-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مبادراتنا لحلّ الأزمات: السّياقات.. الفواعل.. والنّصوص (1)

ناصر حمدادوش
  • 991
  • 3
مبادراتنا لحلّ الأزمات: السّياقات.. الفواعل.. والنّصوص (1)
ح.م

صدر للدكتور عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السّلم على هامش المعرض الدولي للكتاب لهذه السنة (2019م/1441هـ) 03 كتب عن دار الخلدونية وهي: فكرنا السياسي، قبل الحراك.. عن التيه الحكومي والبدائل المنشودة، ومبادرات حلّ الأزمات (1990 – 2019م).. السياقات- الفواعل- والنّصوص. ولعلّ هذا الكتاب الأخير: مبادراتُ حلّ الأزمات، هو أهمّ هذه الكتب من الناحية التأريخية، التي تعبّر عن الهوية الفكرية والسلوك السّياسي للحركة منذ نشأتها، وترسم الشخصية السياسية عنها كحركةٍ فاعلة ومبادِرة، وكقوّةٍ حقيقية في المعادلة السياسية، وكفاعلٍ رئيسي مدركٍ للواقع، عليم بخلفياته، له تصوراتٌ واضحة للتشخيص وتقديم الحلول، وقد أثْرَت هذه المبادرات رصيدها التاريخي وتجربتها السياسية، ورسمت مسارًا للإصلاح السياسي والاجتماعي، وأجابت عن احتياجات كلّ لحظةٍ تاريخية مرّت بها البلاد، وكرّست ثقافة الصّلح والإصلاح والمصالحة والتوافق، وهي تزاوج بين فقه الدعوة وفقه الدولة، وأبطلت تلك التهمة الجاهزة عن الطبقة السياسية أنها عاجزة عن تقديم الحلول والبدائل والبرامج والمبادرات. وهي وإنْ لم تحقّق أهدافها المباشرة إلاّ أنها حقّقت أهدافًا إستراتيجية، لا تُقاس بعمر الأفراد كلحظاتٍ جامدةٍ أو مجتزأة، بل تُقاس بعمر الدولة والأمة في تاريخٍ متحرّك ووفق نظرة كلّية، تدخل ضمن البناء التراكمي في حفظ الوطن من الانقسام والدولة من الانهيار والمؤسّسات من الزّوال. وقد تعدّدت مبادرات حركة مجتمع السّلم منذ بداية الانفتاح السياسي، على إثر دستور 23 فيفري 1989م، مع أوّل تمظهرٍ قانونيٍّ وعلني للحركة باسم: جمعية الإرشاد والإصلاح الوطنية. وهي مبادرات فردية وجماعية، ومنها ما هو مشروعٌ موجّهٌ للتشاور وبناء المواقف المشتركة، ومنها ما هو رسائلٌ ومذكراتٌ موجّهة للمسؤولين والمؤسّسات الرّسمية، بعضها نُشر، وبعضها يُنشر لأوّل مرّة. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه لا يكتفي بالسّرد النّصي للمبادرات فقط، بل يتطرّق إلى سياقاتها السياسية والظروف والخلفيات والملابسات التي وردت فيها، وكذا الأطراف والفواعل المعنية بها، مع التحاليل والاستنتاجات المتعلقة بها، وقد تمّ تقسيم هذا الكتاب إلى 05 فصول، وسيقتصر هذا المقال في جزئه الأول على الفصل الأول، والذي يلخّص لنا مبادرات حركة مجتمع السلم ومساهماتها بين سنوات 1990- 2012م، وتتمثل هذه المبادرات خلال هذه القطعة الزمنية التاريخية في 09 مبادرات، وهي:

1/ مبادرة التحالف الوطني الإسلامي سنة 1990م:

