-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“كوليرا” العُقول؟!

محمد حمادي
  • 960
  • 1
“كوليرا” العُقول؟!
ح.م

في كلّ مرّة تحلّ فيها كارثة ببلادنا، يهرع المسؤولون إلى التبريرات الجاهزة المغلفة بالتفسيرات الغيبية التي تُلصق كل مظاهر الوهن والفشل في منظومة التسيير بالقضاء والقدر؛ فيبرعون في صناعة الحجج الواهية، مُتخفّين وراء أسباب غير منطقية. لكن إلى متى نبقى نُسيّر شؤون الرّعية بهذه العقلية البالية؟ ألا يكفي ما حصدناه من خراب ودمار جراء القرارات العشوائية؟ ألم توقظ المآسي المتكرّرة ضمير المسؤولين، ليُعيدوا حساباتهم ويتقوا الله في هؤلاء المواطنين المغلوبين على أمورهم؟

بعد البوحمرون والكوليرا ولدغات العقارب… وما صاحبها من موجة سخط شعبي بسبب الإهمال وسوء التكفل بالضحايا، ها نحن نُبتلى بفيضانات أتت على الأخضر واليابس في عدد من ولايات القطر الوطني؛ فشرّدت عائلات وخرّبت ممتلكات وأصابت الناس بالذّعر، وما زال الخطر قائما إلى حدّ السّاعة، ما دامت أمطار الخريف تنهمر، دون أن ترافقها إجراءات وقائية لحماية المدن من الكوارث الطبيعية.

 قد يقول قائل إن الكوارث الطبيعية “ابتلاء إلهي” وقفت معه كثير من الدول المتطورة مذهولة من فرط بأسه؛ فاجتثت الأعاصير مدنا بأكملها في أمريكا وغمرت المياه عاصمة الجن والملائكة، بعدما فاض نهر السين، وردمت الثلوج بلدانا في إسكندنافيا… وعدد من الأمثلة التي يستحضرها في كل مرّة المسؤولون في بلادنا ليداروا فشلهم الذريع في إدارة الشأن العام. لكن على الأقل هذه الدول قدمت الأسباب؛ فأعدت العدّة مستعينة بنظام طوارئ، ووضعت استراتيجية لمواجهة المخاطر الكبرى الناجمة عن الظواهر الطبيعة، فلم تتخف وراء حجج واهية أو غالطت شعبها بإجراءات إنقاذ وهمية.

الصور المرعبة للسيول وهي تجرف كل ما وجدته في طريقها بمدينة تبسة، التي تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعلوا معها، أظهرنا من خلالها للعالم، درجة الانحطاط واللامبالاة التي وصلنا إليها في تسيير شؤون البلاد والعباد، حتى صارت النفس الجزائرية رخيصة تجرفها السيول لترمي بها في الوديان والشعاب.

ألم يطلق سكان تبسة مرارا وتكرارا نداءات استغاثة لإيجاد حلّ للوادي الذي أرعب سكان المدينة؟ ألم يجرف مواطنا قبل سنتين، وهاهو يحصد روح طفل بريء، فضلا عن تحطيم مركبات وسقوط منازل وتشريد أصحابها؟

ما يحدث في كل مرّة من كوارث طبيعية في بلادنا سببه في المقام الأول سوء التدبير وعدم قراءة عواقب الأمور، وإلا كيف نفسّر غرق مدن بأكملها بمجرّد زخات من المطر؟ كيف عجزنا عن تصريف المياه عبر البالوعات؟ أين مخططات حماية المدن من الكوارث؟ أم إنّنا صرنا ننتظر كالعادة سُقوط الفأس في الرّأس لنتحرّك؟

الحقيقة، أن المخططات العمرانية غير المبنية على قواعد تقنية سليمة ساهمت في ترييف المدن الجزائرية، التي تتحول شوارعها إلى مسابح وطرقاتها إلى أكوام من الأوحال، كلّما تساقطت الأمطار، في مشهد شبيه بما يحدث في القرى والمداشر، التي تنعدم بها التهيئة العمرانية.

والسؤال الذي يبقى مطروحا في ظل هذا الوضع البائس: كيف يمكن أن نُساهم في وقاية ساكنة هذا البلد من الأوبئة ومختلف المخاطر الطبيعية، وكثير من العقول التي تتولى تسيير شؤون الرعية، أصابتها “الكوليرا”، ملوّثة منظومتها الفكرية بعديد الميكروبات التي صنعت منها كائنات جاهلة لا تعي عواقب الأمور؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • mouna

    كي يكونو بهايم هما اللي حاكمين الادرات الحكومية اكيد راح تكون هذي هي النتيجة و زيد الشعب ساكت هه