-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ليتها كانت خلافات جوهرية

ليتها كانت خلافات جوهرية

تمنيتُ بحق لو كانت الخلافات التي حدثت بين البرلمانيين ورئيسهم جوهرية! تمنيت بحق لو كانت هذه الخلافات حول مستقبل النظام السياسي الجزائري أو مستقبل استراتيجية التنمية أو حول التوازنات المالية الكبرى أو الميزانيات القطاعية أو طبيعة نظام الحكم وكيفية تنظيم الانتخابات، أو حول التهديدات الأمنية الكبرى حول حدودنا وكيفية مواجهتها والصعوبات التي نعرفها في هذا المجال. تمنيتُ لو أن الخلافات التي حدثت بين البرلمانيين ورئيسهم كانت حول مشكلة الثقافة والهوية والوحدة الوطنية أو التوزيع العادل للثروة عبر جهات الوطن، أو قانون المحروقات، أو سياسات التربية الوطنية والتعليم العالي أو الشباب والرياضة أو المرأة أو الفلاحة أو الصناعة أو الصحة، فما بالك لو كانت خلافات حول طبيعة قطاع العدالة والسير الحسن للمؤسسات… تمنيتُ لو يجرِي سحب الثقة من رئيس البرلمان أو غيره لأحد هذه الأسباب الجوهرية، وأن المعركة كانت بحق حول موضوع يكون في مستوى هذه المؤسسة الرئيسة بين مؤسسات البلاد.
تمنيتُ لو كانت هذه الخلافات جوهرية وليحدث ما يحدث بعدها… ولعلني لأول مرة أجد نفسي أسعد لو كانت الخلافات جوهرية وليست ثانوية لأنها ستُبيِّن لي حجم المسؤولية التي تتحملها هذه المؤسسات، وطينة النساء والرجال الذين منهم تتكوَّن.. أما وأنها دون مستوى الحد الأدنى من الأهمية فذاك ما أقلقني حقا وما جعلني أشك في قيمة الرجال والنساء الذين هم أمامي، وما جعل مساحة الأمل تضيق أمام ناظري.
وكيف لا يقلقني أن تغيب المسائل الجوهرية من أجندة البرلمان؟ وأن يتم النزول بالنقاش إلى حد السب والشتائم وغلق الأبواب بالسلاسل والأغلال، وأن يُصبح شخصٌ واحد كان الأمس القريب الأب والعم والمجاهد والثقة والهادئ والعاقل… يُصبح هكذا فجأة حاملا لعكس كل هذه الصفات؟ كيف لا يقلقني أن يتم تشويه مؤسسة دستورية بمثل هذه الممارسات، وكيف تتم زعزعتها بهذا الشكل مهما كانت المبررات والأسباب ومهما حاولنا إيجاد تخريج سياسي لما حدث…
يبدو لي أننا في حاجة إلى دق ناقوس الخطر تجاه مثل هذه الممارسات وتداعياتها. بل علينا إدانة كل من ساهم من قريب أو بعيد في مثل هذا الأمر حتى ولو ادَّعى ممارسة السياسة، فنحن بالكاد نزعم أنّ لدينا برلماناً حتى نزيد من تشويهه، ونحن بالكاد نزعم أن لدينا مؤسسات حتى نقبل بمن يتلاعب بها.
إن أوضاعنا المؤسساتية ليست من الصلابة بما يجعل منها قادرة على تحمل الهزات والتلاعبات، وعلى كل من يقف خلف ذلك أن يعلم أننا في مرحلة نحتاج فيها إلى طرح المسائل الجوهرية التي تهم مستقبل الوطن وما أكثرها، لا مثل هذه المسائل التي تزيد الناس ازدراءً لرموز دولتها، وتقوّضُ ما بقي لديها من أمل في أننا قد نسير ذات يوم قريب باتجاه تعزيز أركان هذه الدولة ووحدة هذا الوطن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • نورالدين

    هؤلاء نوائب وليسوا نوابا

  • ابن الشهيد

    يوم يكون لنا استقلال فعلي ومؤسسات لاتزول بزوال الرجال ورجال مثل الرجال الدين ماتوا على هدا الوطن رحمهم الله " خدعوها بقولهم حسناء"ما يستهلوش يموتوا عليهم" هده الجوه الخائبة