-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لوبيّات المال تتربّص بالمرضى!

لوبيّات المال تتربّص بالمرضى!
ح.م

يثير مشروع قانون الصحّة المعروض للنقاش أمام نواب الشعب مخاوف كبيرة لدى الشركاء، لكن يبدو أنّ الاضطرابات التي تهزّ القطاع منذ شهور وبعض السجالات الدينية ذات الصلة بموادّ القانون، قد طغت على خطورة المضمون فيما يتعلق بالتوجّه الواضح لدى الحكومة نحو خوصصة الخدمة الصحيّة في الجزائر بشكل تدريجي!
بل إنّ الدكتور إلياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، يعتبر فتح المجال للخواص للاستثمار في ظلّ المشروع الحالي يمثل تهديدا مباشرا وصريحا للهيكل الصحي العمومي، ما يطرح على المدى المتوسط، كثيرا من العقبات أمام المواطن من أجل الظفر بالخدمات الصحية، لاسيما تلك المتخصصة كالأشعة والتحاليل والعمليات الجراحية، حيث سيكون مضطرّا لدفع المقابل!
صحيح أن المستشفيات الجزائرية، على غرار باقي المؤسسات العموميّة، تعيش وضعًا كارثيّا، وأنّ استمرارها على حالتها القائمة غير مقبول، حيث تستنزف ملايير الدولارات دون تحسّن لافت يستجيب لتطلعات الجزائريين، لكنّ تردّي الخدمة العموميّة لا يبرّر إطلاقًا المراهنة بمصير المرضى وتقديمهم لقمة سائغة للوبيّات المال، إذ تتحوّل صحّة المواطن إلى فرصة ذهبية لامتصاص دم الفقراء والطبقات الهشّة في المجتمع.
وفي ظلّ هذا الواقع المتناقض بين سوء الخدمة العمومية والتوجّس من الانفتاح على القطاع الخاصّ، لا شكّ أنّ العقلاء يتساءلون عن المخرج السليم لتوفير وضمان حق المواطن في الصحّة؟
هذه المعادلة المفقودة هي المدخل الشيْطاني للوبيّات المال في الجزائر منذ مطلع التسعينات، حيث كوّنت في غالبها ثروات مشبوهة من البنوك العموميّة وعبر شركات “استيراد-استيراد” ومقاولات السجلاّت والمحافظ والأختام، كغطاء لاغتراف المال العامّ، تحت مسميات حرية التجارة الخارجية ودعم الاستثمار وتشجيع المؤسسة الوطنيّة، لكن النتيجة في خلق القيمة المضافة أصفار على الشمال، وتداعيات الأزمة النفطية خير دليل على حقيقة النهب الذي طال مقدّرات الدولة ومدّخرات الشعب، وقد جاء الدور على المرضى!
حينما تكون الدولة في طور من الضعف والهشاشة ضمن مراحل الانتقال والضغوط المختلفة، فضلا عن الصراع السياسي حول السلطة، يصبح من المغامرة بمكان مُباشرة الإصلاحات والانفتاح على المتعاملين الخواصّ والأجانب، مع أنها مرحلة إجباريّة تفرضها التحولات الاقتصاديّة والاجتماعية الوطنيّة منها والكونيّة.
ما عاشته الجزائر مع تجربة الخوصصة الفاشلة في المجال الصناعي وبيع الأملاك العامّة بالدينار الرمزي، لم يُكسِب الدولة رهان الانتقال الآمن إلى اقتصاد السوق، بل نقل النشاط الاقتصادي من التسيير العمومي إلى الاحتكار الخاصّ الذي يتجرّع مرارته المواطن اليوم مع حملة “خليها تصدّي”، فهل تعتبر سلطة القرار من الإخفاقات والأخطاء السابقة؟ أم أنّها لم تعد قادرة على مواجهة لوبيات المال التي تدفع في كل المستويات والقطاعات لبلْع كل شيء في البلد قبل الانقضاض بسهولة على هرم الحكم، بعد أنْ تبسط يدها على كل مفاصل الحياة العامّة؟!
على نواب الحكومة وأعضاء البرلمان أن يشدّدوا في تثبيت الضمانات القانونية القويّة لحماية المنظومة الصحيّة وتكريسها لخدمة المواطنين، بدل تحويلها إلى بقرة حلوب جديدة لصالح بارونات المال، حتى يبقى دور الدولة فاعلا ورئيسًا في تحقيق العدالة الاجتماعيّة، لأنه من غير الأخلاقي أن تتوجّه السلطة التنفيذية في مثل هذه الظروف الصعبة، التي يكابد فيها الجزائريون لتحصيل لقمة العيش، نحو حرمانه من العلاج والتضحية بصحته أو رمْيه فريسةً جاهزة لأرباب المال!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبد الله

    أكذوبة العصر أو الطب المجاني.على المريض أن يختار أن يموت غمتا أو حصرتا.