-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما موقف الحكومة من النقاش الدائر حول المدارس القرآنية؟

ما موقف الحكومة من النقاش الدائر حول المدارس القرآنية؟

إن الفكرة التي أثارتها وزارة التربية من خلال التصريح بالإجراء التي تنوي اتخاذه بشأن مراجعة تنظيم المدارس القرآنية وإعادة النظر في دفتر الشروط،

ورددتها وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، أثارت جدلا في عدد من الجهات، وأحدثت قلقا كبيرا في بعض الأوساط واستغرابا لدى المهتمين بالتعليم القرآني مما دفع بعضهم إلى تساؤل كبير: هل يجوز لهذه الوزارة أن تفكِّر في أمور لا تخصها، وتقدم على فكرة تمس موضوعا لا يندرج ضمن صلاحياتها؟ ومن ثم فليس لها الحق في أن تقدم على التفكير في هذا الموضوع وتطرحه، كأنه جزء من مهامها ومن الصلاحيات المخوّلة لها؟ 

إن الاهتمام بالمدارس القرآنية وبنوع التعليم الذي يتم فيها، وتحديد الخطة التي تسير عليها، موضوع أسندت بعض مجالاته إلى القطاع المسؤول عن الشؤون الدينية، وتركت بقية المجالات إلى مسؤولية الدولة، فهي التي تحدّد الفلسفة التي تحكم سير التعليم الديني والوجهة التي تراعي تنظيمه، ومن هنا لا نرى أن لوزارة التربية جانباً من المسؤولية أو لها ارتباط قانوني بتجديد المنهاج أو ضبط الخطة، فالأمر إذن يرجع إلى مسؤولية الدولة أو الحكومة؟ فهي التي تتولى الرعاية الرسمية والإشراف التوجيهي العملي الذي تحدد به الوظائف والمهام وأساليب التسيير والواقع الذي يعيشه التعليم القرآني والمدارس التي تتكفل بهذا التعليم واقع متعدد ومتنوع، فهناك التعليم القرآني الذي تتكفل به المدارس القرآنية التابعة لوزارة الشؤون الدينية وهناك التعليم القرآني الذي يتم في الكتاتيب، وفي الزوايا العلمية، والجوامع التعليمية، وتحت مسؤولية الجمعيات والهيئات.

الحكومة التي كنا ننتظر أن تُسمع رأيها في الموضوع لم تُسمعنا رأيها ولم تتخذ موقفا يحدد نظرتها إلى هذا النقاش، فلم يصدر عنها موقفٌ يحدّد الجهة المسؤولة عن تنظيم تعليم القرآن، وتحدّد الوجهة الرسمية التي ينبغي أن تتبع في هذا المجال؟! 

وهذا النوع من التعليم القرآني لا يرتبط بصلاحيات وزارة الشؤون الدينية ولا بصلاحيات وزارة التربية، إنما هو تنظيم من التنظيمات الاجتماعية الخيرية ذات الوجهة الدينية التي يتكفل بها المجتمع، وترعاها الجماعات الخيرية، وتهتم بتحفيظ القرآن وبالمنهج التعليمي الموروث الذي اتبعته الأمة في سالف عهدها، وسارت عليه الجزائر منذ أن جعلت من تعليم القرآن ودراسة علومه منهجا توجه به جهودها للحفاظ على ذاتيتها وتوريث الاهتمام بالدين وجعله ركنا من أركان سيادتها.

وعلى هذا الأساس عرفت البلاد الكتاتيب القرآنية والزوايا العلمية والجوامع التي تستقبل الراغبين في تلقي المعرفة الدينية والعلوم المتصلة بالقرآن، وأصبحت الأجيال وفق هذا المنهج تتنافس في حفظ كتاب الله وفي تلقي العلوم الداعمة لفهم كتاب الله، ولهذا لا يجوز أن يتدعم الإشراف الكامل على هذا النوع من التعليم إذا لم تخول له الدولة هذه المهام، لأن مسؤولية الدولة هي التي تظل الحامية لهذه المدارس والواضعة للحدود التي يلتزم بها.

