-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما هي الوجهة الثقافية في نشاط جمعية التواصل؟

ما هي الوجهة الثقافية في نشاط جمعية التواصل؟

من أهداف الجمعية الجزائرية للتواصل التي نعلق في هذه الكلمة على ملتقاها الذي عقدته بقصر الثقافة يومي: 09 و10 يوليو 2018 هو تعزيز مفهوم انتماء الفرد الجزائري لوطنه، ومن أهم دوائر الانتماء التي تندرج ضمن هذا الهدف هي دائرة الانتماء اللغوي أي الاهتمام باللغة التي بها يعز ارتباط الفرد بوطنه وبقيم أمته، وهذا ما كنا نتصوره، كما نعتقد أن الجمعية الجزائرية للتواصل وهي جمعية نخب ثقافية تركز عليه في أعمالها وفي برنامج نشاطها، وتتبناه في تفكيرها. ولكن ما ظهر في الملتقى الدراسي الذي عقدته ودعت إليه الأساتذة والمهتمين بالمعرفة أمر آخر غير الذي كنا نتصوره، هذا الأمر هو غموض الوجهة الثقافية التي تتبناها في مشاريع أنشطتها.
وتعليقي في هذا المقال على أعمال الملتقى يبين جانبا من هذا الغموض الذي لمسناه في الموقف الذي أعلن عنه مدير الملتقى حين شرح مضمون اللقاء وذكر الخطة التي اتبعتها هيأة التنظيم في تحديد الموضوعات واختيار المحاضرين.
لقد أوضح في تقديمه أن الهيأة المنظمة لم تشترط نوع اللغة التي يتناول بها الموضوعات والتي يلتزم بها المحاضر، بل ترك الأمر لاختيار المتكلم، ولم تشترط كذلك الاتجاه الفكري الذي يكون عليه المحاضر، لأن ما حرصنا عليه هو أن تتناول الأفكار وفق الممارسات الجديدة في التعلم والتدريس بالتعليم العالي (هذا ما كنا نريد التركيز عليه) وما عدا ذلك لم ندرجه في اهتماماتنا، وهذا التقديم هو الذي جعلنا نستخلص الغموض في الوجهة الثقافية التي تتبناها الجمعية.
إننا من خلال الكلمة التي شرح بها مدير الملتقى سير الأعمال لم تتضح لدينا الوجهة اللغوية التي تراها الجمعية ملائمة لسير الأعمال ولم يتضح لنا الموقف الذي تتبناه الجمعية في المجال اللغوي، أهو وجهة وطنية يراعى فيها توجه المجتمع، أم هي وجهة عالمية معولمة لا يراعى فيها إلا الحقائق التي يقرها العلم وتفرضها الحاجة أو يتبناها الفكر الإنساني؟
بهذه الوجهة تصير اللغة مجرد أداة يتعمدها الإنسان في ممارسة ما هو صالح له ولوطنه، وهذه النظرة هي التي جعلتنا نحجم عن تعريب المواد العلمية في التعليم العالي.
بعد هذا كنا نظن أن المشرفين يحسون بالخطأ المرتكب في هذا المجال ويحاولون معالجة الموقف الغامض الذي تم الإعلان عنه منذ البداية ولكن الأعمال سارت وفق الموقف الذي شرحه مدير الملتقى إلى النهاية.
لقد خشينا أن يتذمر الحاضرون ويقاطعوا الجلسات ولكنهم صبروا رغم أنهم كانوا غير راضين وخاصة لما رأوا المحاضرين من فئة الشباب ومن الذين تعلموا في المدرسة الجزائرية. وإذن ما هو الداعي لإلقاء المحاضرة بغير اللغة الوطنية أنها مسايرة لما يجري في الإدارة وفي محيط الدولة وهذا هو الأمر المقلق.
والغريب في الأمر إن المنظمين كانت تقلقهم ملاحظات من ينتقدون هذا الوضع، لقد عاب أحد المتابعين الوضع وبين أن اللغة الأجنبية قد هيمنت على معظم الأعمال، فكان جواب أحدهم إن الأمر ليس مشكلة وبين في رده أن الأمر لا يحتاج إلى أن تطرحه بهذا الطرح.
هنا تأكد لدينا أن الجمعية لا تنظر إلى اللغة الوطنية على أنها أساس التواصل الذي نريده، والذي نبني به نهضتنا ونقرب به الأفكار التي تخدم مجتمعنا.
ما فهمناه من سير الأعمال أن التواصل قد يحصل بأي لغة هذا ما يمكن فهمه مما ورد في تقديم البرنامج وفي اختيار المحاضرين وحتى في اختيار الموضوعات، والجانب الذي يجعلنا ننكر هذه الخطة التي سارت عليها الجمعية في هذا الملتقى هو أنها ارتكبت أخطاء ثلاثة:
1. أنها منذ البداية تركت أمر اختيار اللغة للمحاضر بدون مراعاة الوضعية التي هو عليها فقد أقر أن تلقى المحاضرات باللغة التي يفضلها المحاضر حتى ولو لم تكن ظروف تدفعه إلى ذلك.
2. أنها لم تحدد أسلوب سير المناقشة واللغة التي تعتمد في النقاش فكان السائل حرا في اختيار اللغة والمحاضر وحرا كذلك في أسلوب الرد ولذا كانت المناقشات تتم باللغة الأجنبية ولم يوجه المحاضر إلى احترام الحاضرين ويجيب باللغة التي يفهمها الجميع.
3. أنها ضيقت حصة المناقشة وفرضت دقائق معدودة لإجراء حصة المناقشة وحددت الوقت لكل ملاحظ حتى لا يثير قضايا لها صلة بالموضوع ولا يوجه نقد للمنظمين حول بعض الجزئيات منها اللغة المستعملة.
