-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لن تَنتصِر ثورة الشارع.. إلا بثورة العقل!

لن تَنتصِر ثورة الشارع.. إلا بثورة العقل!
ح.م

المنطق الصوري يقول إنَّ ثورة العقل تَسبق ثورة الشارع، والمنطق الجدلي يقول إن ثورة الشارع هي التي تُحرِّك العقل.. كلٌّ يُمثِّلُ مدرسةً فكرية لها أبعادها وتداعياتها السياسية ورموزها الحزبية لِمَن يعرف. لن نخوض في ذلك، لأننا نريد أن نقول إن المقاربتين إنما تستحضران العقل قَبْلِيًا أو بَعْدِيا. ونحن الآن في مرحلته تماما. إنْ كان الشارع عاقلاً نحن في حاجة إلى ترشيده، وإن لم يكن كذلك نحن في حاجة إلى توجيهه. وليس بالإمكان بلوغ برّ الأمان ومعرفة الحقيقة إلا من خلال السؤال، والسؤال الصحيح هو الذي يُمكِّنُنَا من الإجابة الصَّحيحة، لذلك على الحراك اليوم أن يسأل نفسه السؤال الصحيح، وأن يُحاوِر نفسه بهذا السؤال إذا لم يجد مع مَن يتحاور. “اسأل نفسك” يقول سقراط إذا لم تجد من تسأل، لِيُحَاوِر الحراك نفسه إذا لم يجد مَن يُحاوِر، ولِيَطرَح الأسئلة الصّحيحة على نفسه إذا لم يجد على مَن يَطرَح الأسئلة؟

السؤال الأول: ليس المُهم أَنْ استمر في خوض ثورتي السلمية، إنما كيف انتصر فيها؟

السؤال الثاني: ليس المُهِم أَنْ انتصر فيها إنَّما كيف لا يستفيد عدوِّي من هذا الانتصار؟

السؤال الثالث: ليس المُهِم أن أُحارب عدوي إنَّما كيف لا أكون عَدُوَّ عَدُوِّهِ؟

وهذه الأسئلة ليست نظرية أو فلسفية كما قد يتبادر إلى الذهن من أول وهلة، إنما هي حركة العقل في الواقع لأجل تغييره.

وعليه فإنّنا نملك ثلاث إجابات:

الإجابة الأولى: حركة الشارع ينبغي ألا تتحوَّل إلى غاية في حد ذاتها، إنما إلى حركةٍ ذات فعالية تُحقِّق أهدافها وهي في أوج قوتها، وهي الآن بالفعل في أوج هذه القوة، لذلك ينبغي ألا تقبل باقتراح تأجيل الحسم في انتخاب رئيسٍ للجمهورية إلى ما بعد مرحلة انتقالية. ذلك أنها قادرة اليوم على الانتصار في الانتخابات حتى في ظل القوانين الحالية، فما بالك لو تَمَّ تغيير هذه القوانين وتَمَّ تشكيل سلطة وطنية لتنظيم الانتخابات وأَحسن الحراكُ التفاوض بشأنها، لذلك قلتُ في مقال سابق أن كلَّ مَن يدفع باتجاه رفض الانتخابات النزيهة إنما يعمل لصالح بقايا النظام السابق ولصالح أذناب حزب فرنسا، ومازلت أؤكد ذلك.

الإجابة الثانية: أن الانتصار في الانتخابات النزيهة لا يكفي، فقد انتصر الشعب الجزائري في الثورة التحريرية، وانتصر في استفتاء 1962 وسُرقت منه الثورة من قبل أبناء فرنسا وعملائها. وذات السيناريو تكرر سنة 1988 عندما انتفض الشعب في 05 أكتوبر وسَرَق منه حزب فرنسا الانتصار. وتكرر السيناريو للمرة الثالثة سنة 1992 عندما تَحرَّك الشعب في الشارع وانتصر وسَرق منه نفسُ الحزب انتصاره. واليوم ينبغي ألا يتكرر هذا. ينبغي ألا ينجح نفس السارق أربع مرات بنفس الطريقة…

الإجابة الثالثة: الثورة السلمية التي يخوضها الشعب اليوم ينبغي أن لا تتوجَّه ضد عدو عدوِّه المركزي؛ أي حزب فرنسا المتهالك اليوم؛ أي ينبغي ألاَّ تتوجه ضد الجيش الوطني الشعبي الأكثر قدرة على التصدي لهذه القوى الاستعمارية القديمة الجديدة، إنما أن تتكاتف مع المؤسسة العسكرية لدحر هذه القوى، سبب كل الشرور التاريخية والحاضرة، لأجل إخراج النظام السياسي من هيمنة العُصَبِ العميلة إلى قيادة القوى الوطنية المُخلِصة والنزيهة، وهو المفهوم الحقيقي لتغيير النظام، وكل مفهوم آخر لهذه العبارة إنما هو مغالطة سياسية كبرى ينبغي الانتباهُ إليها.

لذا أقول إنه حان الوقت لنخبة شبابنا المرتبط عضويا بالثورة الشعبية السلمية أن يضع جانبا كل تلك المحاولات التي تَمنع عنه الحق في السؤال، وتُريده فقط أن يكون أداة لتنفيذ أجوبة لا يُعلِنُها أصحابها، مِمَّن يعملون في السّر والعلن على مصادرة هذه الثورة السلمية، كما فعلوا في كل المرات السابقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!