-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كورونا تَفْصِلُ بين منطق الاستسلام والاحتجاج والعمل!

كورونا تَفْصِلُ بين منطق الاستسلام والاحتجاج والعمل!
ح.م

فَقَدَ العملُ قيمته في مجتمعنا إلى درجة الصفر في العقدين السابقين. وَوَاكَبَ هذه الحالة الاجتماعية والنفسية، من جهة منطق الاستسلام والخنوع الذي وصل إلى درجة قبول الإذلال وعبادة الشخصية لدى فئات من الناس، ومن جهة أخرى منطق الاحتجاج الذي بدأ يتشكل تدريجيا لدى فئات أخرى، إلى درجة الاستعداد للثورة في هذا القطاع أو ذاك، لأجل إصلاح الأوضاع وتغيير ما بالحال..

واستمرت تراكمات هذا الوضع تزداد إلى حين طَفَحَ الكيلُ في لحظةٍ مُعيَّنة، وتَغلَّب منطق الاحتجاج على منطق الاستسلام، وبدأ ذلك يتبلور في شكل ثورة على الوضع القائم، تداخلت فيها الدلالات السياسية والاجتماعية والنفسية والثقافية والتاريخية… حتى باتت مُرَكَّبًا يصعُب فَكَّ “شيفرته” من أي كان!

وهكذا وَجَدَ النَّاس أنفسهم أمام واقع يُدرِكون أنه الأصَحّ، ولكنهم لا يستطيعون تفسيره إلا بعنوان واحد: نعم للاحتجاج، لا للاستسلام ولا للخنوع…

في ظل هذه الحالة المُرَكَّبةِ الأبعادِ، ومِن غير سابق إنذار، ينزل علينا وباءٌ غامض ومُريب، ومن غير مقدِّمات عنوانه “كورونا”.. وفي لحظة من لحظات التاريخ الأخرى، نجد أنفسنا، هكذا فجأة، نتحول إلى ذلك البُعد المَنسِي، الذي كان غيابه سَبَبَ خُنوعنا وفي ذات الوقت سَبَبَ احتجاجنا: العمل!

وتَتَحرك فينا روح التضحية، والمبادرة، والإنتاج وخدمة الآخرين، لمواجهة “كورونا”.. ونُعيد الاعتبار في ظل هذا الوباء لقيم الكفاءة، والإخلاص، والتضامن، في بعض القطاعات كمرحلة أولى. وترتفع قيمة العمل في “بارومتر” المجتمع إلى درجة لم يعرفها منذ سنوات. وتنخفض لديه كنتيجة حتمية لذلك كل من درجتي الخنوع والخضوع (للمسؤول الأعلى فالأعلى)، أو النزوع نحو الاحتجاج والرفض (لهذا السبب أو ذاك).

وينجلي أمام أعيننا الحلُّ بوضوح كمن كُشِف عنه الغطاء. يقول الحل: أيها الناس إذا أردتم أن تستقيم الأمور في بلادكم على كافة المستويات والجبهات فليس أمامكم سوى ترياقٍ واحد: فتحُ مجالات العمل أمام الناس، وإعادة القيمة له، والاعتبار للمبادرة به، ولكل ما ارتبط به إن كان جهدا فكريا أو عضليا، من كفاءة وجدٍّ وإخلاص وإتقان…

وهكذا سيبرز أمام الجميع، عنوان جليٌّ يتقدَّمُ كافّة عناوين المرحلة القادمة يقول: العمل هو طريقكم الأسلم نحو الاستقرار والسلامة والأمل.

ابحثوا عن أيِّ شعبٍ في العالم، يعمل ويَجِدُّ ويجتهد ويُعطي قيمة للكفاءة والعلم، ستجدونه أكثر استقرارا وأكثر اعتدالا، مهما كانت طبيعة نظامه السياسي إن على شاكلة الصين الأحادية الحزب، الشيوعية المذهب، أو اليابان المتعددة الأحزاب، الليبرالية المذهب، أو غيرهما… وابحثوا عن أي شعب في العالم مازال يتصارع ويتباغض من أجل ريعِ باطنِ الأرضِ أو سطحها، ليعيش من غير عمل، وستجدونه إما الأكثر خنوعا وذلا، أو الأكثر احتجاجا وثورة… وكلاهما لا خير فيه.

إن طريق العمل هو طريق الأمل. ومن بين إيجابيات هذا الوباء أنه قَرَّبَنَا أكثر من منطق العمل، وبَيَّنَ لَنا فضائله، وأبرَزَ الحاجة الماسَّة إليه. وأوضَح لَنا أنَّ مجتمعَنَا كباقي المجتمعات إذا لم يَسُدْ لديه ويَعمُّهُ منطق العمل هذا، سيسوده بالضرورة إما منطق الاستسلام والخنوع والكسل، أو سيُسيطر عليه منطق الاحتجاج والثورة وحتى العنف أحيانا… هل بقي لنا أن نحتار في معرفة الخيار الأفضل والدواء الأنجع؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ابن الجبل

    هل نحن الشعب الذي هزم فرنسا ؟! أعتقد أننا بلداء ، لا نحفظ دروس التاريخ ، تاريخ الزمن !!. من لم يتعلم من الزمن يبقى طول حياته خارج التاريخ ... لقد مرت على الجزائر عدة محطات ، أتاحت لها فرص اللحاق بالحضارة العالمية ، لكن الأنانية وسوء التسيير وضياع الأمانة ، فوتت على نفسها الانطلاقة الى السؤدد . ماذا فعلنا بالبقرة السمينة التي تحلب 120دولار للبرميل الواحد ؟!. هل أنجزنا المصانع تقينا شر الفقر ؟.وهل شيدنا مساكن في مستوى تطلعاتنا ؟، وهل شقنا طرقات عالية الجودة ؟.بالرغم أننا نملك الكفاءة والمال والاستقرار...لكن ذهبت هباء منثورا !!. لا بد من اعادة بناء الجزائر ، والأمل كل الأمل في شبابنا الخلاق .