-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا يفتتن الجزائريون بدُعاة الفضائيات؟

الشروق أونلاين
  • 1298
  • 0
لماذا يفتتن الجزائريون بدُعاة الفضائيات؟

حالة مقلقة ومستعصية نعيشها نحن الجزائريين تتمثل في إعجاب كثير منا بكل ما هو أجنبي في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، حالة مقلقة ومستعصية تجاوزت عالم السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع إلى عالم الدعوة، فقد كثر المفتونون بدعاة الفضائيات الوافدين من مختلف القارات، فتراهم ينسلون إلى مجالسهم رجالا وركبانا من كل حدب وصوب، يتزاحمون على مواكبهم، ويختصمون في معانقتهم وكأنهم فاتحون جدد جاؤوا ليدخلونا في الإسلام أو ليعيدونا إلى الجادة مع أن عهدنا بالفتح الإسلامي قد مرت عليه قرون تحولت فيه الجزائر إلى حضن جامع يأوي إليها أساطين العلم من كل أصقاع المعمورة لينهلوا من علم علمائها الأفذاذ، في تلمسان العامرة وبجاية المنصورة وغيرها.
لكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر الذين نشروا العلم في ربوع العالم، في كل المعالم والمجاهل أن يقرأ ترجمة أبي قنفذ القسنطيني الجزائري، المؤرخ والفقيه والفلكي والقاضي والمحدث، صاحب: “شرف الطالب في أسنى المطالب” وصاحب: “أنوار السعادة في أنوار العبادة”، و”تيسير المطالب في تعديل الكواكب”، و”علامات النجاح في مبادئ الاصطلاح”، و”أنس الفقير وعز الحقير”، و”بغية الفارض من الحساب والفرائض”، و”سراج الثقات في علم الأوقات”.
ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة أبي العباس الونشريسي التلمساني وهو من علماء الجزائر الأعلام وفقهائها المبرزين في القرن التاسع الهجري، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة المنطقي البلاغي “أبو زيد الأخضري البسكري”، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة أحمد أويحيى أو أحمد بن يحيى أومالو، عالم الدين الجزائري الذي ينحدر من الزواوة من منطقة القبائل، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة أحمد بن قاسم البوني “العنابي” الذي نبغ في علم التصوف فكان واحدا من أساطينه، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة ابن العنابي الذي عاش في زمن مضطرب سياسيا ولكنه أبدع أيما إبداع وأخذ من علوم الدين بحظ وافر لا ينكره إلا مكابر.
ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة المحدث والفقيه الحافظ التنسي وهو من علماء القرن التاسع الهجري، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة الفقيه الأصولي والمجتهد اللغوي والعالم الصوفي الطاهر العبيدي التبسي السوفي التوقرتي، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة الفقيه المحقق والناقد المؤرخ العربي التباني، شيخ علماء الحرم المكي الشريف في عصره والمدرس بالمسجد الحرام ومدرسة الفلاح بمكة، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة عبد الكريم المغيلي التلمساني الذي كان له فضل في نشر تعاليم الإسلام في أدغال وممالك إفريقيا واشتهر بمعارضته ومواجهته لليهود في منطقة “توات” بسبب محاولتهم مضايقة المسلمين، ولكل مريب أو مرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة حمدان لونيسي القسنطيني شيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الذي أخذ عنه علوم الدين حتى أصبح عالما من علمائه ورائدا من رواده، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة العالم الحبر سيدي محمد بالكبير الأدراري الذي خلف علما غزيرا وتراثا دينيا كبيرا يعرفه المختصون والمهتمون بالدراسات الشرعية، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة عبد الحميد بن باديس الذي دافع ونافح عن عقيدة وهوية الأمة وحارب دعاة الإدماج، ولكل مريب ومرتاب قي سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة المفسر والفقيه المالكي عبد الرحمان الثعالبي، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة العالم الورع عبد القادر الراشدي ابن مدينة الرواشد الذي ترك إنتاجا علميا غزيرا في علوم الشريعة وغيرها، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة مالك بن نبي فيلسوف الحضارة الذي عكف الماليزيون والأتراك على نظرياته الحضارية فأسسوا بها نهضة حضارية رائدة، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة الإمام محمد بن يوسف السنوسي الذي تغني سمعته عن التعريف به.
ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة محمد بن علي السنوسي المعروف بالسنوسي الكبير مؤسس الطريقة السنوسية والأسرة الملكية الحاكمة السابقة في ليبيا، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة الشيخ البشير الإبراهيمي رائد البيان الذي تجد في ديوانه من الدُّرر اللغوية والبلاغية ما يضاهي ما أنتجه أرباب البيان في العالم العربي، ولكل مريب ومرتاب في سبق علماء الجزائر أن يقرأ ترجمة زهير الزاهري وأحمد حماني وعبد الرحمان الجيلالي كل في ميدانه ومجال اختصاصه…
تعمّدتُ ذكر هذه الأسماء من علماء الجزائر لكي أحفز الجزائريين على الاهتمام بعلمائهم ومعرفتهم والتعريف بهم لمواجهة تيار “مغنّية الحي لا تُطرب” الذين يصفقون للعالم الأجنبي ويزهدون في العالم الجزائري، الذين يغالون في مدح علماء الفضائيات من كل القارات ويعرضون وربما يمتعضون لمجرد ذكر أسماء علماء الجزائر. ليست هذه دعوة لتوطين العلم فالعلم لا وطن له ولا دعوة لجزأرة العلم فالعلم لا يوصف بأنه جزائري أو مصري أو لبناني وإنما هي دعوة لمزيد من الاهتمام بعلماء الجزائر.
لسنا ضد حوار الثقافات ولا تقارب الحضارات فنحن نعيش في عصر العولمة الذي تحول فيه العالم إلى ما يشبه قرية صغيرة، ولكننا لا نقبل أن يحتفي بعض الجزائريين بعلماء الشرق والغرب والمعلوم منهم والمغمور، ويهجرون علماءهم ويهيلون التراب على إسهاماتهم الكبيرة والرائدة.
أليس من العجيب أن تنتقل عدوى الاستيراد في مجتمعنا الجزائري من استيراد قطع الغيار إلى استيراد الأفكار فنبحث عن حلول أجنبية لحالة جزائرية؟ أليس من العجيب أن تنتشر بيننا -أو على الأقل بين شريحة عريضة من الجزائريين- ثقافة استيراد الوعاظ والدعاة والرقاة؟ هل يعني هذا أن العالم الجزائري غير مُقنع وغير مُبدع؟ أم هي عقدة النقص اتجاه الأجنبي ولو كان على ختم الله لا يفقه قليلا ولا كثيرا من مسائل الدين؟ يكفيه أنه وافد لتلقى أفكاره ومواعظه الآذان الصاغية وتستهوي الجموع الكبيرة التي تجلس إليه ساكنة هادئة كأن على رؤوسها الطير في حين يحلو لها اللغو واللهو وهي ترى وتسمع من دعاة الجزائر من يحدثها عن الله وعن الآخرة.
* أليس من العجيب أن تنتشر بيننا – أو على الأقل بين شريحة عريضة من الجزائريين – ثقافة استيراد الوعاظ والدعاة والرقاة؟ هل يعني هذا أن العالم الجزائري غير مُقنع وغير مُبدع؟ أم هي عقدة النقص تجاه الأجنبي ولو كان على ختم الله لا يفقه قليلا ولا كثيرا من مسائل الدين؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!