-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما لم يُقَل في صراع حماس- فتح

صالح عوض
  • 857
  • 1
ما لم يُقَل في صراع حماس- فتح
ح.م

نجد أنفسنا مضطرين إلى تعديد أدوات التحليل والتفسير لاستحالة المصالحة بين حركة فتح وحركة حماس الفلسطينيتين.. فلم تعد السياسة والإيدولوجيا كافية لتفسير الاختلاف فلعل التاريخ وعلم النفس الاجتماعي يسهمان في الكشف عن بعض أسرار الخلاف الأبدي بين الفصيلين.

إن التحليل النفسي الاجتماعي لكل منهما يوصلنا إلى نتائج صادمة تفيد أن لا أمل في تصالح الحركتين، ويكفي استحضار بعض المواقف والوقائع قبل أن نذهب إلى التحليل النفسي الاجتماعي.. وهنا تصبح إضاءات التاريخ ضرورية.. فلقد انطلقت حركة فتح بمجموعة من شباب الإخوان في قطاع غزة اختلفوا مع جماعتهم فرفضتهم الجماعة بعد أن قدّموا لها ورقة عمل في منتصف الخمسينات تؤكد على خيار المقاومة المسلحة.. وتطورت حركة فتح فكريا وسياسيا في هذا الاتجاه ونضجت لديها الفكرة الوطنية التي وجدت رواجا لها في تلك الفترة لاسيما بعد انتصار الثورة الجزائرية، حيث كانت ملهِما كبيرا لحركة فتح كما كانت سندا استراتيجيا لها.. هذا في حين تعمقت حركة الإخوان المسلمين الفلسطينية في أفكارها الخاصة وأولوياتها الخاصة لاسيما في ظل قمع النظام المصري لحركة الإخوان المصرية والفلسطينية تبعا لها.. وشيئا فشيئا أصبح الفراق السياسي والفكري بين الحركتين كبيرا لاسيما بعد أن أسقطت حركة فتح أي شرط فكري أو إيديولوجي للانتماء إليها مما عزز فيها خيارات إيديولوجية وسياسية حسب تنامي الحركة وتوسعها والجغرافيا المتيسِّرة.

خاضت حركة فتح معاركها والتي يمكن جعلها على محورين؛ المحور الأول: محاربة الكيان الصهيوني من خلال عمليات عسكرية ودوريات قتالية تجتاز الحدود للاشتباك مع قوات العدو الصهيوني وكان لفعلها المبادر الأثر المباشر على جملة القوى الأيديولوجية اليسارية والقومية وأخيرا الإسلامية بشأن موضوعية القتال ضد الكيان الصهيوني.. والمحور الثاني مواجهة النظام العربي المتسلط على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومصادمته لانتزاع الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا وعدم السماح للنظام العربي بالتدخل في الشأن الفلسطيني، وعلى هذا المحور اشتبكت فتح مع معظم النظام العربي فبداية اشتبكت مع الملك حسين وجمال عبد الناصر حول مبادرة روجرز في 1968 وتلا ذلك اصطدامٌ حاد وعنيف في الأردن في أيلول 1970 انتهى بمجازر للفلسطينيين وإخراج قواتهم عنوة من الحدود مع فلسطين بإرادة غربية ورسمية عربية وإسرائيلية.. خرج الفلسطينيون بقيادة فتح من الأردن مزودين بانفصال معنوي عن الأردن وعن النظام العربي فاندفعوا إلى لبنان لتقوية جبهتهم بالمساهمة في تشكيل قوى سياسية وطنية لبنانية تكون ظهيرا للمقاومة الفلسطينية.. لم يكن غائبا عن الفتحاويين الذين لم يكونوا في ود مع البعثيين والنظام السوري يوما ما أنهم يلعبون في ملعب النظام السوري الذي لا يعترف بلبنان دولة ولم يعيِّن له سفيرا فيها.. هنا حاول الفتحاويون بناء قاعدة نضالية مستقلة لهم عن النظام العربي يتحركون في تحالفاتهم وصداقاتهم بعيدا عن تأثير النظام السوري وسواه.. فجاءت حرب السنتين 1975-1976 وتدخل سورية في الشأن اللبناني لتكون واحدة من أصعب المراحل التي واجهتها حركة فتح التي أصبحت مشتتة بين حماية وجودها وقرارها من جهة وبين استمرار كفاحها على جبهة الجنوب ضد الكيان الصهيوني المتربص بها.. لم تكمل حركة فتح لملمة وضعها وجراحها حتى فاجأها السادات بزيارته إلى تل أبيب وبإقدامه على حل منفرد فخاضت حركة فتح معركة شرسة لعزل النظام المصري ونقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس ولكن كان ذلك ممهدا لإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان كله بمشاركة عربية رسمية وفعل صهيوني وبتوجيه أمريكي مباشر بعد أن وقفت حركة فتح كعامل أساسي في رفد الثورة الإيرانية وتزويدها بالسلاح وتدريب قياداتها الأولى فكان قرار أمريكا على لسان بريجنسكي مستشار الأمن القومي أن “وداعا لمنظمة التحرير”.

