-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بعد انهيار الإمبراطورية الأمريكية؟

صالح عوض
  • 2189
  • 8
ماذا بعد انهيار الإمبراطورية الأمريكية؟
ح.م

أمريكا هي روما الماضي هذا العصر وما جرى على الإمبراطورية الرومانية من عوامل السقوط يسير بالولايات المتحدة الأمريكية تماما.. فلقد كانت إمبراطورية روما أعظم دولة من حيث الاتساع في التاريخ ومن حيث سعة ثرواتها وسيطرتها على أوروبا وعلى المشرق العربي وشمال إفريقيا إلا أنها انهارت في خاتمة الأمر.

المؤرخ الشهير “إدوارد جيبون” وهو مؤرخ إنجليزي، صاحب كتاب (اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها) الذي يعدّ من أهم وأعظم المراجع في موضوعه، ولقد عزا انهيار الدولة الرومانية إلى: “تبلُد الشعور بـ”الصالح العام” لدى المواطنين، فضلا عن أن الحكومة كانت مرهقة من خوض حروب عديدة في الخارج، وبات القادة الرومان يظنون أنه لا حدود لقدرتهم على توسيع نطاق سُلطتهم”.

المتابعون للشأن الثقافي الأمريكي يؤكدون ان كتاب جيبون ونظرته ظلت تشغل العقل الأمريكي والساسة الأمريكان فترة طويلة من الزمن يستأنسون بكثير من آراء المؤرخ الكبير في حركة الإمبراطورية وظل التاريخ الروماني يمتلك حظوة المرجعية لطبقة واسعة من المثقفين الأمريكان في تفسير حركة الحضارات.

وقال الكاتب الأمريكي  استيقن كنزر في مقال له في بوسطن جلوب حول احتمالات سقوط الإمبراطورية الأمريكية: إنه عندما أثير نقاشٌ، في الولايات المتحدة عام 1898 حول ما إذا كان يتعين على أمريكا السير على نفس منوال الإمبراطورية الرومانية في التوسع على الصعيد الجغرافي من عدمه، (عندما أثير ذلك النقاش) كان طرفاه يضربان أمثلة بأحداث التاريخ الروماني.

لكن الغريب أن الإدارة الأمريكية الآن تبتعد عن الاستشهاد بحركة الإمبراطورية الرومانية وبعيدا عن الاستشهاد بمقولات جيبون عن أسباب سقوط الإمبراطورية الرومانية.. وتنأى بنفسها عن الاستفادة من فهم تجربة الإمبراطورية الرومانية.. في إحساس خفي بخطورة القادم من الأيام.

أمريكا تسير على خطى روما.. وتقع في أخطائها الإستراتيجية نفسها بدءا من حركتها على الصعيد العالمي وانتهاء بما تسرب في أذهان الجمهور من أفكار ومشاعر، فعلى الصعيد الخارجي بدلاً من أن تعمل على التوافق – تصرّ على فرْض بالقوة واقع جيوسياسي حول العالم، وهو نفس الطموح الذي قاد إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية.. انه طموح مستبد بالمؤسسة الأمريكية منذ انبعاثها، حيث كان التسيد على العالم هو الهدف الذي جندت له أمريكا جيوشها وأجهزتها جميعا.. ولكنها تنتهي إلى ما انتهت إليه الإمبراطورية الرومانية من ثقافة ومزاج هما نتاج الإحساس بقرب الانهيار ومركب من الخوف والدعاية المفتعلة دفاعا نفسيا عن إمبراطورية تنفق أكثر مما تكسب وتستعدي الكون ضدها وأصبح انهيارها مصلحة كونية يتربص بها الآخرون كل الفرص بعد أن أثبتت أن لا تحالفات ولا صداقات ولا مبادئ إنما هي الخيانة والغطرسة المستمرتين.

 وقد أشار الكاتب الأمريكي:  إن الرومان كانوا يصِمون كل مَن يقاوم الطموح الروماني بـ”البرابرة”، تماما كما يصم الأمريكيون اليوم مَن يقاوم طموحهم بـ”الإرهابيين” أو “أنصار التطرف الإسلامي العنيف” أو أي وصْفٍ ينحته أرباب الدعاية من شأنه بثّ الخوف في النفوس.

