-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لجنة الستة.. مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة

لجنة الستة.. مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة
ح.م

سارع بعض الكتاب –كما هو ديدنهم- إلى رفض لجنة الستة للوساطة والحوار حتى قبل أن تبدأ هذه اللجنة مهمتها، ولم يكتف بعضهم بالرفض بل ذهب إلى وصف هذه اللجنة بأوصاف مقززة بأنها “تتكون من النفايات السياسية والقانونية التي طرحتها السلطة في سلة المهملات السياسية والقانونية منذ سنوات”. ليس لي ما أعلق به على هذا الكلام إلا القول إنه من حق كل واحد أن ينتقد من شاء بما شاء ولكن في حدود اللباقة التي تفرضها قواعد النقد السياسي، أما أن ينزل النقد إلى هذه الدركات فهو أمر غير مقبول بكل المقاييس.

اطلعت كما اطلع الجزائريون على تشكيلة لجنة الوساطة والحوار وخرجت بحكم أوّلي، وهو أن أعضاء هذه اللجنة ليسوا في ميزان الفكر السياسي من المصف السياسي الأعلى، ولكن في المقابل ليس بينهم مرفوضٌ سياسيا أو شعبيا لأنه لم يُعرف عن أحد منهم انخراطُه في عمل سياسي مناهض للإرادة الشعبية، وليس بينهم أيضا من كان جزءا في الجهاز التنفيذي حتى لا يكون هذا ذريعة لبعض المهووسين بالنقد من أجل النقد لتبرير رفضه لفلان أو علان من اللجنة أو للجنة برمتها باستثناء كريم يونس الذي تقلد في مرحلة بعيدة نسبيا وظيفة وزارية.

كنت أنتظر من الذين ينتقدون كريم يونس أن يكونوا موضوعيين فيذكروا ما له وما عليه لا أن يكتفوا بوصفه بأنه رمزٌ من رموز النظام السابق وهو ما يكفي –حسبهم- لاهتزاز مصداقيته ورفضه من الطبقة الشعبية أو الحَراك الشعبي بحسب أدبيات “انتفاضة” 22 فيفري 2019.

مما لم يذكره منتقدو كريم يونس هو دعمه المعلن في وقت سابق لمرشح رئاسي مستقل، هذا الأخير الذي يترأس حاليا حزبا سياسيا معارضا، ومما لم يذكره منتقدو كريم يونس أيضا هو أن الرجل ليس من عديمي الفكر وأنه شخصية علمية، فقد نشر كتبا قيّمة من أهمها: “من نوميديا إلى الجزائر وتمزقها”، و”سقوط غرناطة أو الجغرافيا الجديدة في العالم”، و”على أبواب المستقبل: عشرون قرنا من المقاومة وخمسون عاما من الاستقلال”، هذا يعني أن “كريم يونس” يمتلك قدرا معتبرا من الفكر العلمي والسياسي الذي يؤهّله لإدارة الحوار وأن اختياره ليس اعتباطيا بل يستند إلى حضوره الفكري والسياسي ولو لم يكن هو وإخوانه في لجنة الوساطة والحوار-كما أشرت سابقا- ينتمون إلى المصف السياسي الأعلى.

لا تربطني بكريم يونس علاقة شخصية أو علمية أو نحو ذلك، وإنما شهدت له بما علمت وقرأت من سيرته الذاتية التي لا ينبغي أدبيا وأخلاقيا إغفالها أو إنكارها حسدا أو تحيزا إلى موقف إيديولوجي أو سياسي ضيق.

و إلى جانب كريم يونس، هناك الأستاذ الحقوقي “بوزيد لزهاري”، الذي ألتقي معه في الصفة والوظيفة العلمية، وأعرف عنه تخصصه في القانون الدولي ونيله لشهادات عليا من جامعات أوروبية عريقة وانشغاله بكل ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وهو ما أهَّله ليكون عضوا في لجنة حقوق الإنسان بجنيف.

وإلى جانب “بوزيد الأزهري”، هناك الخبير الاقتصادي “إسماعيل لالماس” الذي عُرف بمعارضته لكل الطروحات الاقتصادية التي أسهمت بشكل كبير في تدهور مكانتنا الاقتصادية في مرحلة من المراحل، كما عُرف بدفاعه الشرس والمؤسس وموقفه المتزن والثابت من الحَراك الشعبي وتأييده المطلق لمطالبه المشروعة والتي أعاد التأكيد عليها بعد اختياره عضوا في لجنة الوساطة والحوار التي أعلنت عنها رئاسة الدولة.

وإلى جانب “إسماعيل لالماس”، هناك الخبيرة الدستورية “فتيحة بن عبو” التي يعيب عليها منتقدوها لسانها وثقافتها الفرنسية التي نرى أنها لم تشكل في يوم من الأيام عائقا أمام إسهامها في تحديد واستشراف المخارج الدستورية لبعض الوضعيات الدستورية المعقدة التي مرّت بها الجزائر. مما يجب ذكرُه عن “فتيحة بن عبو” كما ذكرت بعض التقارير الإعلامية أنها من الأوائل الذين عارضوا العهدة الخامسة، ومن الأوائل أيضا الذين طالبوا بتفعيل المادة الثانية بعد المائة التي أصبح كل الجزائريين -مثقفين وغير مثقفين- يحفظونها عن ظهر قلب، وأنها قبل هذا كله درست القانون الدستوري بالجامعة الجزائرية وتخرَّجت على يديها ثُلة من النخبة الجامعية.

