-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مخاطر الإفتاء.. خارج الزمان!

محمد سليم قلالة
  • 1588
  • 11
مخاطر الإفتاء.. خارج الزمان!
أرشيف

في الوقت الذي اعتقد المسلمون في ثمانينيات القرن الماضي وأفتى كبار علمائهم أنهم بـ”جهادهم” ضد الشيوعية في أفغانستان بالمال والأنفس، سيحققون نصرا إلى جانب أسيادهم الأمريكيين، حدث عكس ما اعتقدوه، إذ بمجرد سقوط الحقبة الشيوعية تحولوا بدلها إلى العدو الأول الذي ينبغي تقسيمه وتشتيته ومنعه من النهضة.
ولم تمض سوى سنوات قليلة حتى بلور الغرب رؤيته الجديدة للعالم، حيث كتب “فوكوياما” أن التاريخ انتهى والديمقراطية انتصرت ولا مكان لبديل آخر غيرها، وكتب “هتنغتن” وقبله “برنارد لويس” أن الصراع القادم سيكون صراعا حضاريا، وأن الإسلام “المتطرف” أي غير الموالي للأمريكيين سيكون هو العدو الأول للغرب. وشُرع في تنفيذ هذه الرؤية عبر مخططات تقسيم واضحة هدفها أن تتحول هذه الأمة إلى طوائف متناحرة من طنجا إلى جاكرتا وألا تتمكن من بناء دائرة حضارية متماسكة يمكنها مواجهة الغرب…
وتم تكريس التقسيم الكبير الأول داخل الأمة بين السنة والشيعة إلى درجة أن أصبحت الدعوة إلى جهاد الرافضة أولى من تحرير القدس، وبدا وكأن هذه الغاية قد حققت أهدافها بعد الذي حدث ويحدث في العراق وسورية واليمن…
وما كادت هذه الحقبة أن تنتهي حتى شُرِع الآن في تنفيذ الجزء الثاني من المخطط: ينبغي التفرقة بين أهل السنة أنفسهم وإشعال نار الفتنة بينهم، إلى سلفية ومرجئة وخوارج وجهمية وصوفية ومعتزلة وأشاعرة وإخوان مسلمين… إلخ، وكانت البداية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في مصر ضمن الجماعات الإرهابية، وسينتهي الأمر في آخر المطاف، مرحلة بعد مرحلة إلى إدخال الجميع ضمن هذا التصنيف “الإرهابي” بما في ذلك أولئك الذين يعتبرون أنفسهم بعيدين عن السياسة من أهل السنة والجماعة. جميعنا سنصنف إن عاجلا أو آجلا ضمن الجماعات الإرهابية ما دمنا لم نعبر فعلا عن ولائنا التام للغرب ولم نُصبح جزءا منه.
بمعنى إجمالي، أنه علينا، ونحن نناقش مسائل لها علاقة بالعقيدة الصحيحة أو المذهب الصحيح أو الفرقة الناجية أن لا نفصل مثل هذه النقاشات عن الوضع السياسي الدولي، وعن علم السياسة وعلم العلاقات الدولية. وعلى الذين يخوضون في مثل هذه المسائل مثل أساتذة العلوم الشرعية أن يُدركوا الأبعاد السياسية لفتاويهم، وهل تخدم بتوقيت صدورها البناء الحضاري للأمة أو تُساهم في هدم هذا البناء. وبالقدر الذي يستندون فيه إلى الدليل الشرعي للإقناع بوجهة نظرهم، عليهم أيضا القبول برأي أساتذة آخرين وباحثين في مجالات السياسة والاستراتيجية والأمن، ذلك أننا لا يمكن أن نفتي خارج الزمان والمكان وخارج فهم معادلات الصراع القائم اليوم، لأننا إذا فعلنا يمكن أن ننتقل من الجهاد ضد الروس الشيوعيين إلى الجهاد ضد الشيعة ثم بعدها ضد ما بقي من فرق المسلمين الضالين بعد أن أخرجناهم من أهل السنة والجماعة بداية بالإخوان المسلمين كما يجري الآن في مصر، وانتهاء بالمتصوفة المسالمين، لنكتشف في آخر المطاف أن “جهادنا” لم يكن سوى حرب ضد أنفسنا، سلاحها تقسيم الأمة وأداتها الفتاوى خارج الزمان والمكان…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • سهام العواطف أصل الأفكار

