-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لهذا يصعب ظهور وباء الكورونا في الجزائر

محمد شيدخ
  • 5252
  • 10
لهذا يصعب ظهور وباء الكورونا في الجزائر
أرشيف

تتميز الصين بتعداد سكانها الذي يقترب من ملياري نسمة، ما يمثل سدس سكان المعمورة وشساعة مساحتها مقدرة بتسعة ملايين وستمائة كلم مربع وتتكون من 22 مقاطعة وخمس مناطق ذاتية الحكم وأربع بلديات ومنطقتين ذات حكم ذاتي عالي. وفيما يخص نمط التغذية فإن أكلات الصينين تعتبر في عمومها غير صحية لاحتوائها على كميات كبيرة من الملح والدهون واحتوائها لحوم بعض الحيوانات والزواحف والحشرات… وهذه العادات الغذائية قد لا نجدها في بعض المناطق الصينية إلا أنها متجذرة في سلوكيات غالبية الشعب الصيني ومن الأغذية العجيبة والمحبوبة عندهم نجد مرق الأفاعي والخفافيش، عفانا الله.

وانطلاقا من هذا النمط الغذائي الخاص والغريب والذي يجمع عديد الحيوانات والزواحف والحشرات، فإن الصين أصبحت حسب خبراء الأوبئة مهدا لأوبئة مختلفة ظهرت بها منذ زمن بعيد، ففي بداية فيفري سنة 1957 ظهرت الإنفلونزا الآسيوية في مقاطعة “غويزهون” جنوب غرب الصين، وانتشر الوباء عبر كل مناطق البلاد وفي كل آسيا ثم في عديد البلدان، ما تسبب في وفاة ما يقارب مليون ومائة ألف مريض حسب المركز الأمريكي للوقاية والمراقبة الوبائية الوجود بأطلانطا وهو من أشهر الهيئات العالمية في هذا الميدان والذي اعتبر هذا الوباء كأخطر كارثة صحية عالمية بعد الانفلونزا الاسبانية في سنة 1918.

وخلال شهر جويلية من سنة 1968 كانت “هونغ كونغ” مسرحا لوباء أنفلونزا من نوع “ٲ” والذي أصاب نحو نصف مليون مواطن قبل انتشاره عبر كل آسيا وصولا إلى أمريكا في بداية موسم الخريف ثم أوربا واعتبره الخبراء كأول وباء للعصر الحديث او عصر التكنولوجيا نظرا لسرعة تنقله عبر القارات بواسطة السفر بالطائرات والذي تسبب في وفاة ما تعداده المليون مريض حسب “م م ٲ” باطلانطا.

وحدث سيناريو وبائي مشابه في سنة 1997 في “هونغ كونغ” بظهور أنفلونزا الطيور “أش5 أن 1” والتي انتقلت إلى جنوب شرق آسيا وتسببت في وفاة 282 شخصا ومست 468 حالة في 15 دولة وهذا بعد معاودة ظهورها خلال سنة 2003، وقررت المنظمة العالمية للصحة عدم الحديث او التصريح بحالة العدوى العالمية لان انتقال الفيروس بين الإنسان وأخيه ضعيف جدا وغير فعّال.

ومع نهاية سنة 2003 كانت الصين مع موعد آخر بظهور وباءٍ جديد جنوب البلاد انطلاقا من وعائه الطبيعي والأصلي المتمثل في الخفافيش والذي انتقل إلى الإنسان عن طريق حيوان نادر موجود في الصين وآسيا يدعى “حيوان النخيل الزباد الملثم” والذي يباع حيا في أسواق جنوب الصين لاستهلاك لحمه المفضل عندهم، وانتقل الفيروس من الخفافيش الى الانسان عن طريق الزباد الملثم، وهو فيروس فتاك وذو انتشار واسع، ما جعل المنظمة العالمية للصحة تعلن الحالة الاستعجالية العالمية يوم 12 مارس 2003 أو ما يسمى بـ”حالة الطوارئ الصحية العالمية” جراء هذا الوباء الذي يسمى “السارس” أو المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة والذي حصد أرواح 774 مريض بعد أن أصاب 8096 شخصا ومسّ نحو ثلاثين دولة وكان ثمانون من المائة من الضحايا صينين.