وهي باكورة المبادرات السياسية بعد بروز إرهاصات الأزمة، والتي كانت باسم جمعية الإرشاد والإصلاح، وبقيادة الشيخ الرئيس المؤسِّس محفوظ نحناح عليه رحمة الله، والتي تدلّ على التجديد المبكّر للفكر السّياسي الإسلامي قبل تأسيس الحركة كحزب، على اعتبار أنّ تياراتٍ علمانية تغريبية واستئصالية مرتبطة بالاستعمار القديم تستغل الوضع لتعقيد الأزمة والتحكّم في المعادلة، وأنه ليس من مصلحة التيار الوطني والتيار الإسلامي الدخول في صراعاتٍ عدمية تضرّ بالاستقرار والهوية والسّيادة الوطنية.

إلا أنّ هذه المبادرة لم ترَ النور بسبب موجة التطرّف التي طغَت على السّاحة، وارتفع شعارٌ يستند إلى الحديث النبوي الشريف: “لا حِلف في الإسلام” ليغتال هذه المبادرة بالتعسّف في استعمال النّصوص الدّينية في غير محلّها، وينفجر الصّراع الدموي الذي غذّاه مكَرَة العلمانيين الاستئصاليين وغباء الإسلاميين المتطرّفين.

2/ مبادرات وَحدة التيار الإسلامي سنتي 1991, 1992م:

لقد أثّرت انتفاضة 05 أكتوبر 1988م في معادلة الحركة الإسلامية، إذ سارع الدكتور عباسي مدني والشيخ علي بلحاج إلى تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل الجماعات الإسلامية الأكثر تنظيمًا في عهد السّرية، وهي: جماعة الشيخ محفوظ نحناح عليه رحمة الله، وجماعة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة محمد بوجلخة (جماعة الجزأرة)، فاتّجهت الحركة إلى إطلاق مبادرةٍ لوَحدة التيار الإسلامي، والتي انتهت إلى المبادرة التاريخية التي كان يرعاها الشيخ أحمد سحنون عليه رحمة الله، والمتمثلة في رابطة الدعوة الإسلامية سنة 1988م، كفضاءٍ تشاوري وتنسيقي لقادة التيار الإسلامي، من حيث الرؤية وخطة إدارة الصّراع. وقد سبقتها محاولاتٌ لتوحيد الصفّ الإسلامي، والتي كان محورها الشيخ أحمد بوساق بين سنوات 1983 و1987م. وكانت هناك محاولةٌ جمعت قادة الصف الثاني بوهران في ماي 1991م، وحضرها عن الحركة الدكتور عبد الرزاق مقري والدكتور عبد القادر سمّاري، وتمّ التوقيع على اتفاقٍ مكتوب، إلا أنّ أحداث ساحة أول ماي في 02 جوان 1991م بعد الإضراب المفتوح والمشهور للجبهة الإسلامية للإنقاذ عصفت بهذه المبادرة.

3/ مبادرة نداء السّلام الوطني في فيفري 1992م:

أُطلِقت في مرحلةٍ حسّاسة وخطيرة من التاريخ السياسي الجزائري بعد الانفتاح، وهي مرحلة إلغاء المسار الانتخابي في جانفي 1992م، فكانت هذه المبادرة استشرافا للأزمة، التي تُختَزل في انغلاق الأفق السياسي والتراجع عن مكتسبات الحريات والشرعية الدستورية، والانحراف نحو التبعية والاستبداد والأحادية، والانزلاق نحو إراقة الدماء.

4/ مبادرة مجموعة السّبعة:

وهي مبادرةٌ جماعية، جمعت بعض الأحزاب والشّخصيات الوطنية، وهي: أحمد بن بلة، محفوظ نحناح، سليمان عميرات، قاصدي مرباح، عبد الله جاب الله، نور الدّين بوكروح، حميدي خوجة. وقد أُطلقت المبادرة بعد الاجتماع الذي انعقد يوم 25 أبريل 1992م، وكان من أهم مطالبها: فتح الحوار الوطني، والرّجوع إلى الشرعية الدستورية، والعودة إلى المسار الانتخابي، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية، واحترام الحرّيات، وفتح الإعلام العمومي.