    أكثر شيئ تحتاجه الأمة الآن هو إعادة بنائها و تنظيمها كليا لتحقيق الكرامة الإنسانية حتى يتحقق التوازن العقلاني إلى مستوى معتدل ، عندها يتطور هذا المستوى المعتدل فيتكفل بالباقي ، النظام ثم البناء ثم البناء من أجل النظام ثم النظام من أجل بناء أكثر إلى حد الإستقرار ، الإستقرار الذي يشبه السكينة ، السكينة التي تفتح البصيرة ، البصيرة التي تدل على الحكمة ، الحكمة التي تدل على الأمة ، الأمة التي تدل على الحكمة ، النفوذ الثبوت القُدرة قوة الخير ، حصون محصنة بالحقائق الكاشفة المكشوفة لكل خارق ...

  • جلال

    أولا تجارة الفتوى هذه يجب أن يوضع لها حد فهى تجارة رابحة لأن من ورائها كهنوت يقوم عليها ويمولها ويدعو لها وينشرها ويذود عنها. لقد أسقطوا المحرمات على كل شئ لا يرغبون فيه وكل يوم يطلعون علينا بفتا وي جديدة لإدامة تجارتهم وضيقوا على الناس ما أحله الله ( الدين يسر وليس عسر) ولقد وضع أحد أسلافهم الأقدمين ما يزيد على سبعمائة محرم.والحرام هو فقط ما حرمه الله في كتابه وهو شمولي الا ما أضطر إليه وهو القائل (اليوم أكملت لكم دينكم ) فهل بعد هذا الكمال يأتي أحدهم ليقول لي إن لعبة النرد=قتل النفس مثلا قد يقيد ولاة الأمر الحلال بالمنع مثلا عند الضرورة أما التحريم فهو من إختصاص الله

  • الطيب / الجزائر

    بغض النظر عن الزمان و المكان ! مَن هو المفتي لهذه الأمة الممزقة ؟! و مِن أين كانت له شرعية الإفتاء !؟ و لمَن يوجه فتواه ؟! لعموم الأمة أم لجماعته أم لجزء من الأمة أم لجهته الجغرافية أم لحزبه أم للإعلام ؟! و مَن له الحق في الإفتاء هل هو شخص بعينه أم هيئة أم جماعة معينة أم جهة تابعة لجهة !؟ هذه الأسئلة نطرحها و تطرح نفسها لأنّ هذا " التمزق " قبل أن يصيب الأمة أصاب " علماءها " !

  • hocheimalhachemi

    ليتك تدبرت ما كتبت ولم تتسرع في أحكامك يا أستاذ ، أنا صراحة لست ندا لك علمتا ومنهجيا ،لكن ما قلته مجانب للحقيقة ، ازاء ما قلته خاصة بالشيعة التي نراها كلنا ومنذ السبعينيات وهي تتعامل بالجهة وكأنها دركي المنطقة ، ثم ازداد الأمر سوء وافسادا منذ جيء بالخميني الصفوي الذي كونته فرنسا بمعية صهيونية أمريكية بريطانية روسية ،باسلام مزيف ومنحرف ليكون الأسلام البديل الذي أيقض الفتنة وزرع الطائفية والعرقية والتهريج المتزندق الذي لايمت للأسلام اطلاقا ،مما أوقع المجتمعات الأسلامية في هرج ومرج ووالتدخل في أغلب الدول العربية تحت مسميات كاذبة وتغليب جهة على الأخرى وذاك ما جرى العراق وسورية واليمن ولبنان

  • فوضيل

    نحن لا زلنا وكلما زاد ضغط الواقع السياسي والديني ترديا ، وكلما زاد التناقض بيننا وبين بعضنا ،ومع أنفسنا ومع العالم الخارجي،كلما غرسنا رؤوسنا أكثر فأكثر في مستنقع المؤامرة،رغم انكم ضد فكرة الفتاوي الا ان فكرة المؤامرة العالمية على المسلميين التي أشرتم اليها هي احدى مسرحيات الكثير من الفتاوى الصادرة من الكثير من المشايخ...وما النتيجة؟ جهل، تخلف، غباء، عداوة مع الشعوب الأخرى، أوهام ..انا واثق ان الفتاوي العشوائية والصراع المذهبي هو اخطر واكبر مشكلة يواجهها الاسلام اليوم، وخصوصا التيارات الدينية المتطرفة،ان ما يحصل بالعالم الاسلامي اليوم هو ردة فعل طبيعية لتصرفات المسلمين مع بعضهم بالدرجة الاولى.

