-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما ينتظرنا بعد الانتظار

ما ينتظرنا بعد الانتظار
أرشيف

بضعة أسابيع تفصلنا على امتحان شهادة البكالوريا وأبناؤنا لم يعرفوا تاريخها بصفة رسمية إلا منذ يومين. وبضع سنوات مرت وأحيانا أكثر والمسجلون في الصِّيَغ المختلفة للسكن لا يعرفون متى سيحصلون على مفاتيحهم وينتهي كابوس الانتظار الذي طال. وسنواتٌ أخرى ستمر على شباب استفادوا من قروض مصغرة وهم لا يعرفون ما إذا كانت ستُمحى ديونهم مثل الفلاحين، أم سيكون مصيرهم أمرا آخر. وأطباء وأساتذة مضربون منذ أشهر لا يعرفون ما إذا سيكون مصيرهم الطرد، أم سيُستَجاب لمطالبهم.. ومواطنون قضاياهم مُعلَّقَة في مجال العقار أو الميراث أو تعويضات التأمين أو المعاش طيلة سنوات لا يعرفون متى ستُحَلّ عقدتهم. وتجار وحرفيون، ومستثمرون وغيرهم من الفئات، مشكلتهم جميعا واحدة: أنهم لا يعرفون ما ينتظرهم بعد الانتظار…

هذه ليست مؤشرات على مشكلات عابرة، أو على أخطاء فردية في التسيير، إنما مؤشرات على منهجية خاطئة في إدارة الشأن العام ينبغي أن تتغير لعل الأمل يعود للناس ولو بعد حين إذا أردنا لهذه البلاد الحياة والتقدُّم والازدهار.

إما أن تكون لدينا مؤسساتٌ قادرة على الاستباق وحل مشكلات الناس قبل أن تقع، أي أن نكون قادرين على الاستشراف، بما فيه من استحداث لسياسات نرغب في تحقيقها لصالح المواطنين، أو أن نستمر في اعتماد سياسة التردد والغموض والتأجيل والتسويف وانتظار وقوع المشكلات وتفاقمها وتعفنها، لنسارع كرجال المطافئ بما نعتقد أنها حلولٌ وما هي إلا مُسكِّنات..

ولعل هذا الأمر وحده هو الذي سيجعلنا إما أن نُصنَّف ضمن الدول التي تسير باتجاه الالتحاق بالأمم المتقدمة، أو تلك التي تدفع بنفسها دفعا نحو التهلكة، وتُحوِّل قدراتها وكفاءاتها إلى عناصر غير قادرة على النهوض بها ودفعها نحو الأمام.

ولمعرفة مصيرنا لسنا في حاجة إلى آراء سياسيين محترفين أو اقتصاديين كبار أو خبراء لدى صندوق النقد الدولي أو كبار المختصين في بناء أو تحطيم الأمم.. إنما في حاجة إلى أن نتأكد من أمر واحد: أن المواطن في أي مستوى كان، تلميذا في مدرسة أو طبيبا في مستشفى أو طالبا في جامعة أو شابا ينتظر سكنا أو شاكيا لأجل استعادة حقوقه أو عاملا أو تاجرا أو مستثمرا… بدأ يستعيد الثقة في أنه في الزمن المعلوم، بدون تأخير ولا تسويف ولا وعود كاذبة، سيستعيد حقوقه أو سيُستجاب لمطالبه، أو سيتم إنصافه بحكم عادل وإن كان خلافا لِما توقع، أي أن يتم إخراجه من حالة الانتظار، إلى حالة الواقع  وتنفيذ القرار.

وهي الحالة الوحيدة التي ستؤكد لنا ما إذا كُنَّا نسير قُدُما إلى الأمام باتجاه الطريق الصحيح واستعادة الأمل، أم أننا نوهم أنفسنا بالتقدم إلى الأمام ونحن في واقع الأمر كمن يسير خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الطيب / الجزائر

    طال انتظارنا يا أستاذ و لا مؤشر نتشبث به و حالنا كالذي يطمع في قشة يتشبث بها لكي تنجيه من الغرق في عرض البحر !
    السؤال : هل الخلل في السفينة المهترئة التي لم تجد مَن يصلحها ؟ أم الخلل في ركابها الذين لا يحسنون السباحة ؟ أم الخلل في البحر الهائج ؟