-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مجرمون بلا إصرار ولا ترصّد

مجرمون بلا إصرار ولا ترصّد
ح.م
حادث البليدة

لم تعُد الفاجعة تأتينا من المجرمين الذين يقومون بجرائمهم مع سبق الإصرار والترصد فقط، وإنما صارت تهبّ علينا مثل العواصف المدمِّرة، من أناس نحسبهم مرضى مرفوعا عنهم القلم قبل الإدانة.

ولأن لكل فاجعة سببا ومتسبّبا فيها، فإننا لا ندري من المسؤول عن مقتل أربعة أشخاص، من بينهم تلميذان، بعد أن دهستهم سيارة في شارع ببوقرة ولاية البليدة، كان يقودها رجل “مريض”، فاجأته نوبة قلبية فعاث في المارة الأبرياء دهسا، ولا ندري من الجاني الحقيقي في حادثة قتل أناس كانوا خارجين من مسجد بولاية سكيكدة بواسطة فأسٍ كان بيد طالب جامعي، اتضح أنه يعاني من اضطراب نفسي حادّ، منذ سنتين كاملتين.

لم تعجز المنظومة الصحية والاجتماعية في الجزائر عن معالجة المرضى الذين ملؤوا المستشفيات فقط، فصار نصفهم يعرّج نحو تركيا وتونس، والنصف الآخر نحو الرقاة وقارئات الكف وكُتّاب التمائم، وإنما عجزت عن تشخيص الداء، فصار نصف ما يملأ الشارع من المختلين عقليا، وصارت السكتة القلبية المفاجئة من يوميات الجزائريين، تصيب الكبار والصغار وهم يتبضّعون أو يسوقون سياراتهم من دون أن يدري صاحبها بأنه في حالة خطر، ومن دون أن يدري طبيبه، المنشغل بأمور اجتماعية أخرى إلى درجة أن الأطباء المقيمين قرّروا التضحية بسنتهم الدراسية ولا نقول بالمرضى فقط من أجل حصولهم على “حقوقهم” من وزارة لم تصحُ من الأنفلونزا الحادّة التي عشَّشت في صدرها، حتى طعنها “البوحمرون” في الظهر.

لا أفهم لماذا يرفض الجزائري الاعتراف بالطبيب النفسي، ولا يجد حرجا من أن يُدخِل إلى بيته راقياً، يُرغم عائلته على شرب براميل من الماء المرقي أو ينهال عليهم ضربا مبرّحا بعصا غليظة بذريعة “إخراج الجن” منهم؟! ولا أفهم لماذا تتوقف السياقة عند الوثيقة وكيفية شق الطريق، من دون التركيز على الحالة النفسية والبدنية للسائق الذي جعل الجزائر رائدةً في حوادث المرور في العالم، حيث لم تنفع الطرق السيّارة في كبح جنون السيارات.. عفوا جنون سائقيها؟!

أكيد أن الحوادث الخطيرة والجرائم المُفجعة التي صار يتسبب فيها من دون إصرار ولا ترصد، مرضى قد يكونون ضحايا وليسوا مُذنبين، لا تتحمّل تبعاتها وزارتا النقل والصحة فقط، وإنما جميع الهيئات، ولكن للمجتمع يداً فيها؛ فثقافة الوقاية غائبة تماما عن يوميات الجزائريين، ويكاد يكون الأولياء هم المذنبين في حالة تدهور صحة أبنائهم النفسية عندما يرفضون الطبيب النفسي خوفا من نظرة الأهل والجيران، فتتدهور حالة أبنائهم، وتسوء، ويصبح الابن المسكين خطرا على المجتمع.

في كل يوم تطلُّ علينا الصحافة بأخبار مفجعة، عن إقدام ابن معتوه على قتل والدته أو تصفية شقيقه أو ذبح أخته، وفي كل مرة يُحوَّل ملف الجاني إلى العيادات النفسية، وفي كل مرة تنتهي الحادثة من دون حبس، بحجة انعدام “الإصرار والترصد”، بينما كل الأدلة تؤكد أن المجتمع والسلطة عموما، لهما يد في ما يجري.. بل وبإصرار وترصّد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!