5/ مبادرة الصّلح الوطني في مارس 1995م:

وهي مبادرة فردية من الحركة، بعد الانفلات الأمني والتورّط في الصراع الدموي بين السلطة والفيس، وتراجع الحريات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

وقد جاءت هذه المبادرة بعد فشل مبادرتين كبيرتين هما: ندوة الوفاق الوطني التي نظمتها السلطة يومي: 25 و26 جانفي 1994م، والتي حاولت فرض عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا للدولة برؤية فوقية وأحادية، ثم انتهى الأمر إلى تعيين الجنرال زروال رئيسًا لها، ومبادرة عقد روما بسانت إيجيديو في 13 جانفي 1995م، والتي سقطت كذلك في الذّهنية الإقصائية، ما دفع بالحركة إلى الانسحاب منهما. وقد نصّت مبادرة الصّلح الوطني على: فتح الحوار الجادّ والشامل، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وغلق المراكز الأمنية كلّيا، وتشكيل لجنة وطنية مشتركة بين السلطة والأحزاب والمنظمات، وحماية الجيش للمتفق عليه.

6/ مبادرة الجدار الوطني 1997م:

بعد فشل المبادرات السابقة كان لزاما على الحركة التوجُّه نحو الشرعية الشعبية والإصرار على العودة إلى المسار الانتخابي، فشاركت في رئاسيات 1995م، التي فاز بها الشيخ محفوظ نحناح عليه رحمة الله لولا التزوير العلني والمفضوح وبالقوة، ثم شاركت في تشريعيات ومحليات 1997م وعاد الجميع إلى المشاركة في هذا المسار الانتخابي بعد استنكاره على الحركة في الرئاسيات السابقة، وتم التزوير الفظيع لصالح الحزب الذي وُلِد “بشلاغمو” وهو الأرندي، وإلى جانب هذه الفضيحة في شرعية السلطة، فقد كانت سنوات: 95, 96, 97 سنوات التفجيرات والاغتيالات والمجازر المروِّعة، مثل: مجزرة الرايس وبني مسوس وبن طلحة، والتي تعالت على إثرها أصواتٌ لتدويل القضية الجزائرية، وتمّ الاتفاق بين الحكومة والأمم المتحدة على إرسال فريقٍ للاستطلاع، وكان الثمن هو المزيد من الضغط والابتزاز والتحكّم من جنرالات فرنسا في السّلطة والحكم. في ظلّ هذه الظروف جاءت مبادرة الجدار الوطني، بسبب انهيار الثقة بتزوير الانتخابات، وبسبب الانهيارات الأمنية بالمجازر الفظيعة، وبسبب الأزمة الاقتصادية لانهيار أسعار البترول وثقل المديونية الخارجية واشتراطات صندوق النقد الدولي، وبسبب مظاهر التدخل الأجنبي وابتزاز القوى الاستعمارية بملف المجازر وحقوق الإنسان.

7/ مبادرة التنسيقية الوطنية لمكافحة التطبيع والتمدّد الصهيوني:

شارك فيها الشيخ عبد الرحمان شيبان وعبد العزيز بلخادم وخالد بن اسماعيل والدكتور عبد الرزاق مقري وممثلي بعض الأحزاب والمنظمات والنقابات وبعض الأصلاء من جبهة التحرير وبعض المجاهدين، وكان السبب المباشر لإطلاق هذه المبادرة هي المصافحة الشهيرة بين بوتفليقة وإيهود باراك في جنازة الحسن الثاني يوم 25 جويلية 1999م بالمغرب، ودعوته للمغني الصهيوني أنريكو ماسياس و200 شخص معه لتنظيم حفلة في قسنطينة، وهي الزيارة التي عُدّت عملية تطبيعية يجب مقاومتُها، وكان من نتائج هذه المبادرة الإطاحة بهذه الزيارة وتوقيف المدّ التطبيعي، وارتفاع الحسّ الوطني للعمل الفلسطيني، وتشكلت لجانٌ ومبادرات وفضاءات شعبية وتنظيم قوافل كسر الحصار عن غزة، والمشاركة في أساطيل الحرية ونشاط فرع الجزائر لمؤسسة القدس الدولية.

