-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مدنية العسكر وعسْكَرة المدنيين

حبيب راشدين
  • 1022
  • 0
مدنية العسكر وعسْكَرة المدنيين
الشروق

بعد ثلاثة أشهرٍ من بداية الحراك، يفترض أن نسلم ـ وبكل موضوعية وتواضع ـ أن المشهد السياسي، سلطة ومعارضة وحراكا، قد وقع تحت تأثير استنتاجات وقراءات خاطئة لكثير من الأحداث التي حصلت منذ 22 فبراير، ابتداء من قرار ترحيل الرئيس السابق بتفعيل المادة 102، وانتهاء بحملة تطهير مؤسسات الدولة من قبضة “العصابة” المختطِفة للقرار، ومن أذرعها المالية والسياسية، وعما قريب أذرعها الإعلامية.

لا شك عندي أن المسيرات كان لها دورٌ في إرباك نظام الحكم وتسهيل تفكيكه، وساعدت على محاصرة “العصابة” المختطِفة لقرار الرئيس، لكن القرار الحاسم يعود لمؤسسة الجيش حين رفضت أن تكون أداة طيِّعة بيد “العصابة” لتمرير العهدة الخامسة، ثم لتمرير مناورة التمديد كما وردت في الرسالة الثانية المنسوبة للرئيس، وقد كشفت رسالة الجنرال نزار محاولة “العصابة” توريط مؤسسة الجيش ضد الحراك عبر محاولة تطبيق المادة 107 والمرور بالقوة لفرض مرحلة انتقالية تحت حماية الحالة الاستثنائية، كانت ستُقبِر الحراك في المهد.

وربما نحتاج اليوم لمن يذكِّر الشارع، أنه لم يكن يملك القوة لترحيل الرئيس لو لم تتدخَّل المؤسسة باقتراح التنفيذ الفوري للمادة 102، إلا بالانتقال لحالةٍ ثورية عنيفة لم يكن الشارع يملك أدواتها، وما زال يفتقر إلى أدواتها، رغم ما يُسوَّق له تحت توصيف الحراك بالثورة، وإلا كيف يمكن فهم إخفاق الشارع حتى الآن في ترحيل بدوي وبن صالح، وهما أقلُّ شأنا وقوة من الرئيس المرحَّل وعصابته؟ لن ترحل هذه الباءات إلا إذا حصل توافقٌ مع مؤسسة الجيش يمر حتما عبر القبول بخارطة الطريق التي تؤمِّن الحفاظ على المؤسسات الدستورية حتى انتخاب رئيس جديد للبلد.

هذا هو موقف مؤسسة الجيش الذي يذكِّر به رئيس الأركان كل أسبوع دون كلل أو ملل، مع إبقائه لأبواب الحوار مفتوحة، لبحث أفضل الطرق لتنفيذ انتقالٍ آمن تحت سقف الدستور، بما في ذلك التوافق على لجنةٍ مستقلة لإدارة الانتخابات ومراقبتها، وربما التوافق حتى على تغيير حكومة بدوي عبر الاستقالة، وليس في هذا الموقف أيُّ تعنُّتٍ أو رفض لمطالب الحراك التي يُفترض أن نتوقف عندها من وجهين:

1- من جهة ما يكون قد حصل فعلا حوله إجماعٌ في الجُمع السابقة، مما يُستشفُّ من الشعارات التي سقطت بعد 13 جمعة في مستنقع شعار عدمي اسمه “يرحلو قاع ” يكون قد وضع أغلب مؤسسات الدولة وإطاراتها تحت التهديد بالاستئصال والملاحقة، من رئيس الدولة وحتى أبسط موظف بالمؤسَّسات المحلية، ولا يستثني المؤسسات الأمنية والقضائية ومؤسسة الجيش.

2- من جهة التوافق على مسار المرحلة الانتقالية خارج الدستور باستقطاب “هيأة رئاسية” لا نعلم من هي الجهة المخولة لتعيينها، ثم تسليمها سلطات رئيس الدولة، بل وسلطات رئيس الجمهورية كما يريد بعضُهم؟ ومن يضمن أصلا بناء توافق على ثلاث شخصيات أو أكثر لا يرضى عنها فقط الشارع، بل تحتاج بالضرورة إلى قبولٍ شعبي أوسع، وإلى انصياع ما بقي من مؤسسات الدولة لسلطتها؟ أسئلة لم يطرحها أصحابُ الدعوة إلى الانتقال خارج الدستور، لأن بداية الجواب عنها تنسف الدعوة من القواعد، وتكشف عن سوءاتها للخاصَّة والعامَّة.

موطن الخلل الأكبر في المشهد: أن تكون مؤسسة الجيش هي الجهة الداعية بإلحاح إلى التمسُّك بالدستور الذي يبقيها في حدود صلاحياتها المحدودة، كمؤسسةٍ تقنية خاضعة لمؤسسات الحكم المدني، وهو موقفٌ يُحسب لها لا عليها، فيما تتدافع القوى التي تدّعي الدفاع عن الدولة المدنية، من أشباه الديمقراطيين، بلا حياء لإسقاط الدستور، والاعتداء على السلطة التأسيسية للشعب كما هي واردة في المادتين 7 و8، ولا يرون حرجا في الاستعانة بمؤسسة الجيش كمعولٍ لهدم المؤسسات القائمة، على أن تقبل مؤسسة الجيش لاحقا بدور “حارس البوَّابة” بل وبدور “البودي غارد” لهيأة حكمٍ تعيدنا إلى عهد “المجلس الأعلى للدولة” ومجلس “حكم المناشفة بزمرةٍ مختارة من البلاشفة”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!