-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محرقة.. ولا حراك لها!

محرقة.. ولا حراك لها!
أرشيف

لا يمكن للدولة أن تبقى صامتة إزاء “المحرقة” الإرهابية، التي تتعرض لها الغابات من عصابات الفحم واللهث على القطع الأرضية، الذين عاثوا في غابات الجزائر لهبا، ولا يمكن للشعب أن يبقى يتفرج على اللون الأحمر، الذي حوّل بلادنا من جنة خضراء إلى صحراء، التقى فيها سعير الجنوب بجحيم الشمال، ولا يمكن أن تبقى قلوبنا وضمائرنا بهذا اللون الذي لا علاقة له بلون الطبيعة الخضراء.
كل الجزائريين صاروا يعلمون بأن الحرائق التي تتلف آلاف الهكتارات سنويا، وتبيد الأشجار في واحدة من “مجازر” الطبيعة الكبرى في تاريخ الإنسانية، إنما هو من فعل فاعل، مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا نعلم بأن الفاعلين يبحثون إما عن تعويض مالي من الدولة أو لممارسة تجارة الفحم أو إزالة الغابة وضمها إلى أرضه، ومع ذلك يبقى صمت الجنائز هو المخيم على هذا المشهد المأساوي.
آلاف الهكتارات من الغابات الكثيفة والأدغال وأشجار الأرز النادرة والمعمرة، تلقى حتفها حرقا في تيزي وزو وبجاية وعين تموشنت وخنشلة وقالمة، وما غرسه الأجداد منذ قرنين أو أكثر، يتعرض الآن لمحرقتين الأولى بالنار المباشرة، والثانية بقلوب، هي الآن كالحجارة أو أشدّ قسوة.
وصرنا نخشى أن يأتي حين من الدهر، نستيقظ فيه على عمر أنفقناه في المسيرات السلمية، التي منحت للنظام متسعا من الوقت لتحصين قواعده وارتداء قناع جديد، ومنحت لبقايا الانتهازيين فرصة العمر للحصول على مزايا ما حلموا بها في زمن النظام السابق، ومنها أراضي الغابات الشاسعة التي كانت وقفا للدولة لوزارة الغابات، فحوّلها حريق الإصرار والترصّد، إلى أراض قاحلة أمام أعين شرهة تأخذ ما بيدك بالقوة، فما بالك بما هو مرمي أمام ناظرها.
لا معنى لجرّ رؤوس الفساد إلى غياهب السجون، إذا لم تنسف جذور الفساد التي تنمو بسرعة لدى بعض الناس، لأن ما حدث من اختلاسات أتت على المال والعقار هي أقل خطرا من حرق الغابات وتحويل الجزائر إلى صحراء قاحلة لا تصلح فيها الحياة في زمن الحر، كما كانت حالنا في هذا الصيف حيث صار شمال البلاد من أشد المناطق حرا في الكرة الأرضية.
صحيح أن التخلص من آثار سنوات الجمر التي حرقت العقول والقلوب، ومن كل أفراد العصابة الذين عاثوا في الضمائر فسادا، أمر معقد، وربما مستحيل، ولكن التماطل والتردد في بعث المصالحة الكبرى مع النفس ومع القيم ومع القوانين ومع الطبيعة، هو منح فرصة أخرى لتأسيس فساد جديد، فكل الديانات السماوية والقوانين الوضعية، بما فيها السارية في بلاد كينيا وغينيا وبوتسوانا، تعتبر قطع شجرة واحدة، جريمة تجرّ فاعلها إلى السجن، بينما عندنا، يقوم أناس معروفون بحرق آلاف الهكتارات من الغابات، ليعلنوا إمبراطوريتهم على أراضيها، ولا أحد يحركّ ساكنا ولا أحد حاول تغيير هذا المنكر، لا بيده ولا بلسانه ولا حتى بأضعف الإيمان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • RHU

    البلاد هاذي حكموها غير الوحوش الضارية تتناطح عليها و على خيراتها......عذبوا الشعب و حرقوه حي .....الله يلعنهم

  • ياسين

    لو بحثنا جيدا في نفسية هذا المجتمع لوجدنا "العصابة تسكن قلبه و دمه" فالذين سرقوا المال العام و الذين يشعلون النار للاستيلاء على أراضي الغابات أو للتحايل على الدولة من أجل التعويض يلتقون بنفس أسلوب العصابة التي سرقت المال العام؟ بطرق ملتوية؟؟؟ "إنما هي أعمالكم ترد إليكم كما تكونوا يولى عليكم "..كما قال عليه الصلاة و السلام...

  • Observer

    Thank you for this. Algeria needs everyone