-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما بعد الربيع!

ما بعد الربيع!
الشروق

عاش الجزائريون عيدا من دون “السعيد”، ومع ذلك لم يتذوّقوا السعادة التي مازالت غائبة، وبدا العيد صورة طبق الأصل لأعياد عاشوها خلال ثلاثة عقود أو أكثر، منذ أن أفرِغت الأعياد الدينية مثل الأعياد الوطنية من لبّها الحقيقي، وصارت مجرد عطل مدفوعة الأجر، البعض يقضيها في النوم والراحة الجسدية والنفسية في انتظار أعياد أسعد وأكثر بركة.

لقد تيقن كلّ الجزائريون من أن انهيار إمبراطورية الفساد بالكامل ومغادرة ملوكها وأمرائها وجنودها وخَدَمها ومن كان طائعا في بلاطها، في ظرف وجيز، وربما في عقد من الزمن، من المستحيلات، لأنها تشعّبت ومازالت إلى حد الآن تفرّخ حتى في قلب الحراك وفي شوارع المسيرات، ووجب الآن تغيير الخطاب والاستراتيجية، لأن عملية هدم البناء الذي لم يكن أبدا مرصوصا، التي باشرها الشعب، قد تأخذ سنوات وربما عقودا من الزمن، ومن غير المعقول أن تبقى البلاد طوال هذه المدة من دون بناء ومن دون خارطة طريق لمرحلة ما بعد العصابة، لأن التوقف في عمر الأمم لبضع ساعات، هو عودة إلى الخلف، فما بالك أن يمتد هذا التوقف لأشهر وربما سنوات.

لا يمكن لأسرة أن تعيش من دون وليّ وتبقى طوال أشهر تنتظر من يقود أفراد العائلة وخاصة صغارها، والشعب الذي لا يمتلك سلطة تنظم حياته، سيدخل في الفوضى مهما كان تحضره ووعيه، وقد بدأت الأنّات تُشهق من أماكن عديدة، وبدأ الخوف يسري في قلوب الطلبة والشباب عموما، خوفا من أن تتأجل أحلامهم وتتجمد، وربما تُنسف إذا طال زمن الحراك أو سار إلى غير مبتغاه بفعل المتربصين بأحلام الشباب أو الذين غيّروا جلدتهم وتحوّلوا من النظام إلى الشارع وما أكثرهم، بحثا عن عودة بصورة أخرى وربما برضا الشعب.

ما يميّز الفترة الحالية، هو ارتداء الكثير من مساعدي العصابة، للأقنعة التي تخفي وجوههم الحقيقية، وتضعهم بديلا لأنفسهم، فهم يمتلكون الخبرة الكاملة للتكيّف مع كل الأوضاع، ولهم القدرة على تشويه كل إنسان يقدّمه الحراك كبديل للنظام السابق، حتى يبقى الحراك يضيّع مزيدا من الوقت، ويجد المُقنّعون فرصتهم لاسترجاع السلطة، إن كانت السلطة أصلا قد ضاعت منهم.

لقد مرّ الحراك بكل الفصول والأعياد، بعد أن اقتلع إعصاره الكثير من جذور الفساد، وحان وقت البذر ومنح الثقة الكاملة لجيل جديد من المسئولين الأكفاء أولا، والنزهاء ثانيا، بعيدا أن أخطاء مرحلة ما بعد الاستقلال، وضخّ أطنان من الصبر في نفوس أفراد الشعب، لأن دخول الجنة لا يكون مباشرة بعد الخروج من السعير، ولم يحدث أن جنى فلاح ثماره مباشرة بعد البذر، وقد يطول زمن بداية الحصاد، لأن القضية ليست كما يتصوّرها البعض، أموال موضوعة في خزنة حديدية يتم الاستيلاء عليها وتوزيعها على الناس، وإنما، هو تسلم الخزنة فارغة وملؤها على مدار سنوات من الاجتهاد والعمل والصبر بالأموال، لأجل توزيعها على من يستحقها وساهم في نموّها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!