والملاحظة التي نستخلصها من أعمال الملتقى هي:
– كثرة المحاضرات فمنها محاضرات بالإنجليزية ومثلها بالفرنسية، حيث كانت هناك 07 محاضرات في اليوم الأول و08 محاضرات في اليوم الثاني ولم يخصص للنقاش إلا عشر دقائق في الجلسة، والجلسة تضم عددا من المحاضرات.
– قلة فرص النقاش، فالنظام المتبع في تسيير النقاش لم يتح الفرصة للمناقشين أو المعقبين مما جعل الجلسة تنتهي من دون أن تستخلص منها أفكارا تفيد التعليم.
– تركيز المنظمين في المواضيع الخاصة بمواد التدريس على المواد العلمية وأهملوا ما يتعلق باللغة الوطنية وكذا الجوانب التي يطرحها التدريس في مجال الاستعمال اللغوي، خاصة وأن اللغة العربية هي المشكلة التي تواجه التلاميذ في التعليم.
إن المحاضرة التي تناولت الإجابة عن السؤال: كيف نجعل الطالب مهتما بالرياضيات؟ كنا نود لو وجه الاهتمام فيها إلى اللغة العربية بحيث يكون السؤال كالتالي: كيف نجعل الطالب مهتما باللغة العربية؟ لأن اللغة هي التي تجعله يفهم الرياضيات ويدرك الحقائق التي تعالجها.
ومن بين الموضوعات العلمية التي أدرجت ضمن قائمة المحاضرات هي: واقع تدريس التفاعل الكيميائي في المنظومة التربوية، وهذا موضوع له صلة بتدريس العلوم، والعلوم تحتاج إلى مادة معينة ومحددة لدلالاتها وهي اللغة، لذا كنا نتمنى أن تختار الموضوعات التي تتكامل مع المواد العلمية أو المعينة على فهمها وتنمي الاهتمام بها ومن أهمها اللغة.
وهنا نتساءل كيف تعمل جمعية التواصل على الارتقاء بالأفكار الثقافية وبالجهود الهادفة إلى إثراء التواصل العلمي؟ وكيف تسهم بمشاريعها من أجل ترقية واقع اللغة العربية في مستويات التعليم، لأن هذا ما تنتظره الأمة من جمعية وطنية لها أهداف علمية ثقافية ولها ارتباط قوي باللغة الوطنية التي هي المجال الذي تنطلق منه في تنمية جهود التواصل العلمي والثقافي.
هذا وقد فكرت وأنا أتابع ما يجري في جلسات الملتقى من أن أثير موقفي الرافض لهذه الوجهة اللغوية التي تبناها الملتقى والتي أثارت تساؤلا كبيرا ألا وهو لماذا أقدم المنظمون عليها؟ وهل هناك ضرورة؟ وهل يوجد من بين الحاضرين أجانب؟ وهل ؟ وهل؟
إن الذي منعني من إثارة ما كان يجب أن يثار أمام الحاضرين هو أنني انتظرت أن يثار الموضوع من قبل أعضاء الجمعية، وانتظرت كذلك أن يبادر المنظمون بالاعتذار، ثم إن الوقت المخصص للنقاش كان محدودا، إذ لا يكفي لإثارة جانب هام دقيقة أو دقيقتين، ولا يكفي التعبير عن عدم الرضا بإظهار الموقف الرافض، ثم فكرت في أن أثير الموضوع وأنبه المنظمين إلى هذا الخطأ ولكني كتمت ما كان في ذهني، وإن كنت قد ألمحت في بعض الملاحظات التي أوردتها في المناقشة إلى جانب من هذا الذي فكرت في إثارته ولكن لم أفصح عن فكرتي، لأن الموضوع يتطلب كلمة مطولة يطرح فيها الموضوع، وينبه فيها المنظمون إلى خطورة هذا الموقف الذي أقدموا عليه من دون مسوغ يفرض ذلك.
ولقد لاحظت وأنا أثير بعض الجوانب المتعلقة بقضايا التعليم أن المنظمين غير راضين على ما كنت أشير إليه أو ما كنت أريد توضيحه فشعرت من خلال الملامح التي كانت مصوبة نحوي أنهم يطلبون مني أن لا أستمر في شرح الأفكار التي ليست محل اتفاق، كما شعرت من خلال بعض النظرات أن القائمين على الجلسات لا يريدون انتقاد سياسة التعليم في البلاد أو التحدث عنها ولا حولها وعليه لم استمر في طرح الموضوع.
إن الجانب الذي يجب التذكير به هو أن الجمعية إذا ما استمرت في وجهتها هذه فإنها لا تحقق ما ينتظره منها الجميع.
نأمل أن يتاح لنا المجال معها في لقاءات أخرى حتى تبين لها ما يجب إن تراعيه في هذه المجالات الحساسة، لأن الموضوع المطروح يهم الأمة بكاملها، وما نثيره هنا هو إن هذه الجمعية تعمل في إطار القيم والثوابت الوطنية، وتهدف في عملها إلى ترقية الفرد والنهوض بالمجتمع ورقي الفرد ونهضة المجتمع لا يتحققان بجهود معزولة عن واقع اللغة العربية والقيم الحاملة لها وبجهود منفصلة عما تفكر فيه الأمة.
وما ينبغي أن تسعى إليه جهود التواصل العلمي والثقافي التي هي عنوان الجمعية هو إدراج الاهتمام بحاضر اللغة العربية وبالإطار الحضاري الذي تنمو فيه، لأنها وعاء التواصل وأساس التوجه الحضاري وأداة النمو الفكري وهذا ينبغي أن ينتبه إليه القائمون على نشاط الجمعية ويسعون إلى تحقيقه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!