-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا نرفض الاعتدال؟

لماذا نرفض الاعتدال؟
ح.م

غالبا ما تَشُدُّنا إليها العبارات المثيرة، والتصريحات الحادة، وما نعتبره جرأة في الطرح، وما إلى ذلك من المواقف التي تُضاد بعضها البعض إلى حد التناحر والصراع والحرب الحقيقية أحيانا بين هؤلاء وهؤلاء… نادرا ما شَدَّنا إليه رأي الحكمة والاعتدال والهدوء والابتعاد عن حلبات الصراع ورفض منطق الحرب من أي كان.

بعبارة أخرى، وكأننا في عمقنا نرفض الاعتدال والوسطية ومنطق الحكمة، وننساق بكل سهولة أمام المواقف الحادة من أي طرف كان، حتى كدنا نعتبر ما دونها “جبنا” و”نفاقا” وتَوَليا عن تحمل المسؤوليات وتَخلُفا عن البحث عن الحلول الحقيقية للمشكلات.. فهل هذه حال سليمة؟ هل غَلبة هذا التوجُّه بيننا إشارة أمل ينبغي التمسك بها، أم عنوان يأس ينبغي أن نتجاوزه إلى ما هو أفضل؟

يبدو لي أنه علينا أن نُراجع أنفسنا فيما يبدو من حدَّة في المواقف وعلى كافة المستويات، وأن نُدرِك أن حديثنا عن التغيير الجذري أو الكلي أو الكامل، إنما هو مُنافٍ لحقيقة مفهوم الإصلاح الذي يعطي التغيير معناه الإيجابي ومجراه التدُّرجي في الحفاظ على ما هو إيجابي في الوضع القائم وتغيير ما هو سلبي.. بل علينا أن ندرك أنه حتى الثورات الكبرى في أحسن الأحوال قامت بنقل الناس من وضع سيِّئ إلى وضع أفضل منه، وفي بعض الأحيان أدَّت بهم إلى ما هو أسوأ منه خاصة عند مصادرتها من قبل من خانوها، أو تحريفها عن مسارها من قبل أعدائها، وهو ما كان يحدث ومازال في أغلب الأحيان.

لذا، علينا أن نَزن العبارات التي نطلقها بهدوء، وبدل أن نرفع شعارا برّاقا لا نُدرك تبعاته كـ”التغيير الجذري”، علينا أن نُدافع على أهداف أكثر واقعية، كالتحسين نحو الأفضل، والاقتناع بأنه لا يوجد واقعٌ كله سيء أو كله حسن، وأنه علينا أن نُساهم بالقدر الذي نستطيع في تحسين المُناخ العام حيث نعيش، وفي تنقيته من مظاهر الفساد والسلوك السلبي، واستبداله بما هو إيجابي وقادر على تقديم الأفضل.. ذلك أنه ليس بيننا معصوم، وليس بيننا من ليس لديه إسهام في الوضع القائم، إيجابا أو سلبا.. كلنا مسؤولون بدرجات متفاوتة عما نحن فيه أو عليه، وعلينا أن نتحمَّل المسؤولية، وأن نتصرَّف وفق درجة المسؤولية التي نتحمَّلها.

ليس من مصلحتنا أبدا أن نساير الخطاب الحاد، أو ما يُعرف بالدعوة إلى “التغيير الجذري”، ذلك أن اقتلاع أي شيء من جذوره يعني موته، وموته يعني إطلاق رصاصة الرحمة عليه، وعلينا ألا نُخيف بعضنا البعض وألاَّ يُهدِّد أحدُنا الآخر بإطلاق رصاصة الرحمة عليه.. إننا نريد للأمل أن يعيش في هذا البلد، لا لليأس أن يجد مكانا بين ربوعه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • محمد

    تبين الخيط الأبيض من الأسود والحمد لله على نعمة الثورة السلمية. و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم...

  • radia

    صدقت أستاذ، مثل عبارة '' يتنحاو قاع'' التي يرددها الحراك الشعبي، و هو لا يعلم ان الشعب جزء من قاع إذا، هو كذلك يجب أن يرحل.

  • الدكتور محمد مراح

    وفي حديث آخر فسر الرسول الرويضة بأنه الرجل الفاسق فقد جاء في كنز العمال عن أنس بن مالك :
    إن أمام الدجال سنين خداعة! يكذب فيها الصادق ، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين ، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة قيل: وماالرويبضة؟ قال:الفاسق يتكلم في أمر العامة.
    فكلمة الرويبضة لا يعدو معناها عن أن يتكلم في الأمر من لا يصلح ، أي أن الأمر يوسد لغير أهله .

  • الدكتور محمد مراح

    يبدو أنا في سياق سنة من سنن الله تعالى في المجتمعات : في مرحلة { الرويبضة} : {اء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة – سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة} . انظر كيف يجذب رؤوس الفتنة آلاف الناس إلى فجورهم وافترائهم وإيقاد نار الفتن . ولا يكاد يظفر ذووا العقل والحكمة والتبصر من الاهتمام إلا باليسير البسير . ولاحول ولاقوة إلا بالله .يبدو ان أكثر الناس يرون السياسة وأرفع مقاما من أن تخضع للسنن الله في المجتمعات و الحضارات !!!

  • جزائري

    التطرف ثقافة متاصلة في اغلب الجزاءريين. التطرف هو القاءد الاعلى للاسلاميين وللديمقراطيين . لا يمكن لاسلامي معتدل ان يكون قاءدا ولا يمكن لديمقراطي معتدل ان يكون قاءدا وعندما تحصل انتخابات فان المتطرف هو اللي يديها لان الثقافة الغالبة هي التطرف. قال احدهم يروحو قاع في الفيسبوك فصرخ وراءه ملايين الجزاءريين بوعي او بدون وعي نعم يروحو قاع! وها هم اغلب الغاشي يعتقد ان يروحو قاع هو الخاتم السليماني. يعني يعتقدون ان التطرف هو المحل. هذه خي ثقافة الغالبية العظمى للجزاءريين ولن تجد لها تبديلا!

  • منور

    يا دكتور الخوف الدي زرع فينا عميقا جدا ومتجدرا ولا يمكن أن يمحى بسهولة من طرف الخائف على :حياته،أمله في الحياة ،أنسانيته كانسان ،كرامته وعزته من طرف .....ادلاله ،تهميشه،تفقيره،تجويعه،وتوريثها لأبنائه كلها هدا هو الأمل المفقود ،جاءنا الأمل في 62 ثم تبخر ،صنعنا الأمل في 88 ثم حرف ،رئينا نور الأمل في 99 ثم طمس نهائيا حتى أصبحنا بدون أمل ،أين ترى الأمل عندما لا يسمع لصوت الشعب أو حتى محاولة اقناع الأغلبية منه بماهو صحيح ،أين ترى الأمل عندما أتحكم فيك بربوبية كاملة ،هدا الأمل الدي تتمناه يجب أن يهدم كل الأشكال الخاطئة ؟