  • سامي

    شكرا أستاذ على الموضوع القيم... لكن أنى للأغبياء أن يعوا ذلك...؟؟؟ و هم من يدعوا أنهم يحسنون صنعا؟؟؟ و هم في الواقع أصبحوا معول هدم في يد أعداء الاسلام الذين صيروهم كما لو أنهم صوارخ موجهة يخربون بيوتهم بأيديهم؟؟؟

  • فتحي الباسل

    متالق كعادتك استاذ ، ولكن الذي يلام هم نحن تركنا ابناءنا تحت رحمة دعاة واساتذة يعلمونهم من كتب صفراء عفا عليها الزمن فراحوا يطبقون افكارا لا تتماشى مع العصر

  • عزوز

    الحل يكمن في فصل الفتاوي عن السياسة ورأينا كيف تم تحريض الليبيين على تدمير بلادهم من فوق المنابر و رأينا الفتاوي التي تحلل الاستعانة بحلف الناتو ضد ابناء البلد الواحد و كيف تم استغباء الشعوب بقناع الدين لتمرير الاجندات الاستعمارية الغربية هذا الوضع يعرض دولنا للتقسيم و يضرب الاسلام نفسه يجب ابعاد الدين عن المعتركات السياسية و تحريره من وعاض السلاطين

  • خالد رضوان

    احسنت على هذا التحليل والتعليل وربط الفتوى بالواقع والراهن ومتغيرات الزمان والمكان..لان الفضاء المفتوح وتقليص المسافات بين الثقافات والحضارات والشعوب والمجتمعات ساهم باعتبار العامل الخارجي والنظام الدولي ورؤية اصحاب الحل والعقد فيه تحتل حصة الأسد في إصدار الفتاوى .وهذا يدفعنا إلى الاهتمام بفقه المقاصد والمالات والوحدة الأمة وجمع رؤيتها على كلمة سواء .

  • جلال

    الدول مصالح وهذا الفكر (بين قوسين) قد يكون بل هو في خدمة تلك المصالح والفكر الغربي السياسي والإقتصادي براجماتي يبنى على ( ليس هناك عداوة دائمة ولا صداقة دائمة ولكن هناك مصالح دائمة) فهم يشجعون جراد الحضارة هؤلاء على المزيد من الإنغماس في الجهل والتجهيل والإنغلاق في عصور الإنحطاط والظلامية ما داموا يمتصون خيرات بلدانهم وما حباهم به الله من نعم لم يحسنوا التصرف فيها وبدل من ذلك يتعاركون على نواقض الوضوء ولباس وميراث المرأة وغيرها من التوافه تفاهة أفكارهم لقد أنتجوا دينا موازيا للإسلام و آمنوا به وجعلوا القرآن عضين وهجروه وتمسكوا بتراث فقهي ومعرفي أكل عليه الدهر وشرب وحنطوا الإسلام وجمدوه يتبع

  • ع

    و هل السيد فركوس يقدر حقا عظمة الفرآن و أن الإسلام للعالمين ؟ و هل يستطيع مسائلة نفسه إدا هي عاجزة على مسايرة تجدد معاني القرآن بما يتوافق مع كل زمن؟ وإدا كانت حكمة الله سبحانه هي حتمية توسع الكون و الفكر، هل القرآن العظيم يغفل هدا؟ أعتقد أن السيد فركوس يعتقد فقط. هو يصحح فقط. هو يروي فقط. هو يحدث فقط. هو يحفظ فقط. هو يعيش زمنه فقط. هو الناجي فقط. هو فقط من غلب شيطانه. هو فقط المسلم. هو فقط المؤمن. هو فقط من يدخل الجنة.