وفي بداية ديسمبر 2019 ظهرت أولى حالات داء الكورونا فيروس في مدينة “ووهان” عاصمة مقاطعة هوبي وسط الصين واكبر مدينة اكتظاظا، وقد اعتبر الأطباء أن مصدر هذا المرض موجود بسوق الجملة لفواكه البحر بووهان على اعتبار أنه أصاب بعض العمال بذات السوق والذي أغلقته السلطات يوم 08 جانفي 2020 بالرغم من أن الحالة الأولى كانت لمواطن لم يقترب من هذا السوق إطلاقا وكان يوم أول ديسمبر، ما أربك الخبراء الذين كانوا يعتقدون أن الفيروس تسببت فيه بعض الحيوانات المباعة في السوق مباشرة، لكن التحاليل الجينية الفيروسية لمعهد الفيروسات بيوهان أثبتت أن هناك تشابها كبيرا يصل حدود 96 من المائة بين هذا الفيروس ومثيله عند الخفاش، وفي هذا الصدد صرح البروفيسور “ارنود فونتانات” مدير فرع الصحة بمعهد باستور الفرنسي يوم الخامس من هذا الشهر أن هناك وسيطا ناقلا للفيروس من الخفاش إلى الإنسان، ما سمح بالتفكير باحتمال وجود منبع الداء بعيدا عن سوق ووهان، وقد صرحت المنظمة العالمية للصحة أن “معدل التكاثر الأساسي” للفيروس قد قدِّر بـ3.24 يوم 10 فيفري، ما يعني إن إنسانا واحدا مصابا بالداء باستطاعته أن ينقله إلى أربعة آخرين، وهذا مؤشر دال على درجة انتقال الفيروس، وهو خاضع لسلوكيات الإنسان والخصوصيات البيولوجية للفيروس ولا علاقة له بقوة انتشاره وخطورته.

وعلى كل، فإن هذا الفيروس لا يزال تحت الدراسة الجينية المقارناتية والوبائية. وفي هذا السياق يجدر بنا أن نفرِّق بين الحالة المنقولة وهو المريض الذي تلقى الفيروس من مصدره ثم نقله الى مكان أو بلد آخر وهو في حالة العدوى أو القابلية لنقل المسبب والوباء الذي يعرفه الخبراء على أنه الانتشار السريع لمرض ما بانتقاله من شخص إلى آخر في رقعة جغرافية وفي زمن ما انطلاقا من مصدره الأصلي ووصوله إلى مناطق أخرى بعيدة حسب قوة انتشاره وهشاشة الأنظمة الوقائية المعتمَدة في موطن الداء وعند المستقبلين الافتراضيين للمرض.

وللعلم، فإن الصين قد أغلقت كل منافذ تنقل المرض من خلال سفر الأشخاص، إذ منعت من الخروج نحو 30 مليون صيني ووضعتهم تحت المراقبة والحجر الطبي، وفعَّلت كل إجراءات المراقبة والوقاية وعمدت إلى تطبيق التدابير الحاجزية والقانونية وكذا الوبائية والعيادية وكذلك المتعلقة بالمحيط إلى جانب خلايا تقييم نجاعة إجراءات المراقبة والوقاية من أجل توجيه التدابير والاحتياطات رفقة بعض خبراء المنظمة العالمية للصحة الموجودين بعين المكان.

وللعلم فإن طبيب العيون “لي وانليونغ” صاحب الأربع والثلاثين سنة والذي يعدّ الأول الذي أعلن صراحة خطورة المرض، كان في خلاف حاد مع السلطات المحلية التي اتهمته بـ”التهويل”، قد توفي جراء اصابته بهذا الداء. ولتلقي العدوى لابد من الاقتراب من حامل للفيروس لمسافة تقلّ عن متر واحد ثم تتلقفه عن طريق سعاله أو عطسه، والمرور بجانب مصاب لمسافة أكثر من متر لا تطرح أي مشكل إطلاقا.

وعلى كل، فإن غالبية الدول خاصة المتطورة لها ما يكفي لاحتواء الوباء، وبالرغم من ظهور بعض الحالات المؤكدة في دول أوروبية مثل ألمانيا، وفرنسا وحتى اليابان والفيتنام والولايات المتحدة الأمريكية… فإنها تبقى حالات منقولة من مصدر الداء ويستحيل في هذه الظروف ونظرا للإمكانيات الوقائية المتوفرة أن تكون هناك عدوى في هذه الدول وغيرها، ونفس الشيء بالنسبة للجزائر التي استبعِد ظهور هذا الوباء بها إطلاقا، وإن حدث وتأكد ظهور حالات من الكورونا فيروس في بلادنا فيجب أن لا يكون ذلك سببا للتهويل والتخويف لسهولة التحكم في انتشاره، لأنه في هذه الحالة لا تعدو أن تكون إلا حالات منقولة ونكون عندها أمام امتحان لنجاعة منظومتنا الصحية التي تحتاج دائما وأبدا إلى استراتيجيات اليقظة والوقاية العالية المستوى والتي نحتاج من خلالها إلى مخبر نموذجي عالي للتحاليل الجينية الفيروسية ومعهد لليقظة والرقابة الوبائية الى جانب إنشاء معهد الايروبيولوجية، وهو علم حديث يعنى بدراسة الأمراض المنتشرة في الهواء ثم تهيئة مصالح للحجر الطبي.

