كوراديا.. قطار بمواصفات طائرة

وداعا للطائرة ومرحبا بالقطار السريع..هي العبارة التي كان يرددها أغلب المسافرين على متن ” كوراديا”، الذي اختصر المسافات وقدم للجزائريين خدمات نوعية لم يألفوها على متن القطارات، ليدخل قطاع النقل بالسكك الحديدية في الجزائر إلى عهد جديد يتميز بالسرعة والرفاهية والأمان، وهو ما دفع الشروق إلى مرافقة المسافرين على متن قطار كوراديا الجديد للوقوف على الجديد الذي حمله هذا القطار، ومدى رضا الزبائن بنوعية الخدمات وأسعار التذاكر ومدة الرحلة.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحا عندما أعلن زايدي رشيد رئيس الرحلة عن انطلاق قطار كوراديا الجديد من محطة أغا بالعاصمة إلى عاصمة الغرب وهران..عائلات تسارع الوقت لاتخاذ مقاعدها حسب التذكرة التي حجزتها، ومسافرون منهمكون في التقاط صور سلفي مع القطار الجديد… وبابتسامة جميلة استقبلنا مضيفو قطار كوراديا الذي يعد واحد من ضمن 17 قطارا هجينا “ديزل وكهرباء” يسير بسرعة 160 كلم في الساعة، اقتنته الجزائر من أجل تطوير قطاع النقل في البلاد والارتقاء بالخدمات المقدمة للمسافرين، فالنقل في الجزائر سيكون عبر القطارات مع ضمان الراحة والرفاهية وأمن المسافر.

مقاعد للمعاقين… وجبات مجانية وخدمات للحوامل والأطفال

يحتوي قطار كوراديا “فرنسي الصنع” حسب سمير قعموري مدير نقل المسافرين على 254 مقعد 4 منها مقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة و60 درجة أولى و194 درجة ثانية، يتكون على 6 عربات، طوله 110 متر يسير بسرعة 160 كلم في الساعة فهو مخصص للخطوط الطويلة التي تربط عاصمة البلاد بمختلف المدن، وأضاف محدثنا أن قطار كوارديا مصمم للجزائر، يتماشى مع الظروف المناخية للبلاد منها ارتفاع درجة الحرارة والرياح الرملية، وعن مدى إقبال الجزائريين على كوراديا قال محدثنا الذي التقيناه بمحطة أغا إنه في كل رحلة تباع 250 تذكرة أي يمتلئ عن أخره، منها 60 مقعدا في الدرجة الأولى، وأضاف أن القطار يقدم خدمة راقية وعصرية، حيث يتم توزيع وجبة غذاء مجانية بالإضافة إلى مطعم، ناهيك عن الإضاءة و4 مراحيض واحد مخصص للحوامل، وكذا طاولة لتغيير حفاظات الأطفال ومرحاض مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة إلى جانب عرض المعلومات الخاصة بالمواقع التي يتواجد فيها القطار، ناهيك عن ضمان خدمة المقروئية بتوفير جرائد باللغة الفرنسية والعربية من بينها جريدة الشروق.

تحكم عن بُعد ومقاعد مخصصة للرضع

وفي سياق متصل وحسب نور الدين عقيري رئيس الجّر بقطار كوراديا، أكد أن القطار مزود بنظام جديد وهو التحكم عن بُعد ”RTMS” وهو نظام جديد لأول مرة في الجزائر، وأضاف محدثنا أنهم تلقوا تكوينا بفرنسا وقاموا بتكوين السائقين، حيث ولغاية اليوم تم تكوين 35 سائقا على أن يرتفع العدد في الأيام القادمة ليصل 100 بالمائة.
وفي سياق متصل وحسب ما وقفنا عليه فإن الدرجة الأولى تحتوي على مقاعد مخصصة للأطفال الرضع، وكذا الشاحن المخصص للهواتف وكذا للكومبيوتر المحمول طاولات صغيرة الحجم، وأخرى كبيرة، بالإضافة إلى إضاءات LED مخصصة للقراءة ”الكتب وجرائد” وكراسي فخمة باللون الأحمر والأسود، أما الدرجة الثانية لا تختلف كثيرا عن الأولى، حيث لا تتوفر على طاولات وكذا المقاعد المخصصة للرضع، كما يتوفر القطار على مكيف الهواء في كل مقعد.