ونبه صاحب المقال إلى أن روما لم تكن آخر الإمبراطوريات الساقطة؛ ذلك أن إمبراطوريات أخرى قادها الطموح الزائد إلى نفس المصير، كالإمبراطورية الروسية والعثمانية والنمساوية -المجرية إبان الحرب العالمية الأولى، ولم تكد تمضي 30 عاما حتى أفل نجم الإمبراطورية البريطانية التي كانت ذات يوم لا تُقهَر.

وكما هو شأن الأمريكان اليوم في استبعادهم انهيار إمبراطوريتهم كان أهل الإمبراطورية الرومانية يستبعدون تماما زوالها وخروجها من حياة الناس تماما.. يتحرك الأمريكان اليوم في شتى المجالات ولسان حالهم يقول إنهم شعب الله المختار وأنهم سادة العالم وحكامه وأنهم لن يعطوا فرصة لأحد ان يتطاول على مقامهم الأول وأنهم يملكون الجنة والنار على هذه الأرض لا يعيرون اهتماما لمشاعر الشعوب وكرامتها فيشنون حملات عقابهم ضد الصديق والخصم وضد الكبير والصغير بعنجهية قلّ نظيرها.

ولاحظ الكاتب الأمريكي كنزر نتائج ذلك فقال: “إن فرْض نفوذ أجنبي في مناطق بعيدة عادة ما يستلزم القهر وهذا بدوره يدفع إلى التمرد والثورة، وهي حقيقة بسيطة رفض قادة الرومان الإقرار بها فسقطت دولتهم؛ أو ربما قادتهم كثرة الانتصارات إلى الاعتقاد أن بإمكانهم فرْض سيادتهم رغم أية حقيقة.. واليوم نفس سوء التقدير الذي قتل روما يرسم النهج الأمريكي إزاء العالم”.

وخلص الكاتب إلى أن “التاريخ الروماني يعلمنا أنه حتى أعظم الإمبراطوريات قوةً لا يمكنها البقاء إلى ما لا نهاية إذا هي أصرت على شنّ حرب بلا نهاية في أراضٍ بعيدة”.

ولعل هذه إحدى مسببات الانهيار القادم فلقد أصبحت أمريكا اليوم في حالة اشتباك مع كل دول العالم في أوربا وفي آسيا وأمريكا اللاتينية.. مع روسيا والصين والعرب.. حرب بالسلاح او بالمال او بالإعلام.. وكل هذا يدفع بالإدارة الأمريكية إلى الإنفاق المضاعف الى درجة حدوث هزات عنيفة مرة تلو الأخرى في جدار الاقتصاد الأمريكي.

من المهم ملاحظته ان انهيار الإمبراطورية الرومانية كان ممهدا طبيعيا لميلاد قوى عالمية ذات حظوة كبيرة.. انهارت الإمبراطورية الرومانية التي عملت على انهيار كل القوى المتزامنة معها لتكون بذلك الممهد لميلاد انتشار الإسلام وعالميته الأولى.

في التاريخ وحركته قوانين صارمة.. فروما التي سيطرت في كل مكان وتوسع نفوذها وعطلت حركة الشعوب وثوراتها كانت بشكل آو آخر تعمل على تهيئة الناس للانعتاق نحو الخلاص فكان الإسلام محظوظا تماما في خطوة تاريخية إستراتيجية ممهدة له فكان الانتصار العظيم.

تقوم أمريكا الآن بتحطيم النماذج المتزامنة.. وهنا لابد ان نوضح ان كل النماذج الأخرى التي تسعى أمريكا للهيمنة عليها وتحطيم تفردها إنما هي في نفس الوعاء الحضاري الغربي الأمريكي وهي لا تمثل نقيضا حضاريا معها وكما هو واضح انها جميعا مرتبطة بالاقتصاد الأمريكي وخاضعة لهيمنته.

من هنا يمكننا التنبؤ بسقوطها جميعا في ظل انهيار الاقتصاد الأمريكي والهيمنة الأمريكية.. وهنا يأتي دور النقيض الحضاري المختلف تماما في المنطلقات والمقاصد عن الحضارة الأمريكية انه النموذج الإسلامي المكتنز قوة روحية لم تنهزم رغم وقوعها في مطبات كثيرة..