8/ مبادرة فساد قف سنة 2006م:

وهي المبادرة التي جاءت ضمن ظروف البحبوحة المالية، والتي تأجّج فيها الفساد وانتشر أفقيًّا وعموديًّا، وكانت الحكومة ذاتُها طرفًا أساسيًّا في التمكين لشبكات الفساد بسبب اختلال موازين القوة لصالحها داخل منظومة الحكم، فأظهرت الحركة شجاعة وجرأة في التبليغ عن الفساد وتجميع ملفاته رغم أنها مشارِكةٌ في الحكومة، وهو ما صرّح به رئيس الحركة آنذاك الشيخ أبو جرة سلطاني، رغم حساسية هذا الملف، ورمزية الجهة المبادِرة ضدّه، وعدم قدرة الحركة على المضيِّ فيه إلى الآخِر، وهي المبادرة التي سقطت بمجرد انتفاضة بوتفليقة ضدّها في خطابه أمام ولاة الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد يوم 09 ديسمبر 2006م بقصر الأمم، لتتوقف فجأة وبشكلٍ كلِّي، إلاّ أنها فضحت مَن يزايدون الآن على غيرهم في مكافحة الفساد، وقد سكتوا جميعًا يومها عن هذا الملف الخطير والمدمّر للاقتصاد ولمقدّرات البلاد.

9/ مجموعة الدفاع عن الذاكرة والسيادة أو ما سُمّيت بمجموعة 14: وهي مبادرة ذات قيمة أخلاقية كبيرة تأسّست في ديسمبر 2012م، قبيل زيارة الرئيس الفرنسي هولاند إلى الجزائر. ومن التحولات الكبيرة التي رافقت وصول بوتفليقة إلى الحكم بروز أمارات تهديد السيادة الوطنية والتطبيع مع العدوّ الصهيوني وزيادة النفوذ الفرنسي، إذ أصبحت اللغة الفرنسية هي لغة التخاطب لدى المسؤولين حتى مع المواطنين، إضافة إلى تنامي المصالح الفرنسية بسبب البحبوحة المالية، والتي أصبحت في خدمة الاقتصاد الفرنسي، إضافة إلى ملف الذاكرة، ودعوة فرنسا إلى الاعتراف بجرائمها والاعتذار والتعويض عنها، وكذا قانون تجريم الاستعمار، وملفّ الإشعاعات النووية، وخرائط الألغام، وملف الأرشيف الوطني والأموال والآثار المنهوبة، وملف الحركى والأقدام السوداء، وملف الاستثمارات الفرنسية في الجزائر، وهيمنة اللغة الفرنسية على حساب اللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية، وقضية فتح المجال الجوي للطائرات الفرنسية للتدخّل في الدولة الشقيقة والجارة مالي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • عمر

    المبادرة التي يعرفها الشعب عن حزب السقطة هو اللعب على الاوتار و المواقف الضبابية الانتهازية و المتاجرة مع السلطة و شراء الحصص البرلمانية يكفي من لغة الخشب و العبارات المصطنعة الجزائريون يعرفون حقيقتكم

  • صالح بوقدير

    من أفتى لجنرالات فرنسا بإخراج الدبابة لضرب المسار الديموقراطي؟

  • أحمد

    اللي ما قدرش ايحل أزمة بيتو(دارو) مستحيل يقدر يحل أزمة بلاد. حل الأزمة عندوا رجالوا ، وراهم خمسة في عين الحساد.