-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عميدة أث كوفي تروي ذكريات رمضان الأربعينيات بمنطقة القبائل

لا شربة.. لا قهوة ولا قلب اللوز.. وهذه قصة “مغلقي” رمضان!

فاطمة عكوش
  • 1998
  • 1
لا شربة.. لا قهوة ولا قلب اللوز.. وهذه قصة “مغلقي” رمضان!
ح.م

تعود بنا عميدة نساء عرش أث كوفي بأعالي بوغنى بتيزي وزو الحاجة بلعيدي وردية (91 سنة) إلى الذكريات الجميلة لسكان منطقة القبائل في شهر رمضان الكريم خلال الأربعينيات، والتي تختلف كثيرا عن رمضان جيل “الفايسبوك”، قائلة إن القرية تزداد سحرا ورونقا وجمالا كلما أقبل شهر رمضان المبارك، فترى الأهالي في نشاط غير معهود بدءا من تنظيف الأفنية والأزقة والبيوت؛ حيث ترش الجدران، خاصة في فصل الصيف، بتراب أزرق اللون يدعى محليا “ثومْـليلْثْ”، ويطلى أسفل الجدران وكذلك المنافذ بالجير الذي يصقل وينعّم بحجر أملس، بعد أن يوشك على الجفاف، وهذا من أجل الزخرفة ووقاية المتكئ عليها من التلوث.
بخصوص الأطباق الرمضانية فتقول محدثتنا، “إن الأغلبية الساحقة من السكان فقراء، ومعيشتهم في شهر رمضان لا تكاد تختلف عنها في سائر أيام السنة”، أما جديد رمضان بالنسبة للصغار فهو مميز، حيث يحاط الصائم الصغير بهالة من العطف والتقدير، وتنهال عليه عبارات التشجيع والثناء، وعند الإفطار تعدّ له وجبة خاصة، وهي بيضة مسلوقة أو اثنتان يتناولهما في مكان مرتفع من الدار، وغالبا ما يكون المكان هو السور الحاجب للفناء، أما طعام الكبار فتقريبا لا فرق بينه وبين طعام سائر أيام السنة، إنما الذي تغير هو موعد الأكل حيث يفطر أكثر الصائمين على الكسكس من الشعير، وعند قليل منهم يكون الكسكس من القمح، ويسقى بمرق الخضر الطازجة في موسمها، أو الجافة في غيرها، حسبما تجود به الحقول، وقد تضاف عند بعضهم فواكه الموسم، أو التين المجفف، ووجبة السحور تقتصر على الخبز(الكسرة) باللبن لدى من يربي المواشي، أو بضع ملاعق من الزيت، هذا هو طعام رمضان البسيط اللذيذ الخفيف، فلا شربة ولا حساء ولا حريرة ولا قهوة ولا مشروبات، ولكن في ليلة القدر تعد أفخر الأطعمة من كل قادر على ذلك، وتحمل إلى المسجد.

الشروع في الحصاد مباشرة بعد السحور

ومن بين العادات الجميلة التي اندثرت في وقتنا الحالي مع الأسف تضيف الحاجة وردية متحسرة، إطعام الصائم لشهر رمضان كله لأول مرة؛ إذ يطعم هذا الصائم من طرف ميسوري الحال، طيلة شهر رمضان، ويقال: “إنه أغلق رمضان”، أما الكيفية فيجتمع عقلاء القرية ليحصوا عدد (المغلقين) لرمضان، ثم يوزع هؤلاء على المحسنين طوال شهر رمضان، ليطعموهم جماعيا أو بالتناوب، بحيث لا يأكل هذا الصائم في بيته ولا وجبة واحدة، وقد يزوّدون ببعض الهدايا من طرف بعض المطعمين الميسوري الحال، وتضيف محدثتنا أن هناك عادات أخرى اندثرت كذلك، وهي إيقاظ الناس لتناول السحور؛ وذلك بتطوع أحد السكان، وغالبا ما يكون فقيرا لأن الناس يكافئونه، ويطوف خلال الديار ليلا يدق على طبلة بيده، ويردد بعض الأهازيج التي تحث الناس على تناول السحور، كما تحثهم على التوبة.
وبخصوص وتيرة العمل في رمضان فإنها لا تتغير مهما كانت ظروف العمل قاسية؛ لأن المواسم في الطبيعة لا تتقدم ولا تتأخر؛ لذا يجب الانسجام معها، حتى لا تفوت فوائد أي موسم للغرس والبذر والجني، وغالبا ما يشرع القرويون في الحصاد مباشرة بعد تناول السحور.

زكاة العيد تخرج قمحا

أما في أواخر رمضان، يدخل الناس في دوامة الاستعداد لاستقبال العيد؛ وذلك بشراء الثياب الجديدة للأطفال، وتبدو النساء منكبات على إعداد ما يمكن إعداده من أطعمة لتقدم يوم العيد، وفي اليوم الأخير من رمضان تنحر الذبائح، وينال الفقراء حصتهم من اللحم دون أن يدفعوا شيئا، وفي الصباح الباكر من يوم العيد يستيقظ الناس وتشرع النسوة في إعداد فطور الصباح، بينما توضع كومة من الحبوب، ليشرع رب البيت في كيل زكاة الفطر ،عن كل فرد من أفراد العائلة الأحياء، وتقدم هذه الزكاة عن أرواح الموتى كذلك، ثم يتجه الناس إلى المقابر لزيارة الموتى، وهذا ليس لإثارة الأشجان والأحزان، بل لإشراك هؤلاء الأعزاء في فرح الأحياء، حسب ما يعتقده الناس.
ثم يتجمع الناس في المصلى أو المسجد لصلاة العيد، وسماع الخطبة، وريثما يحين وقت الصلاة تتعالى الحناجر بالتسبيح والتهليل، وبعد الصلاة والخطبة، يتعانق الناس ويتبادلون التهاني بكل حرارة، لأنها المناسبة التي يتصالح فيها الجميع ومن دون استثناء، ليتفرق الناس لزيارة الأقارب في منازلهم، حيث تقدم القهوة والشاي وبعض الحلويات المصنوعة ببساطة في المنزل، وهي المناسبة الوحيدة التي يقدم فيها هذا النوع من الإكرام، وبعد الانتهاء من التزاور والتغافر ينصرف الجميع إلى منازلهم لتناول أول وجبة في فطور، وهي وجبة خفيفة جدا، مراعاة لحالة المعدة التي لم تتأقلم والأوضاع الجديدة، ومن العرف السائد ألا يتناول أحد هذه الوجبة خارج منزله، رغم الإلحاح في الدعوة، حتى يجتمع شمل العائلة على مائدة واحدة، في جو يسوده التقارب بين القلوب والأرواح، قبل أن تتقارب الأبدان والأشباح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبد الرحيم خارج الوطن

    التكنولوجيا تسهل حياة الناس لكنها للاسف تقتل الكثير من الانسانية فيه و الخطا ليس في التكنولوجيا و انما في الانسان. لان الانسان هو الذي يجب ان يتحكم فيها و ليس هي من تتحكم فيه فلماذا يستعمل الانسان الذي لا يحتاج عمله الى كمبيوتر او اجهزة ذكية اكثر من ساعتين في اليوم. حتى التزاور و التعايد و التهاني بين الاقرباء صار عن طريق الانترنيت ربي يرحمنا و يهدينا و تقبل الله صيام الجميع