مسافرون لـ”الشروق”: كوراديا الطائرة التي تمشي على الأرض

يحدثنا محمد جلاوي، رب عائلة كانت متوجهة إلى الباهية وهران، ومن ثم يتوجه إلى ولاية تلمسان، حيث أكد لنا أنه وبصفته إطار بإحدى الوزارات بالعاصمة كان يستعين بالطائرة في معظم سفره إلى الغرب الجزائري، وقال ”كنت أستعين بالطائرة، ولكن بصفتي أب لـ 4 أطفال لا يمكنني ذلك بسبب غلاء تذكرة سفر”، وأضاف ” كتجربة أولى عبر كوراديا فهو يختصر المال والوقت والمسافة”، أما منال هي إطار في جهاز الشرطة والتي كانت متوجهة إلى ولاية الشلف فقالت ”كوراديا هو طائرة تمشي على الأرض فقد اختزل المسافات، وخصوصا بعد ارتفاع حصيلة الحوادث المرورية”.
وبخصوص سعر التذكرة التي تختلف حسب الاتجاهات وكذا المسافات، حددت تذكرة الدرجة الأولى بـ 2000 دج، أما الدرجة الثانية 1700 دج، حيث أكدت فتيحة 55 سنة ”التذكرة مرتفعة نوعا ما مقارنة بأسعار الحافلة والنقل الجماعي، ولكن مقارنة بطبيعة الخدمات المتوفرة، فهذه الأخيرة أحسن بكثير من تلك التي تعوّد عليها الجزائريون في القطارات العادية”، ليضيف حسين ”أنه إذا كانت عائلة متوفرة من 5 أفراد تبلغ التكلفة مليون دينار، وهذا مرتفع نوعا ما مقارنة بالأجر القاعدي للمواطن الجزائري”.

وزراء وولاة وسفراء ورياضيون يتهافتون على القطار

يفضل العديد من الإطارات بالمؤسسات العمومية والخاصة وكذا رجال الأعمال وسفراء استخدام قطار ”كوراديا” الجديد للتنقل إلى الباهية وهران كنمط حياة جديد ومتواصل والأكثر سهولة، وكذا كجيل جديد لاختصار الوقت والمسافات، ناهيك عن ضمان الاستمتاع بالمناظر الطبيعية التي تزخر بها الجزائر واستشكاف المناطق، كما أكد بعض الإطارات الذين التقينا بهم في رحلة الجزائر- وهران أن “كوراديا” تحول إلى عطلة للاسترخاء والتنزه، ناهيك عن تجنب مشكلة غلاء تكلفة السفر بالطائرة، ومن بين أهم زبائن القطار الجديد والي العاصمة عبد القادر زوخ، وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط والكثير من رجال الأعمال والسفراء، على غرار السفير الأمريكي وزوجته اللذان جربا رحلة عبر هذا القطار ورئيس مولودية وهران أحمد بلحاج المعروف بـ” بابا” والذي قام بتجربة الرحلة عبر ” كوراديا” من أجل إبرام عقد بين مولودية وهران والشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية لضمان نقل لاعبين من عاصمة الغرب إلى عاصمة البلاد.

سلفي و”كوراديا خلفي”

لم تخل رحلة الجزائر- وهران ذهابا وإيابا من ”السلفي” الذي خطف الأضواء وجذب المواطنين والمسافرين، لاسيما أن كوراديا أطلق قبل شهر من الآن فقط. وما لفت انتباهنا هو اقتراب العديد من المسافرين من القطار الجديد وأخذ الصور معه داخله وخارجه.
وقامت إحدى العائلات قبل كوب القطار في محطة آغا بالرغم من هطول الأمطار بأخذ سلفي مع القطار، وحتى الأطفال الصغار أخذوا صور السلفي. وبحسب ما لاحظناه أنه عند توقف القطار في محطة الشلف، وهي المحطة الوحيدة التي يقف فيها القطار، أو عند الوقوف الاضطراري في محطات بوفاريك والعفرون والمحمدية، يقوم العديد من المسافرين بأخذ صور وقطار ”كوراديا” خلفهم، وحتى عند مروره سريعا بغليزان وخميس مليانة وعين الدفلى، لاحظنا العديد من المواطنين يأخذون صورا معه، بعدما كثر الحديث عنه في الفترة الأخيرة.

