-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لجان الحوار والحَراك.. قطيعة غير مبررة

لجان الحوار والحَراك.. قطيعة غير مبررة
ح.م

تشكلت لجانٌ كثيرة للحوار أهمها هيئة الحوار التي يقودها كريم يونس، وقد ذكرت هذه الأخيرة في بياناتها أنها قد حققت رقما مهما في عدد الجمعيات والأحزاب والشخصيات المستقلة التي التقتها منذ انطلاق جولات الحوار، وأنها تستعدُّ في آخر هذه الجولات لصياغة تقريرها النهائي الذي يشكِّل الوثيقة المرجعية التي يتم في ضوئها تشخيصُ الوضع الراهن وتحديد الآليات الملائِمة لحلحلة الأزمة وإنهاء حالة الاحتقان. هذا ما تصبو إليه هيئة الحوار ومعها لجان الحوار الأخرى ويصبو إليه كل جزائري يتطلع إلى بناء جزائر قوية ومتضامنة ووفية لماضيها ومتمسكة بحاضرها ومهتمة بمستقبلها.

إن لجان الحوار بما فيها هيئة كريم يونس لها ما لها وعليها ما عليها، ومن ثم فإن شيطنة هذه اللجان أو مطالبتها بالمستحيل شطط بيِّن، ولكن هذا لا يعفيها من تحمل مسؤوليتها الوطنية والأخلاقية في إيجاد صيغة جادة لكسر الحاجز النفسي بينها وبين الحَراك الشعبي طالما أن كل بياناتها تؤيد مطالب هذا الحَراك، وطالما أن كل الأحزاب والجمعيات والشخصيات سواء التي لبّت دعوة هذه اللجان أو تلك التي رفضتها تجمع كلها على أن مطالب الحَراك تشكل أرضية مشتركة للحوار رغم الاختلاف الحاصل في المواقف بشأن المطالب المؤجلة إلى حين انتخاب رئيس الجمهورية وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة.

ليس من المصلحة الوطنية أن تكون هناك قطيعة بين لجان الحوار والحَراك أو أن تطغى على هذه اللجان فكرة تكريس الأمر الواقع اعتمادا أو اعتدادا بالعدد المشارك في جلسات الحوار، لأن هذا العدد مهما تعاظم لا يمكن -حتى بالمنطق الحسابي- أن يشكل معيارا كافيا للحكم بنجاح هذه اللجان في هذه المهمة، فأين الجمعيات والأحزاب والشخصيات المعدودة من الزخم الحَراكي المتصاعد؟ نريد من لجان الحوار وخاصة هيئة الحوار أن تتجاوز لغة الأرقام وألا تغترَّ بما يقوله الإعلام لأن الحوار لا يحقق مقاصده بكثرة المتحاورين ولكن بما يوفره من مناخ سياسي واجتماعي يساعد على إحداث التغيير السياسي.

الحَراك مطالبٌ بالانتقال من مرحلة الحشد العددي إلى مرحلة التجسيد العملي للمطالب بانتهاج كل الطرق الدستورية والقانونية لأن الوقت كما هو جزءٌ من الحل يمكن أن يكون أيضا جزءا من المشكلة؛ إذ كلما دخل الحَراك الشعبي في جمعة جديدة ازدادت معها هوة القطيعة بينه وبين لجان الحوار. إن الحوار المباشر بين الحراك وهذه اللجان من شأنه أن يختصر المسافات ويذيب جليد الخلافات ويعجِّل بالانتخابات التي نعتقد أنها المخرج من الوضع الحرج الذي لا نُحسد عليه.

ليس من المصلحة الوطنية أن تكون هناك قطيعة بين لجان الحوار والحَراك لأن هذه القطيعة تصب في مصلحة دعاة الفوضى، فحين يغيب الحوار يحل محله الجدلُ العقيم الذي لا ينتهي والتناوش والتشاكس الذي لا يأتي بخير.

لا نريد أن يتغلب منطق “أنا وبعدي الطوفان” على منطق “اليد في اليد لبناء جزائر الغد” كما حلم بها الشهداء الأبرار وتمناها الرجال الأحرار الذين لا يزال أحفادهم يرابطون على ثغور هذا الوطن ضد أعداء الوحدة الوطنية.

هذه القطيعة من شأنها أن تعيدنا إلى نقطة البداية وأن تعيد إنتاج الديمقراطية الشكلية التي يحرص دعاتُها على إذكاء ثقافة الاصطفاف والاختلاف ورفض كل تقارب لجمع الشتات.

هذه القطيعة أيضاً من شأنها أن تضيع علينا كل فرصة لإصلاح الوضع السياسي ما دمنا لم نتوصل بعد إلى صيغة توافقية لهذا الإصلاح، وما دام أن التباين يظل سيِّد الموقف، فما يعدُّه طرفٌ إصلاحا يعده طرف آخر عملا مضادا للإصلاح.

ليس من المصلحة الوطنية أن تكون هناك قطيعة بين لجان الحوار وبين الحَراك، بل من المصلحة الوطنية أن يستثمر الجميع في خطاب الالتزام الأخلاقي الذي تعهدت به السلطة السياسية والمؤسسة العسكرية من أنهما لن يكونا طرفا في الحوار، وأن تتجاوز لجان الحوار والحراك القضايا الشكلية ويركزان على المسائل الجوهرية، فتحقيق التوافق حول الحد الأدنى المتفق عليه خير من استمرار مشاعر الرفض وطغيان الحساسيات والحسابات.

وعلى الجميع أن يغتنم الموقف الذي أعلنت عنه المؤسسة العسكرية من أن الجيش سيظل عنصرا مرافِقا للحَراك وأن مهمته الأولى والأخيرة هي حماية الحدود وخدمة الوطن.

من المصلحة الوطنية في هذا الظرف العصيب أن يتحرك العقلاء والحكماء من أجل إصلاح ما أفسده الآخرون، فمشكلتنا سواء على مستوى الحَراك أو على مستوى لجان الحوار أو على مستوى المكوّنات الأخرى تكمن في غياب التواصل وطغيان الأنانية والذاتية.

لقد كان الحَراك الغائبَ الأكبر في جلسات الحوار التي عقدتها هذه اللجان والتي حضرتها بعض “فواعل الحراك” بصفة منفردة ومعزولة وقدمت رؤيتها للحل التي لا ترقى إلى الرؤية الشاملة والجامعة التي نعمل لها جميعا.

إنّ فشل الحوار هذه المرة قد يمهد -في حالة استمرار هذه القطيعة- للفشل في كل مرة، وفشل الحوار يعني استمرار حالة الاحتقان في الجزائر التي تعيش وضعا إقليميا وعربيا لا يدفع على الارتياح وقد يكون له -لا قدر الله- تأثيرٌ في الاستقرار السياسي والاجتماعي.

هناك تحدياتٌ كثيرة تنتظرنا لا نريد أن نغفل عنها بإهدار مزيد من الوقت في حوار لا يشارك فيه الفاعلُ الرئيس الذي لا غنى عنه وهو الحَراك الشعبي.

إنّ الحراك هو الحلقة الأهم في عملية التغيير السياسي، ولا نريد أن نذهب إلى انتخابات عامة بجزء من الشعب، لأنها لن تكون بالتأكيد في هذه الحالة انتخاباتٍ تمثيلية وإن حققت أعلى شروط النزاهة والشفافية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • كريم

    كول الخبز بواش راك تكتب او خلي الرجال تناضل، قال القدماء لا نحتاجك معي فقط لا تعرقلني.