استمرت حركة فتح في معركتها على الجبهتين واستطاعت من خلال معارك عديدة أن تثبت في الخريطة السياسية أنها هي من يتكلم باسم الشعب الفلسطيني وأنه لا يسمح لسواها بالحديث.. وصولا إلى اتفاقيات أوسلو وطابا وسواها مع الكيان الصهيوني ومن ثم إقامة السلطة فأصبحت منظمة التحرير والسلطة أداتين أساسيتين بيد حركة فتح.

من جهة أخرى، عانت حركة الإخوان في فلسطين من توزع جغرافيا فلسطين بين ضفة غربية يتبع فيها الإخوان إلى تنظيم الإخوان في الأردن وإلى قطاع غزة حيث يستقل الإخوان بتنظيم خاص لم يتمدد إلى خارج فلسطين أو خارج قطاع غزة إلا من خلال عناصر ينتظمون فيه يرجع أصلهم إلى قطاع غزة.. وإن كانت حركة حماس فيما بعد حققت توحيدا للإخوان في الضفة وغزة وحتى في خارج فلسطين كما حصل للإخوان المسلمين الفلسطينيين في لبنان لم يجد الإخوان المسلمون في قطاع غزة الرافضون لمشروع منظمة التحرير الفلسطينية والمعارضون لمشروع حركة فتح إلا أن يتجهوا نحو العمل التربوي والتنظيمي والعمل الجمعوي الخيري، وتمدد نشاطهم في قطاع غزة للتصدي للعلمانيين والقوميين والشيوعيين ونجحوا في ذلك نجاحا كبيرا واستمر نماؤهم إلى أن تم تأسيس الجامعة الإسلامية بغزة والتي اعتبرها الإخوان المسلمون قاعدتهم الاستراتيجية التي ينبغي عدم التفريط بها أو المشاركة فيها مع أي فصيل آخر وهنا بدا التنازع الحاد بين فتح التي تعتبر نفسها الممثل الشرعي والقائد في كل شيء وبين حماس التي تجد نفسها قد أنجزت هذه الإنجازات من خلال عمل مستمر ودءوب بالتضاد مع مشروع حركة فتح.

من هنا بدأ الصراع تناقضيا وحادا بين فتح والمجمع الإسلامي الذي تسمى فيما بعد “حماس”.. وبعد أن عادت فتح بموجب اتفاقيات أوسلو إلى قطاع غزة والضفة الغربية في مشروع لإقامة السلطة اصطدمت حماس بالعائدين من خلال محاولة إفشال مشروع أوسلو بسلسلة عمليات مزلزلة في قلب الكيان الصهيوني الأمر الذي فرض مواجهة حادة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي وُلدت لتحمي اتفاقية اوسلو وتعرَّض مئات أو آلاف رجال حماس للاعتقال وظروف قاسية في الضفة الغربية وقطاع غزة استمر من سنة 1995 إلى 1999.