“الرشق بالحجارة والنار” يرعبان المسافرين

وبعد ساعتين من الرحلة، وبالتحديد بخميس مليانة وعين الدفلى، اللتين أصبحتا هاجسا لسائقي القطارات تعرض قطار كوراديا للرشق بالحجارة، ما أدى إلى تحطم وتكسير زجاج النوافذ بعدة عربات، حيث يقوم مراهقون وأطفال بإخراج “المعقال” وتثبيت الحجر داخله باحترافية ومنهم من يشعل النار داخل قارورات مكسورة ويقذفونها على القطار.
وبحسب أحد المراقبين، فإن آفة رشق القطار بالحجارة تجاوزت كل الحدود، وعلى السلطات المحلية إيجاد حلول سريعة لها، مؤكدا أنه بالرغم من وفاة سائق السنة الماضية، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.. وحتى القطار الجديد لم يسلم منهم، “فعند تفقدك القطار الجديد تقف عاجزا عن التعبير، حيث يخيل إليك أن القطار الذي لم يمض وقت طويل على استيراده من الخارج دخل منطقة حرب وخرج منها غير سالم بثوب كخلية النحل، والخطير في الأمر أن إصلاح زجاج القطار مكلف للغاية، لأنه من نوعية الزجاج المزدوج، فإصلاحه يكلف أكثر من 100 مليون سنتيم ويستغرق أياما.
وفي حديث جمعنا برئيس الجر نور الدين عقيري حول ظاهرة الرشق، أكد لنا ضرورة تحرك السلطات المحلية لتوعية المواطنين وكذا التجند للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة التي من شأنها التسبب في وفيات وسط الركاب..

طرائف وحيل على متن القطار

يحدثنا ياسر، وهو مراقب قطار كوراديا، بأن المسافرين يتحايلون في العديد من المرات “إذا كانت العائلة متكونة من 4 أفراد، فإنها تشتري تذكرتين فقط للأم والأب.. وبخصوص الأطفال، فإنه عند المراقبة يقومون بإجبار أولادهم على الذهاب إلى المرحاض أو الجلوس بين العربات أو يتنقلون إلى مقصورات أخرى.. وهذا للتهرب من دفع ثمن التذكرة، كما يقوم بعض المسافرين بالتحجج بتضييع التذكرة في المحطة، وفي هذه الحالة يدون الاسم ويُتصل بالمحطة للتأكد من أنهم ضيعوها، فإن وجدت التذكرة يعفون من الغرامة، وإن لم توجد، فعلى المسافر شراء تذكرة جديدة مع غرامة تقدر بـ 2000 دج.
وفي سياق متصل، ومن الطرائف التي وقفت عليها ”الشروق” خلال رحلة ”الجزائر- وهران” هي ”الغيرة بين الزوجين”، حيث قامت إحدى النساء بإقامة الدنيا وإقعادها، بسبب جلوس زوجها مع إحدى السيدات، حيث تدخل العديد من المسافرين لتهدئتها، لكنها واصلت في ذلك وطلبت من مضيفات القطار تغيير مكان جلوس زوجها الذي راح يقول لها: “بهدلتينا في كوراديا”.
ومن أهم ما ميز القطار، سهولة الولوج إلى الخدمات بسبب النظام الأوتوماتيكي الذي اعتمدته الشركة للدرجة الأولى، أن الأطفال باتوا يتنقلون لوحدهم داخل المقطورات ويدخلون المرحاض ويفتحون الأبواب دون اصطحاب أوليائهم معهم.
4 ساعات ونصف من العاصمة إلى وهران بسبب قدم السكك الحديدية
بالرغم من أن قطار كوراديا مزوّد بأحدث التكنولوجيات، لكن الرحلة بين عاصمة البلاد والباهية وهران استغرقت 4 ساعات بسبب وضعية خطوط السكك الحديدية، فهي مؤهلة لسير قطار كوراديا، ولكن تبقى بعض المناطق في حاجة إلى صيانة وإعادة تهيئة حتى لا ينقص القطار من سرعته والمقدرة بـ 160 كلم في الساعة، حيث إن بعض خطوط السكة الحديدية في بلادنا ليست مكهربة 100 بالمائة، خصوصا بين الجزائر العاصمة وولاية شلف، حيث كان القطار في العديد من المرات يتوقف اضطراريا خصوصا في محطتي بوفاريك والعفرون، ولكن من ولاية شلف إلى وهران لم يستغرق القطار كثيرا بسبب أن إعادة صيانة السكة الحديدية ليست من صلاحياتها وإنما تتكفل بها مؤسسة “أوناسريف” المختصة في ذلك.

ياسين بن جاب الله المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية:
هذه هي الوجهات الجديدة لقطار كوراديا
أكد ياسين بن جاب الله، المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، وجود ثلاثة قطارات من نوع كوراديا تحت التجربة، وعن الخطوط الجديدة التي ستتدعم بقطارات كوراديا، قال المدير العام في تصريح إلى ”الشروق”: “أطلقنا منذ شهر الجزائر- وهران، والخط الثاني الذي سيتم إطلاقه الشهر المقبل هو الجزائر- سطيف والجزائر- قسنطينة، و سيدخل قطار جديد حيز الخدمة كل شهر لتدعيم وجهات وهران- بشار وكذا بسكرة وخط قسنطينة- تقرت، فضلا عن الجزائر- عنابة.. ستنطلق جميعها خلال الأشهر القادمة.