-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا تبخسوا شهداء الجزائر حقّهم!

لا تبخسوا شهداء الجزائر حقّهم!

لا تزال الجزائر تعيش على وقع الاحتفالات المخلّدة لذكرى الاستقلال السادسة والخمسين، بل إنّ صداها بلغ كل الشرفاء الذين ينشدون الحرية والكرامة لأوطانهم، وفي مقدمتهم الأشقاء الفلسطينيون، إذ خرجوا في شوارع غزة والضفة في مسيرات شعبية، احتفاء بالنصر المظفر لثورة المليون ونصف المليون شهيد، وليجدّدوا عهد السلاح والجهاد، السبيل الوحيد لاستعادة الأرض وصون العرض.
لكن الغريب، وفي غمرة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها الجزائر، فإنّ بعض أبنائها المُحبَطين راح يهمز ويغمز في قيمة الاستقلال، بل وصل اليأس عند بعضهم حدّ السؤال عن حقيقة خروج فرنسا من البلاد، والتشكيك في هويّة حاكميها منذ 1962؟!
كم هو ضروري التسلّح بروح الوعي والنقد والتطلع إلى مناكفة الأمم القوية والمتقدّمة، لكنّ الأمر سرعان ما يتحوّل إلى سلاح فتّاك، يدمّر المعنويات ويقتل الأمل في النفوس، حينما ننظر إلى الواقع المشوب بالسلبيّات والنقائص بنظارات قاتمة، لا ترى من الألوان إلاّ الأسود، بينما تتغاضى عن كل جميل وصنيع من حولها، كأنّما مهمتها هي قذف القنوط في قلوب الجزائريين!
نعم.. نحن متخلفون عن ركب الدول المزدهرة، غير أنّنا لسنا أبدا في ذيل الإنسانيّة، إذ حققنا في مسيرة نصف قرن الكثير من المُنجزات التعليمية والعمرانية والاجتماعيّة وسواها، كما نملك كل المقومات الطبيعية والبشريّة والجغرافية والتاريخيّة لاستكمال رهان النهضة المدنيّة المنشودة.
ثمّ إنّ واجب الوفاء لدى الشعوب المتحضّرة يقتضي أولاً الافتخار والامتنان بكل ما قدّمه السلف من الآباء والأجداد، فكيف إذا كان هؤلاء شهداء أبرارا ومجاهدين أشاوس جابهوا، ببسالة فريدة، عنجهية وبطش أقوى استعمار حديث، مدعوما بجيوش وعتاد الحلف الأطلسي؟!
إنّ ما رسمته ثورتنا الخالدة في القرن العشرين من ملحمة نادرة للكرامة والإباء، تكلّل بنصر مُبين، قد ألهم شعوبًا مُستضعفة طريق المجد والبطولة، حتّى أضحت الجزائر قبلة الأحرار ومرجع الثوّار في كل مكان، فيكفيها شرفًا ما أنجزت للوطن، في سبع سنين من الآلام والدماء، وما لقّنته للبشريّة من دروس الإرادة في الحياة وما بذلته من تضحيات لمعانقة الحريّة النفيسة، وما بعدها من واجبات البناء ومسؤوليات التشييد تقع على عاتق الجميع.
لعلّ بعض الفلكلور سيئ الإخراج يُفسد على البعض، خاصّة من جيل الشباب الطموح، نكهة الاحتفال باسترجاع السيادة الوطنيّة، فبدل أن يفتخروا بمكاسب الاستقلال والحريّة، ليشعلوا شموع الأمل في غد أفضل، تجدهم يسبّون الظلام، ولا يذكرون من فضائل الرجال شيئًا ولو كان استعادة وطن غالٍ في حجم الجزائر، من احتلال غاشم غصب الأرض واغتصب العرض وطمس الهويّة، مُقترفًا أشنع جرائم الإنسانية في بلادنا طيلة 132 عام، سام خلالها البشر والشجر والحجر سوء العذاب.
ليس معقولاً أن نشكّك في جوهر النصر الباهر، أو على الأقل ننتقص من قيمته الثمينة، بذريعة الفشل في تحقيق الآمال العريضة لأبناء الاستقلال، إذ إن لكل مرحلة تاريخيّة رهاناتها ورجالها وأدواتها، ولا نظنّ أن ثمّة شعبا يملك من الدوافع الحضاريّة والمحفّزات الروحيّة ما يؤهِّله لصناعة التنمية الشاملة، مثلما يحوزها الجزائريون في حاضرهم الواعد برصيدٍ ثوري أسقط المستحيلات ليحقّق المعجزات!
كم هو جميل أن تقترن ذكرى الاستقلال بجيل الشباب، فيكون العيدُ عيدين متلازمين أبديّين، في رسالة أزليّة لدور عماد الأمة في حفظ الأمانة ورفع المشعل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ابي

    الشهداء لمغابن راحت دماؤهم (باطل في باطل)

  • د. محمد

    منذ 1962 و نحن ناكل من رصيد تركه لنا شهداء الوطن. للاسف لم نحسن استثماره حتى كاد ينفذ. الطريق واضح المعالم، يجب ترك الاستقلال للشعب يحتضنه فتكون التنمية مثلما تركت له الثورة من قبل فساندها بالنفس قبل المال. اما احتكار الوطنية فلن يزيدنا الا استقالة من واقع هذا البلد!