فشل مشروع أوسلو الأمر الذي اقنع حركة حماس بنجاح خيارها في المقاومة وفشل مشروع التسوية واندلعت الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 والتي شهدت لأول مرة تكاتف العمل القتالي بين حماس وفتح ضد الكيان الصهيوني فجاءت الانتخابات ولعدة أسباب حققت حماس فوزا كاسحا في الانتخابات التشريعية في 2006.

لم يكن سهلا على حركة فتح ومؤسساتها التنظيمية والأمنية التسليم بنتائج الانتخابات وشهدت الساحة احتكاكات خطيرة وحادة بين الطرفين وتدخّل كثير من الأطراف الإقليمية لإحداث مصالحة بلغت ذروتها عندما التقى الطرفان في مكة حول الكعبة واقسموا أن لا يقتربوا من الدم الفلسطيني..

إن المسألة أكبر من قسم ومن قرار وتفاهمات؛ إن المسالة لها علاقة بتكوين نفسي لحركة فتح وتكوين اجتماعي إيديولوجي لحركة حماس.. إذ لن تقبل حركة فتح ولا شبل من أشبالها ان يكون سواها في قيادة الشعب الفلسطيني ولا تقبل سواها ان يتصرف بالشأن الفلسطيني.. وهذا ما تشكل حماس نقيضه بالقوة والواقع فهي أصبحت قوة كبيرة في الساحة الفلسطينية بل لعلها تمتلك القوة الفعلية الأكثر نفاذية وهي لا يمكن ان تقبل التعايش مع حركة فتح مقاسمة أو تحت قيادتها بأي شكل من الأشكال.

وها نحن نرى ان الفعل نفسه لدى أحد الفصيلين يكون مقبولا ولكن ان قام به الفصيل الآخر فهو خيانة وتفريط.. ولم تنجح كل الاتفاقيات وكل المفاوضات بين الجانبين ولا أتوقع أنها ستنجح أبدا لأن نجاحها يفترض فقط شرطا واحدا هو خضوع أحدهما لقيادة الآخر فكل من الحركتين لا يقبل مشاركة في القرار السياسي ولا يقبل بديلا عنه في القيادة.

إن حجم الصراع وحدة أسلوبه بين الطرفين وصلت إلى الحد الذي يكون من المستحيل التراجع عنه بعد أن دخلوا في تعقيد التفصيلات جميعا وكل منهما يريد للآخر أن يكون هامشيا فيما يملك كل منهما أوراق قوة سياسية أو ميدانية كفيلة بعدم استفراد أحدهما بالقرار.

القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هما من يدفع الثمن باهظا وسيستمر الصراع بين الحزبين الكبيرين حتى يتقدم أبناء فلسطين المتحررين من سلطان الحزبية بوضع حد لهذا الاختلال من خلال مبادرة تطوي الماضي طيا.. ولكل أجل كتاب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • znbdrn@gmail.com

    شكرا للمساهمة والتحليل...ولكني أرى أن كلامك يناقض الواقع فأنت من جهة فتح تستجلب التاريخ والماضي رغم أن فتح انفصلت عن ماضيها وأصبحت عبارة عن مجموعة من الهياكل القديمة والعجائز المنتظرة لموعد المعاش تسخدم لجر حلم مشروع خياني فاشل أنت نفسك كتبت عنه عدة مرات...والآن صرت تتجاوز الواقع وما فيه من جبهة شعبية وديمقراطية والجهاد والمبادرة وكثيرمن الفاتحاويين الشباب وتختزل الكل في حماس مع شيء من توابل التحامل....استاذ المجموعة الأصيلة في فلسطين تقود معركة وجود وبقية من العجائز الذين كانوا يوما ما يسمون فتح المقامة يقودون معركة تبديل الحفاظات(حاشاك) ...فلا تخلط.