وما أثير في وسائل الإعلام لا ينطبق على جميع أنواع التعليم القرآني وعلى أنوع المدارس التي تستقبل أطفال ما قبل التمدرس، وإنما تنطبق على المدارس القرآنية التابعة لوزارة الشؤون الدينية التي تسعى وزارة التربية إلى إعادة تنظيمها وضبط مناهجها، والتي تحاول فرض المنهجية المتبعة في الأقسام التحضيرية التي تشرف عليها.

هذا هو الدافع الذي دفع وزارتي التربية والشؤون الدينية في السنة الماضية إلى تشكيل لجنة مشتركة لضبط أسس التعاون بينهما ومراجعة تنظيم المدارس القرآنية وفق ما تراه وزارة التربية وما تقترحه، ويبدو أن النقاش من هذه اللجنة لم يصل إلى اتفاق من أجل تحديد الخطة المطروحة في مجال التنظيم، ولكن وزارة التربية ما تزال حريصة على تثبيت وجهة نظرها، وهذا ما أثار الجدل حول الموضوع ورددته وسائل الإعلام.

ويبدو من فحوى النقاش أن وزارة التربية تريد أن تحتوي هذه المدارس والأقسام التي تماثلها في مجال التعليم القرآني ولفرض عليها الوجهة التي تراها في مجال المناهج والطريقة، وهكذا تحوَّل الجدل من نقاش بين الوزارتين إلى جدل عامّ له عناصر مختلفة لأنه أصبح يمس كل العمليات التي تتم في مستوى التربية التحضيرية، وفي تعليم القرآن للصغار، وهذه العمليات توضحها المادة 41 من القانون التوجيهي للتربية والمتعلق بالتربية التحضيرية، ونص المادة هو بغضِّ النظر عن الطابع غير الإلزامي للتربية ما قبل المدرسية، تسهر الدولة على تطوير التربية التحضيرية، وتواصل تعميمها بمساعدة الهيئات والإدارات والمؤسسات العمومية والجمعيات، وكذا القطاع الخاص”.

وهذه المادة تبيّن أن الموضوع لا يرجع إلى وزارة التربية إنما هو من مسؤولية الدولة ومساهمة المؤسسات والهيئات، ويفهم مما تستهدفه وزارة التربية من محاولة مراجعة هذه المدارس هو تفريغها من محتواها الذي له طابع ديني ومن المعلومات التي تربط المتعلمين بالحياة الآخرة ومن الدروس التي تهيِّئهم لهذه الحياة وتربطهم بها، وهذا ما يريده أنصار الاتجاه الحداثي في المجال الثقافي، أولئك الذين يدفعون الوزارة إلى تغيير الخطة ليصبح المضمون التعليمي مسايرا لما يتم في أقسام التعليم التحضيري التي يجري العمل بها خارج الوطن، وهذا هو الاتجاه الذي تتحمّس له الوزيرة وتحيّده وتريد أن تنشئ أبناءنا عليه.

 ولكن الحكومة التي كنا ننتظر أن تُسمع رأيها في الموضوع لم تُسمعنا رأيها ولم تتخذ موقفا يحدد نظرتها إلى هذا النقاش، فلم يصدر عنها موقفٌ يحدّد الجهة المسؤولة عن تنظيم تعليم القرآن، وتحدّد الوجهة الرسمية التي ينبغي أن تتبع في هذا المجال؟!

إن أهمَّ ما ينبغي أن ينتبه إليه المسؤولون هو أن السكوت على هذه المواقف من شأنه أن يفتح المجال أمام من لهم مواقف ترى إبعاد الدين عن المدرسة، وهذا بقلب سياسة البلاد رأسا على عقب، وما نخشاه هو أن يختلط الأمر على من بيدهم الأمر، ويصبح الاتجاه التربوي غير واضح، وعندئذ يفقد المجتمع في حياته قواعد الانسجام والاستقرار، ودعائم الحياة الآمنة، وهذه هي جوانب الحياة التي نسعى إلى توفير الظروف المحقّقة لها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!