وإلى جانب كل هذه الأسماء المعروفة، ضمت لجنة الوساطة والحوار نشطاء بارزين في الحراك الشعبي كما هو الحال بالنسبة للأستاذ الجامعي “عزالدين بن عيسى” الحنائي التلمساني، وكما هو الحال بالنسبة للنقابي التربوي الورجلاني “عبد الوهاب بن جلول” الذي يعدّ وجها بارزا من وجوه الحَراك الشعبي.

يمكن أن ألخِّص قراءتي لتشكيلة لجنة الوساطة والحوار في النقاط الآتية:

1- أن هذه اللجنة تضمُّ فسيفساء جميلة ومتناغمة ومتكاملة، من النيابي والحقوقي إلى الأكاديمي والنقابي، ولذلك فإنني أرى أن هذه اللجنة تحقق معيار التوازن الثقافي المطلوب وتمثل كل الشرائح الاجتماعية، وأنها تعبر بطريقة مباشرة عن التطلعات والقناعات المختلفة لهذه الشرائح، وهذا مؤشر إيجابي عن النجاح المرتقب ولو بشكل مقتضب لهذه اللجنة في مهمتها المرتقبة.

2- ما يلاحَظ على تشكيلة هذه اللجنة أنها في غالبها على الأقلّ لجنة تقنوقراطية غير متحزِّبة وهذا ما ينفي عنها شبهة الانتماء السياسي الذي يمكن أن يكون ذريعة لدى البعض للطعن في نزاهتها ومصداقيتها.

3- تمثل هذه اللجنة من خلال تشكيلتها التقنوقراطية تيارا محايدا، وهذا ينفي عنها شبهة كونها لجنة وُجدت لإنقاذ هذه السلطة أو إعادة بعث أو رسكلة النظام السابق بطريقة أو بأخرى، كما تؤكد من جهة أخرى –حتى يثبت العكس- التزامات رئيس الدولة في خطابه الموجه إلى الشعب بأن مؤسسات الدولة ومعها المؤسسة العسكرية لن تكون طرفا في الحوار الوطني وأن دور الدولة ينتهي عند توفير الشروط التقنية واللوجستية من أجل إنجاح هذا المسعى.

4- هذه اللجنة –كما جاء في تصريحات بعض أعضائها -ليست إلا وسيلة من وسائل بعث الحوار الوطني وإعادة بناء الثقة المفقودة واستشراف الحلول الممكنة من أجل الخروج من الأزمة، وأنها مفتوحة ومنفتحة على كل الشخصيات والأحزاب والفعاليات السياسية من دون إقصاء، إذ يمكن للأحزاب السياسية وغيرها أن تقترح على لجنة الوساطة والحوار أي مقترح لتحريك المياه الراكدة وإعادة تنشيط العملية السياسية والاقتصادية، ولذلك فإنني أهيب بهذه الأحزاب أن تتعامل مع هذه اللجنة بقرينة البراءة وأن تتفاعل معها وتغلِّب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية.

5- ورد في تصريحات بعض أعضاء هذه اللجنة أن هذه الأخيرة لا تقدِّم نفسها على أنها ممثلٌ أو ناطق رسمي باسم الحراك الشعبي وأنها تلتزم بالاحترام الكامل لمطالب هذا الحَراك وتسعى لتنفيذها على أرض الواقع عن طريق حوار وطني جامع يمثل الحَراكُ الشعبي الطرف الأبرز فيه.

6- أقترح شخصيا على لجنة الوساطة والحوار أن تبادر في الأيام القليلة القادمة إلى عقد مؤتمر أو ندوة وطنية جامعة يتم فيها مناقشة كل الخيارات والمقترحات والخروج بوثيقة إجماع وطني تمهِّد لإرساء معالم الجزائر الجديدة عبر بوابة الانتخابات الرئاسية التي لا بديل عنها لتحقيق الانتقال السلس للسلطة وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • لطفي /الجزائر

    المهمة مستحيلة يا سيدي - ... الدولة القوية تتقوى بالقانون باعتبارها( الدولة) وحدة قانونية مستقلة ومتميزة في وجودها عن شخصية الافراد فيها ... الدول لا تبنى بالشخصيات ، الشخصيات تدمر الدول و لا تبنيها . من الصفات اللصيقة بالشخصيات الأنانية المصلحية الغرور . على السلطة تطبيق القانون الذي يحمي مؤسسات الدولة و الجماعات و الأفراد...

  • مراقب جزائري

    ولكنك نسيت أن تضيف إلى هذه "الكلمة السمجة (السامطة)": وبوزيد لزهاري شخصية أمنية بامتياز ودعم انقلاب 1992.. وشارك في دستور العصابة...وكان منتخبا ضمن عهدات كثيرة في الثلث الرئاسي...ليؤدي وظيفته الأمنية الاستخباراتية عن جدارة واستحقاق... الخ هذا المقال الذي قد نسميه "التشيات الواضح" أو على الأقل: "الجهل الفاضح" الذي يبدو أن صاحبه لا يعرف ألاعيب السياسة ودهاليزها...أو متواطئ مع بقايا العصابة ...

  • الخلاط الجلاط

    والخلاصة لمذا الوساطة أصلا؟