-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما يجعل الاستبداد حَلالا

ما يجعل الاستبداد حَلالا
ح.م

لماذا لم تتحرَّك كبرياتُ الدول الغربية، ولا برلماناتها، ولا أحزابها، ولا تلك الاتجاهات الفكرية الموالية لها، لتدافع عن الديمقراطية وحرية الاختيار لدى الشعوب عندما يتعلق الأمر بالاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني؟ لماذا لم تُطالب في هذه المسألة بالذات بضرورة العودة إلى الشعوب لمعرفة موقفها من الأمر؟ لماذا لم تَعتبر الأنظمة المطبِّعة أنظمةً مُستبِدة منفصلة عن شعوبها ولا تستشيرها في القرارات المصيرية؟ أم أن الأمر عندما يتعلق بخدمة أجندات القوى الكبرى المهيمنة على العالم يُصبح عاديا ومقبولا، وتُصبح القيادات التي تسير في الركب قياداتٍ ديمقراطية وتُسَلَّم أوسمة الشرف وتُدعَّم بكافة الوسائل ويُسكَت عما تفعله في شعوبها وإن كان هو الظلم بعينه.

ألا يؤكد هذا زيف الشعارات الغربية التي تزعم أنها حريصة على الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلداننا؟ ألا يكشف حقيقة مواقفها التي تبدو في بعض الأحيان وكأنها بالفعل حريصة على حرية الشعوب في خياراتها وعلى محاربة الاستبداد؟ ألا يُبيِّن هذا لنا أن رضا القوى الغربية على نظام سياسي بعينه أو على خيارات شعب من الشعوب وتصنيفها ضمن الدول السائرة في الطريق الصحيح، إنما هو في حقيقة الأمر رضا على الانخراط في أجندتها والاستسلام لها والخضوع لها وقَبول شروطها؟

ألم تُبيِّن لنا الحقائق التي نعيشها اليوم أن كافة الأنظمة الاستبدادية في العالم إنما تحظى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بدعم من قبل القِوى الغربية الكبرى، وأن هذه القوى لا تتخلى عن هذه الأنظمة الاستبدادية، لأنها قهرت شعوبها أو انحرفت عن الديمقراطية، إنما لكونها لم تَعُد تَصلح لتقديم خدماتها للأطراف المهيمنة أو أرادت أن تخرج عن طوع هذه القوى في بعض المواقف والقرارات والخيارات؟

إنه لا يوجد شيءٌ مُضَلِّل فيما نعيشه من لعبة سياسية كبرى أكثر من القول إن هناك قوى دولية ديمقراطية تسعى لتشجيع الديمقراطية في البلدان الاستبدادية. إن الأمر لا يزيد أن يكون استخداما لشعارات مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية المعتقد والرأي والأمن الإنساني… لتحقيق مزيد من الهيمنة على شعوبنا.

وعليه، فإننا لا يمكن أن نجعل الأوضاعَ تستقيم ببلداننا، إنْ في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية إلا بالاعتماد على قدراتنا الذاتية وعلى ما نراه نحن صالحا أو غير صالح انطلاقا من خبرتنا التاريخية ومقوّماتنا الثقافية وانتمائنا الحضاري.

 إنَّ أي نشاط لا يتم ضمن هذا الإطار الإدراكي لن يزيد على أن يكون في محصلته الأخيرة في خدمة الآخرين وإن بدا خلاف ذلك.

إننا لا يمكن أن ندَّعي الشروع الحقيقي في إعادة بناء الدولة على أسُس عادلة وصلبة إلا عندما نتخلص من هذا الوهم بتقليد نموذج سائد في نقطة من نقاط العالم أو الاعتماد على دعمه.

وما يؤسف له أننا كثيرا ما نختار غير ذلك، وما نسير في طريق كل المؤشرات تدلُّ على أنه من صُنع الآخرين، ولن يؤدِّي سوى إلى حيث يريد الآخرون. والتطبيع ليس سوى أحدها، يقبلون به ويفرحون له ويدعمونه حتى وإن صدر عن مستبدٍّ أو طاغية أو ظالم… إنه وحده الذي يجعلون منه ترياقا يجعل الاستبدادَ حلالا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!