-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مدرسةٌ منكوبة.. ولكن!

مدرسةٌ منكوبة.. ولكن!
أرشيف

مؤخرة الترتيب العربي والعالمي التي وضع فيها التقرير السنوي لهيئة “اليونيسكو” المدرسة الجزائرية لم يكن أمرًا مفاجئا، وإن جاء صادمًا لأغلب الجزائريين من التربويين وعامّة المواطنين، بعدما صنفها مركز “اليونيفيك” الدولي في المرتبة 22 عربيا من حيث جودة التعليم الابتدائي، فيما احتلت المرتبة 189 عالميا، خلف أغلب دول إفريقيا وكل الدول العربيّة، بما فيها ليبيا واليمن وسوريا التي تعيش تحت وقع الحروب الطاحنة!
صحيح أنّ التقرير صدر قبل أشهر في حقيقة الأمر، ويجب أن نتقبّل الكثير من الملاحظات النقديّة لواقع منظومتنا التعليمية، لكن يجب أن نسجّل كذلك بعض التحفّظات على مضامينها، انطلاقًا من المؤشرات التقييمية التي تشتغل وفقها التقارير الأمميّة.
ثمّة العديد من المبرّرات الموضوعيّة المتراكمة التي يمكن أن تفسّر تصنيف المدرسة الجزائرية ضمن ذيل الترتيب الإقليمي والدولي، في تقييم الطور الابتدائي على الأقلّ، وإنْ كانت باقي المستويات ليست أحسن حالا.
ذلك أنّ معايير الازدهار التعليمي ترتبط أساسًا بكمّ الإمكانات المتاحة ونوعها، وجودة التكوين لدى المدرّسين والمتمدرسين على السواء، فضلا عن المناهج والطرائق المعتمَدة ومحتوى البرامج المقرّرة، ولا تنفكّ أيضا الظروف الاجتماعيّة تؤثر في بروز بعض الظواهر السلبيّة داخل الأوساط التربويّة، ما ينعكس في النهاية على جودة التعليم وتقييم مردوده العامّ، فهل توفّرت المدرسة الجزائرية على هذه الشروط؟
هناك شبه إجماع حول ضآلة التكوين الموجّه لفائدة المكونين، فضلا عن تدهور أوضاعهم الاجتماعيّة والمهنيّة، رغم كل الدعم المادي لصالح القطاع خلال السنوات الأخيرة، زيادة على التخبّط بخصوص اعتماد المناهج والطرائق البيداغوجيّة، وفي مثل تلك الظروف، من الطبيعي أن يتدنّى مستوى التعليم.
أمّا إذا أخذنا بعين الاعتبار حالة الفوضى وعدم الاستقرار والضغط الرهيب الذي تعيشه المدرسة بفعل الاحتجاجات المزمنة والقرارات الارتجالية والخيارات الخاطئة، وجعل التربية حقلا للتجارب الفاشلة، فسيكون من المنطقي تراجع التعليم بشكل كبير.
وفي ضوء المعطيات السابقة، فإنّ التقارير الدوليّة في حق التعليم الجزائري تكاد تلامس الواقع، أمّا ما نختلف بشأنه فهو تلك المؤشرات المتعلّقة بمحتوى البرامج، لأنّ الأمر في هذه الحالة لا ينفصل عن التزام الخصوصيّات الدينية والثقافيّة والحضارية، مع التسليم بضرورة الانفتاح الإنساني على التجربة الكونيّة.
نؤكد على هذا البُعد الأساسي، لأنّ التقارير الأمميّة تنطلق في تقييمها لصُلب التعليم عبر العالم من خلال مقاييس العولمة الغربيّة التي تروم صياغة فرد/ مواطن بلا انتماء ولا هويّة ولا أصل، وتدقيقًا فهي تريده حداثيّا سلبيّا، أيّ متلقّيًا ومستهلكًا لأفكارها وميولها مهما ناقضت معتقداته الخاصة، بينما رسالة المدرسة في الأصل تكمن في تكوين الإنسان المعتزّ بالهويّة الوطنية ضمن محدداتها الدينية واللغوية والتاريخية، طبعًا مع تمكينه من أدوات التفكير العقلاني والعلمي والفلسفي والتقني، وليس صناعة “كومبيوتر” في هيئة بشريّة!
تلك هي الإشكاليّة المفصليّة التي تتجاذب اليوم المدرسة الجزائرية محليّا ودوليّا، وبالتالي وجب النظر في تقارير “اليونسيكو” بحذر، لفهم خلفياتها ومقاصدها البعيدة، لأنّ في بلادنا وبين مسؤولينا من يجعلها حصان طروادة لتغريب المدرسة وفرنستها باسم “الأمميّة”، في خلط متعمّد بين الوسائل والغايات، حيث تتاح الاستعانة بالأولى، أما الثانية فهي تعبير عن حاجيات ذاتية للمجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عبد القادر ميسوم

    لم نعثر على ما جاء في مقالكم من افتراءات ومزاعم منسوبة لليونسكو التي نتعامل معها في إطار شبكة المدارس المنتسبة لها .وببساطة لم تنشر اليونسكو أي تقييم أو تصنيف.

  • الطيب / الجزائر

    حتى الأفارقة اللي كنا متونسين بيهم هربوا علينا و خلاونا وحدنا في المؤخرة !!
    للتذكير فقط صرفنا 800 مليار دولار و في روايات أخرى 1000 مليار دولار ( عندنا الإرتياب بـ 200 مليار دولار نورمال ) !! قلت صرفنا كل هذه المليارات لكي نخرج من التخلف و المؤخرات و لكن ... !! 1000 مليار بأكملها باه تحصلنا على المؤخرة برك !!!!! ....وين رانا رايحين و شحال لازمنا من مليار دولار لكي نتساوى فقط مع البنين و جزر القمر و التشاد و الصومال التي طحنتها الحروب و عصابات السلب و النهب !!؟

  • Mohammed

    السلام عليكم
    تصنيف الجزائر في المرتبة الاخيرة سببه ايادي خارجية لا تريد الخير لهذا الشعب المجاهد ةالمكافح !!! عفوا عفوا عفوا...لماذا كل هذا التناقض يا صاحب المقال عندما اضرب المعلمين مطالبين بتحسين اوضاعهم المادية كنت أنت ومن ورائك مجمع الشرق ضد الاضراب واليوم تتباكى على ظروفهم التي بفضلها احتلت المدرسة المرتبة الاولى في مؤخرة الترتيب!!!
    يقول المثل الصيني : الجميع يعرف فائدة ما هو نافع لكن لا أحد يعرف فائدة ما هو غير نافع. في رأيي هذا ينطبق على مقالك.

  • ابن الجبل

    نعم المدرسة منكوبة! لا يمكن أن تتطور مدرستنا بمسؤولين فاشلين ، ويشجعون الفشل ، ويستمرون فيه . فقد قلت أن عدم الاستقرار والفوضى والضغط الرهيب على المدرسة بفعل الاحتجاجات المتكررة والقرارات الارتجالية والخيارات الخاطئة ، كل هذه العوامل ساهمت في تعفن الوضع ... ! لا بد من اعادة ترتيب بيت المدرسة ، ومنح رايتها لقائد متمرس في الميدان التربوي والبيداغوجي والاستعانة برجال أكفاء . أوقفوا هذه الفوضى في المدرسة الجزائرية ، عيب كبير أن تحتل الأمة الجزائرية العظيمة ذيل الترتيب .