقرأ أمام طاسة مليئة بمياه سبع عيون، تضع فيها كل فتاة إحدى حاجياتها، خاصة المجوهرات ثم ينصتن إلى “الفال”. ومن الأفضل، أن يبيت هذا الإناء ليلة الثلاثاء، وتلعب اللعبة يوم الأربعاء. ومع كل دور، تدخل إحداهن يدها من تحت منديل، وتمسك خاتما أو قرطا، ولما تقرأ “البوقالة”، تخرجها، ويسكت الجميع لسماع الفال، الذي يكون على شكل صوت أو صورة، أقرب من هستريا جماعية منه إلى الحقيقة.

الفال الشين

تسترجع السيدة زهرة الماضي، بأفراحه وأحزانه، وتقول إن ما حدث لها ولأختها، في إحدى ليالي صيف 1978، يكاد يكون أمرا لا يصدق. تقول السيدة زهرة: “قرأت”البوقالة”، ثم أنصتّ، أنا وأختي، على سطح المنزل، في القصبة لـ”فالها”، بعد أن ملأت فمها بماء الإناء، فتفاجأنا بقدوم غيمة سوداء، تهاطلت منها أمطار غزيرة، وسمعنا مشي أقدام نحونا، ثم سمعنا صوت بكاء خفيف، رغم أن الهدوء كان يطبع تلك الليلة. وتتابع، بعصبية واضحة: “لم يمض وقت طويل، حتى مرضت أختي بداء غامض، وماتت في ظرف قصير جدا.. حزنت كثيرا، خاصة أن ليلة دفنها سقطت فيها الأمطار بغزارة، فأصبحت أتشاءم من البوقالات.

أما لالة مريم، فتقول إن فالها كان إيجابيا، فقد استمعت مع “حباباتها” إلى صوت بارود وزغاريد مدوية، ولم تمر أسابيع، حتى كانت مخطوبة، وتزوجت في نفس الصائفة.

يا فال يا فلفال

كان لتحضير “البوقالة” طقوس خاصة.. تبدأ بتحضير إناء من الطين، مملوء بالماء الصافي، فتنزع الفتيات العازبات خواتمهن، ويلقينها في قلب ذلك الإناء الفخاري، أو ما يعرف بالبوقال، وهذه الكلمة يقابلها في الفرنسية le bocal، ومنها استمدّت اللعبة اسمها، ويغطى الإناء بمنديل نظيف ولا تبدأ الجلسة إلا بدخلة معينة بقول “بسم الله بديت وعلى النبي صليت وعلى الصحابة رضيت وعيطت يا خالقي يا مغيث كل مغيث يا رب السما العالي نولي اللي في بالي”، ثم يستحضر الفأل بعبارة: “يا فال يا فلفال يا فاتح سبع قفال اجبر لي سعدي مهما كان من الشرق ولا من الغرب ولا من الشمال”، وتعقد النية التي تختلط هنا بالشركيات اللاواعية وتتحول النسوة دون دراية إلى نفاثات في العقد.

الفأل في الإسلام

ورد الفال في السنة الشريفة، وهو حسن الظن باللّه، والقول الطيب والاستبشار به شيء محبب لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: “لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ»: قِيلَ: «وَمَا الفَأْلُ؟» قَالَ: “الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ”. لكن الرسول- صلى الله عليه وسلم- حذرنا من الطيرة أو التطير، أي التشاؤم من الأمور قبل وقوعها، وهذا ما كان يحدث قديما، في عهد البوقالات المتطيرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!