وفي الأخير، فإن سلوكيات الإنسان في بيئته واحترامه حدود الله ونواهيه هي التي تحدد سلامة صحته وطيب عيشته يقول تعالى “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • الدكتورة اسيا .ش

    bonsoir c la deuxième fois que j’écrive sans voir cela sur la rubrique ; je suis épidémiologue au semep alger centre , voila je vous demande de continuer sur cette piste et prédire encore sur le covid-19 car je croix que vous disposer d'un sens appréciable d'analyse. je vous encourage docteur .mais attention essayer de vulgariser plus ceci pour les gens qui ne sont pas initiés à la science .

  • الدكتورة اسيا .ش

    Effectivement ce que vous venez de développer dans votre article est logique et intelligent même car étant épidémiologiste je peux vous dire que vous avez évoquer les deux solutions qui puissent surgir en Algérie et il n'y a pas une troisième mais j'ai aimé voir votre analyse sur l’évolution de cette épidemie à l'echelle mondiale dans les prochains jours , c'est juste une curiosité personnelle , que sais-je peut être que vous avez un grand sens d'analyse et de prédiction et de prévision .DR Assia semep alger centre .

  • د.ام سيف

    شكرا دكتور علي هاته المعلومات القيمه مقال في المقام مزيدا من التفوق و مزيدا من بحوثك العلميه التي تنور عقولنا ككل مرة .نتمنى أن نراك في أعلى المناصب سيدي حتي يتسنى لك اصلاح ما أمكن في منضومتنا الصحيه التي انتقدتها و قارنتها بالسياسات و المنضومات الصحيه المنتهجه عالميا .سلام

  • دكتوره ابن عبد الله

    UN ARTICLE HYPER INTERSSANT ET SURTOUT TRES RASSURANT VOICI LES ELITES DE L'ALGERIE UN MEDECIN GENRALISTE COMME DOCTEUR CHIDAKH QUI NE FAIT QUE APPROFINDIR NOS CONNAISSANCES A CHAQUE FOIS MALHEUREUSEMENT UN MEDECIN CHERCHEUR PAREIL DE TERRAIN ET CERTAINEMENT COMME TOUS LES SAVANTS DE L'ALGERIE QUI SE SONT EXILES EN ETRANGER OU VIVANT OUBLIES DANS L'ALGERIE PROFONDE ;J'AI EU LA CHANCE DE LIRE SES ARTICLES NORMALEMENT SA PLACE ET BIEN DANS UN HAUT CONSEIL SCIENTIFIQUE POUR RESTRUCTURER NOTRE SYSTEME DE SANTE DEFAILLANT

  • باحث عن الحقيقة

    شكرا يا دكتور، هذه المقالات هي التي ترفع المستوى المعرفي لدى المواطن و ليس مقالات من نوع" أثبتت دراسة في بريطانيا أن...." عندما تبحث عن الدراسة لا تجد لها اثر. اسألوا اهل الذكر .

  • ام مرام

    شكرا دكتور و ربي يجعل كلامك صواب و يعطيك العافية طمنتنا.

  • omar .t

    bonsoir docteur si vraiment l ALgerie serais saine et non touché par cette maladie je te tire chapeau et tu sera le plus grand stratège et analyste de l algerie .

  • Layan kam

    Article interessant de votre part monsieur
    On vous remercie
    Bonne continuation

  • فؤاد جراد

    بارك الله فيك دكتور و احيك على الشجاعة العلمية و الثقة في شخصك لانك ابن الجزائر التي اغتصبت فيها كل الطاقات و اليوم نحن بدانا نرى بصيص الامل .

  • اعلي بوقادوم

    بارك الله فيك دكتور محمد و دعائي ان لا يكون هذا المرض في الجزائر الحبيبة و الحمد لله الدي اوجد في بلادنا من يطماننا بهدا التحليل الطيب لاننا اعتدنا ان نتلقى التحاليل من هذا النوع و المستوى من وراء البحار نفع الله بك البلاد و العباد دكتور و الى المزيد. الاستاذ اعلي