سيكون المناخ مهيأ تماما لنهوض الأمة بمجرد حدوث الانهيارات الطبيعية في الإمبراطورية الأمريكية ولن يكون سوى أمتنا مرشحا للنهوض والانبعاث بعد ان ينزاح عن صدرها ثقل الضغط الأمريكي..

العملية تبدو صيرورة وقدرا من جهة ولكنها أيضا تحتاج انتباها لكي لا تدفع الأمة تضحيات أكثر من اللازم في ربع الساعة الأخير.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.

أمريكا تسير على خطى روما.. وتقع في أخطائها الإستراتيجية نفسها بدءا من حركتها على الصعيد العالمي وانتهاء بما تسرب في أذهان الجمهور من أفكار ومشاعر، فعلى الصعيد الخارجي بدلاً من أن تعمل على التوافق- تصرّ على فرْض بالقوة واقع جيوسياسي حول العالم، وهو نفس الطموح الذي قاد إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • محمد البجاوي

    عندما تنهار أمريكا يكون العالم بأسره قد قامت قيامته يا أستاذعوض .

  • ساسي

    مادام علماء السلفية الوهابية السعودية -السديس امام الحرمين يمدحها ويمجد ترامب واسرائيل -يمجدون امريكا ويباركون خطواتها الارهابية الاجرامية بالمشرق العربي وتاييدهم للكيان الصهيوني المحتل لارض الاسراء والمعراج ومادام ملوك الخليج يمولون حملاتهم الصليبية والصهيونية ضد العرب والمسلمين -ال سعود قدموا لترامب رئيس امريكا 440 مليار دولار هدية وكما قدموا من قبل 30 نليار دولار من اموال المسلمين عندما ضرب امريكا اعصار كاترينا -فان امريكا منتصرة دائما وابدا ولن تزول

  • مهدي

    ترامب يسير بامريكة للخراب لكن ليضهر ذلك للعيان يلزم زمن طويل ويمكن تسريعه بخصوم التي تخلقهم سياسة امريكا حاليا اما عن قيام دولة اسلامية الامر ليس مستحيل لكن في غياب من يحمل تلك راية وارادة شعبية فذلك مستحيل بل راجح واقرب لمنطق وهو قيام احد القوى الموازية روسيا صين ونحن لن نكون سوى تابيعن لهم

  • احمد

    احلم مليح

  • عبد الرزاق

    صعود الدول وسقوطها سنة كونية لا جدال فيها. لكن القول بسقوط أمريكا في المدى القريب هو سفططة وتخريف.
    إنها دولة مؤسسات، دولة الحكم فيها للقانون وليس الحكم فيها بالقانون.
    دولة تمتلك أكبر و أفضل الجامعات في العالم.
    دولة تمتلك أكبر إقتصاد في العالم وهو في نمو مستمر.

  • العلم نور

    هي سنة كونية دورة حياة الأمم, والعدل هو من يطيل عمر الأمة والظلم هو من يقصر حياتها , الدين طريقة حياة يمنحك فهما لكيفية التعامل مع المتحرك والساكن الحي الجماد وشكرا

  • الحوت

    قوة أمريكا الحقيقية مبنية على سياسة (فرق تسد) و هي تطبّقها على كل دول العالم و ليس فقط على العالم العربي البائس. و لقد أشار إلى ذلك كثير من الكتاب و المفكرين الكبار.
    فلو اتّحدت أوربا مع روسيا مثلاً (بحكم التقارب الجغرافي بينهما) فلن تقف أماهم أمريكا لا اقتصاديا و لا حتى عسكرياً !
    و لو اتحدت اليابان مع الصين لحدث نفس الشيء. و الأمر نفسه (بأقل درجة) لو اتّحدث الكوريتان.
    لكن عقلية الدسائس اليهودية تتمكن إلى حد الآن من الفصل بين الاخوة لصالح الهيمنة الأامريكية.

  • جزائري

    امريكا لن تنهار ما دام العالم العربي ينجب امراء ولا ينجب رجالا