-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماكرون يراجع جرائم الاستعمار بمنطق قانون الانديجينا

حبيب راشدين
  • 1294
  • 3
ماكرون يراجع جرائم الاستعمار بمنطق قانون الانديجينا
ح.م

احتاجت الذاكرة الاستعمارية الفرنسية إلى 61 سنة لتعترف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن اغتيال موريس أودان تحت التعذيب ما بين 11 جوان 1957 تاريخ اعتقاله، و4 جويلية تاريخ تقديم السيدة جوزيت أودان لشكوى قيدت ضد مجهول، مع أن المسئول الأول عن اعتقاله وتعذيبه، الجنرال أوساريس، كان قد اعترف في 16 ماي 2001 بمسؤوليته في أعطاء الأمر بالاغتيال، وقد سبقه بيير فيدال ناكي في تحقيق صدر في ماي نسف الرواية الرسمية وأثبت الاغتيال تحت الـتعذيب.

ومع هذه الاعترافات المتتالية، لم تنجح السيد جوزيت في إقناع القضاء الفرنسي الذي أحبط أكثر من دعوى، كان آخرها في جويلية 2002 رُفعت استنادا إلى اعترافات أوساريس، ليغلق باب المتابعة القضائية، وتتحول الأنظار نحو السلطة السياسية، ابتداء مع ساركوزي ثم فرانسوا هولاند الذي سمح له بخطوة محتشمة توقفت به للحظة أمام تذكار موريس أودان بالساحة التي تخلد اسمه.

وأخيرا جاء الدور على ماكرون لينجز خطوة أكثر جرأة  بالاعتراف للأرملة باغتيال زوجها تحت التعذيب، وإثبات مسؤولية الدولة الفرنسية، سبقه تمهيدٌ بتصريح للنائب سيدريك فيلاني، المقرب من ماكرون، صدر في يناير الماضي قال إنه وبعد الحديث مع الرئيس يمكن له أن يصرح أن “موريس أودان قد أعدم من قِبل الجيش الفرنسي”.

القصة كما نرى ليس لها أدنى صلة بتغيير يكون قد حصل في مواقف المؤسسات الفرنسية من جرائم الاستعمار الفرنسي ضد الشعب الجزائري، بل أخرجت للناس كحادث مأساوي لمواطن فرنسي، ابن دركي خدم المنظومة الاستعمارية بتونس، واحتاجت الدولة الفرنسية معه إلى ستة عقود لتعترف بمسؤوليتها مع علمها باستحالة تقديم الجناة للمحاكمة وقد شملهم العفو الرئاسي الذي أصدره ديغول في 18 مارس 1962.

خطوة ماكرون من وجهة نظر الجزائريين هي “لا حدث” ولا تضيف شيئا لملفات الذاكرة العالقة بين الدولتين، لأن الجزائريين لا يحتاجون إلى اعتراف أو إلى اثبات لجرائم هي منقوشة في جلد الألوف منهم، مستقرة في ذاكرتهم الجماعية، ثم إن الخطوة تكاد تكون وجها آخر من النكران للجرائم الاستعمارية التي لم تبدأ في نوفمبر 1954 كما لم تنته في 19 مارس 1962، بل بدأت في 14 جوان 1830 تاريخ الإنزال الاستعماري، وتوقف أخطرها في عين إيكر بتنفيذ آخر تفجير نووي بالصحراء الكبرى من ضمن 13 تجربة، 4 منها كانت فوق سطح الأرض، وخلفت إشعاعات قاتلة ستدوم آلاف السنين، ما يعني أن آثار هذه الجرائم لم تنته بعد.

وفي كل الأحوال، ليست الجزائر بحاجة إلى الاعتراف الرسمي بجرائم الاستعمار، لأن مجرد المطالبة بالاعتراف الرسمي بهذه الجرائم يضمر حالة من الاستسلام والتسليم بـ “شرعية” الاستعمار الذي هو “أم” الجرائم كلها، ويكفينا أن يصدر عن البرلمان الفرنسي قانونٌ يلغي قانون فبراير 2003 الممجّد للاستعمار ويدين الاستعمارَ كـ”جريمة ضد الإنسانية”.

 وحيث أنه “ما حك جلدك مثل ظفرك” علينا أن نثبت في قانون محصن من النسخ والتعديل “أن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم” ثم نؤسس لعلاقات مع دولة المستعمِر القديم، تتحسن وتنمو بمقدار ما يصدر عن المؤسسات الفرنسية الرسمية من تطهير طوعي للذاكرة، بتوالي الاعترافات وفق قدرة كل جيل على مواجهة جرائم الآباء.

وإذا علمنا أن الاعتراف بمسؤولية الدولة الاستعمارية بجريمة ضد مواطن فرنسي احتاجت إلى ستة عقود، فكم تحتاج فرنسا الرسمية والشعبية من قرون حتى تعترف بمسؤولياتها في ارتكاب “أم” الجرائم وما تولد عنها من جرائم هي اليوم مصنفة في القانون الدولي جرائمَ ضد الانسانية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • BAMOUR

    بلد إعترف بتعذيب و إعدام مواطنه سنة 1957 ، إني أرى ما يراه كاتب المقال .. كلها مناورات رئيس دولة إستعمارية ــ منطقه في ذلك منطق كل مصرفي يريد الإستثمار كما إستثمر في أول زيارة له للجزائر بوعوده التي لا نريدها ....تولانا الله برحمته

  • الدكتور محمد مراح- الجزائر

    أستاذي الكريم حبيب لا فُضّ فوك، و المسألة وما فيها أنها أإحد تكتيكات الثعلب ماركون لاستدراك ما فات دولته من مغانم فوتها غباء وحقد سابقيه خصوصا أثناء أزمة التسعينيات ، ضاعت منهم شجرة زقوم (البترول )الرأسمالية الجشعة ؛ إذ استولت على استثماراتها شركات الشيطان الأكبر وأمكر ذريته . ومن جهة أخرى عظم مسموم لجيل الشباب الذي يعاني من الأوضاع غير المستقرة اقتصاديا واجتماعيا ونسبيا سياسيا ؛ لاستمالته، وضمان استمرار الولاء ولو بمقدار ، والتمهيد لمزيد تمكن من ثروات البلد مستقبلا؛ على ضوء ما تعانيه فرنسا الآن من أزمات اقتصادية خانقة .

  • سعيد

    لا انديجينا لا مكارونا
    الفرنسيين يعتبروننا بشر درجة ثانية وادنى رتبة منهم ومع كبر في صدورهم هذا مصداقا لقول الله : إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58)