-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مجزرة البراءة!

أماني أريس
  • 7513
  • 0
مجزرة البراءة!
ح.م

سلام عليك أيها الماضي الجميل! لا يسعني إلا أن أستعير عبارة ابن النيل لأرثي زمن طفولتي الجميل وأزمنة عاشت في خيالي واستقرت ببالي، رغم أنني لم أعايشها، أزمنة كانت فيها الرجل قمّة والمرأة أُمّة والأخلاق ذمة، وكانت البراءة ملكة مقدسة، حرة طليقة، سيدة سائدة بلا حدود..

أنني أتذكر جيدا كيف كنت وبُنيّات الحيّ وبنينه نلعب سويّا بمطلق الحرية، تتنازعنا في بعض الأحيان خصومات بريئة فنشتكي بعضنا لأمهاتنا، فيصلحون بيننا ويراضوننا، معلمتنا تنظّم لنا أنشطة وألعابا مشتركة بين البنات والذكور، أفلامنا الكارتونية عالم خيالي لذيذ يصقل أذواقنا، ويرهف أحاسيسنا، ويهذب طباعنا، مناهجنا الدراسية تحاكي واقعنا، طفولتنا الناصعة مقدسة، بمنأى عن أيّ تطفّل.

أرثيك أيها الماضي وأرثي البراءة الذبيحة على عتبة التدليس والجهل والتزمّت، فليس أولئك الذين قطفوا براعم الحياة ونكّلوا بها وحدهم المجرمون، بل حتى من سقوها بمياه آسنة أيضا مجرمون، إنهم يركبون مطية الصلاح والإصلاح ليفسدوا، ويستلون سيف الحق لينصروا الباطل.

باسم الدين، باسم التحضر ومواكبة العصر، باسم الخوف على العرض، هيئوا مجزرة كبيرة للبراءة، إنها البراءة التي تكاد تكون آخر ما تبقى لنا من ميراث النقاء والجمال والأمان في زمن الإسفاف و النفاق و الغدر والدماء والأشلاء..

  أُمّ تلقّن ابنتها الصغيرة درسا في ماهية الجنس الآخر وتبعات الإختلاط به خوفا على عرضها، وتمنعها من الخروج واللعب البريء والاستمتاع بطفولتها، لتبقى معها في البيت تستمع إلى حكاياها مع غيرها من النساء، أو تتابع معها مسلسلا مكسيكيا أو تركيا بكل مشاهده الرومانسية والايروتيكية! أطفال يترددون على مختلف مواقع الأنترنيت دون رقابة، كتاب لتلاميذ السنة الأولى ابتدائي يقدم درسا عن التكاثر لدى الثدييات بكل إيحاءاته، أصوات تنادي بتحجيب الفتيات الصغيرات ليتعودن على الحجاب وعدم الإختلاط بالجنس الآخر، هاهي البراءة  تنحر على مرأى الجميع، وينبت على رفاتها نشء مشوه، عبد لغرائزه، متبع في سبيل إشباعها كل مسلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!