-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كورونا وزمن الانهيار الكبير

كورونا وزمن الانهيار الكبير
ح.م

كشف لنا وباء الكورونا وبضراوة، الوجه البائس للانسان، وقد ظل ردحا من الزمن مغلفا بالتفوق المادي، والتطور العلمي، أو هكذا بدا وهو يتبجح بحصد الأرقام القياسية في كل شيء حتى في السخافة ، أعلى برج شكلاطة، وأكبر حوض صلصة طماطم وغيره كثير، لقد أصبح مستخفا بالنعمة التي يرفل فيها بعد أن ضيع القيم والأخلاق، كان ذلك يوم تحررت الثقافة والوسائط التي تحمي التقافة من التزاماتها الواحدة تلو الأخرى، أصبحت نشاطا مفتوحا بلا هدف ولا خطة، الغرض إرضاء الزبائن والربح السريع.

 لو سألنا أنفسنا بصدق، لماذا يأتي الانحدار سريعا بعد بلوغ القمة؟ لأن المشكلة عويصة ولها صلة بتركيبة الانسان النفسية، البقاء في القمة أصعب بكثير من الكفاح للوصول إليها، بطر اجتماعي وعالمي، منظومة فساد مثل الجراد يأكل الأخضر واليابس، يجتاح كل شيء يرديه صريعا، إن شهوة الامتلاك والاستحواذ قد أحكمت قبضتها، والحياة عبارة عن سوق واسعة، العلم أصبح مزادا للخردوات والعفن بعد أن فقد جدواه وشوهت مقاصده، تنافس كبير على القشور، غزو الأمجاد الوهمية، والإنجازات المظفرة، على صفحات الفيسبوك وفي الواقع العريض، العلم مثل التجارة، تجاور مع الجهل اصطحبه وسيده، وجعله مثلا أعلى بسبب سطوته، ووجاهته. أصبح الجهل يلبس لباسا أنيقا وينتعل حذاء المشاهير، وصوره تنافس النجوم، ويحصد الملايين من المتابعين.

وفي وسط الانهيار الكبير، هل يتمكن الإنسان من ترميم إنسانيته المتصدعة؟ هل من فرصة ليفهم حاجته الملحة للايمان بالله؟ يحتاج الإنسان إلى الإيمان لكي يحافظ على الانسجام بين غلظة الجسد وشفافية الروح، ويحافظ على مسافة الآمان بين القاعدة والقمة فلا تزال قدمه في نكص ويسقط، العالم المادي تعامل مع الانسان تعاملا ماديا فلم ينجح في أول مواجهة مع الانهيار الكبير حساباته وتخميناته تبعثرت مع الشتات، ماذا بقي من الانسان؟ وماذا بعد انهيار انسانيته؟ وماذا بقي من العلم إن تجرد من رسالته الأخلاقية؟ وماذا بقي من دوره ومسؤوليته لقيادة المجتمع وحمايته من الانهيار؟

 كثرت الأصنام وتعددت، صنم هنا وصنم هناك بكل الأسماء واللغات والألوان، أزلام ومعابد للمباهاة والبرستيج، إنه مشروع دمار شامل لكل المرتكزات، وإفراغ القيم من مضامينها، وكل الحياة تلونت بلون الشذوذ واصطبغ المجتمع بالديوثة، وماذا يمكن أن نقول بعد أن صار الزمان للنساء والمكان للنساء؟ لم تعد أي قوة لتقوم وترجع الأمور إلى طبيعتها إلا قوة الله خالق كل شئ العلي القدير، وجاء الانهيار الكبير ليعيد الانسان إلى كهفه الوحيد، ليحترق بأوجاع الفقد وهو مازال فيه، ويندم على لحظات الركظ خلف أوهام السلطة والجاه والمجد بعيدا عن دفء الإيمان الصادق، ومهما كان الانهيار كبيرا، سيستعيد وعيه بقيمة الأشياء بعد حرمان وجوع، وسيسميها بأسمائها، ويخر ساجدا مسلما لله رب العالمين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!