-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مراجعة الدستور لحماية الأمن القومي

حبيب راشدين
  • 1524
  • 4
مراجعة الدستور لحماية الأمن القومي
ح.م

في الوقت الذي كانت الجزائر تودع فيه القائد المجاهد الفريق قايد صالح إلى مثواه الأخير، كان الرئيس التركي أردوغان ينفذ زيارة خاطفة شبه سرية إلى الجارة تونس، خصصت للأزمة الليبية، والإحاطة بموقف القيادة التونسية الجديدة من التدخل العسكري التركي المتنامي في نزاع يشتغل أكثر من طرف دولي وقوى إقليمية على تدويله، والانزلاق بهذا البلد الجار المنكوب إلى حرب مفتوحة بالوكالة، كانت قد بدأت بالعدوان الذي قاده حلف الناتو، وصنعت به واحدة من أخطر بؤر النار في شمال افريقيا، مع إصرار الجار والصديق والعدو على محاولة تجاهل الموقف الجزائري المعلن الرافض للتدخل الأجنبي ولعسكرة النزاع.

ولا يبدو أن ألأطراف الثلاث: حكومة السراج، والقيادة الجديدة لتونس والرئاسة التركية تكون قد توقفت عند الموقف الصريح المعلن على لسان رئيس الجمهورية في ول خطاب له للأمة وقد حذر جميع الأطراف المنخرطة في النزاع الليبي من محاولة إقصاء الجزائر من أي مسار للتسوية لا تقدر فيها مصالح الجزائر كبلد جار معني أمنيا وسياسيا بمصير شعب شقيق ودولة جارة تسوقها اليوم أطماع الشقيق والصديق والعدو إلى استنساخ النموذج السوري والحرب المستدامة بالوكالة.

العتب الشديد يوجه ابتداء إلى الأشقاء في تونس بالموافقة على زيارة الرئيس التركي في هذا التوقيت الخطأ، وبأجندة ملغمة يعلم الأشقاء في تونس أنها مرفوضة لدى القيادة الجزائرية جملة وتفصيلا، كما رفضت الجزائر من قبل التدخل المصري الإماراتي السعودي القطري السافر، وقد تحولت هذه الأطراف إلى وكلاء يواصلون عدوان النيتو الغاشم على ليبيا، واستباحته المنكرة لأمن واستقرار دول إقليم شمال إفريقيا، لتضيف إليه اليوم تركيا الأردوغانية بعدا آخر أشد خطورة، سوف يساعد لا محالة بقية الأطراف المتورطة في النزاع على التصعيد، وجر المنطقة بالكامل إلى حرب مفتوحة، في بلد قد فككت فيه الدولة وبات فضاء مستباحا للمجاميع الإرهابية في الساحل، وقبلة لأعادة تدوير المجاميع المرحلة من سورية.

فالجزائر ومع كل تحفظاتها على شغب المغامر حفتر ومن يدعمه خلف الستار التزمت حالة مميزة من ضبط النفس، ورفضت الانسياق إلى المغامرة، واكتفت بتأمين حدودها مع تذكير الجميع بتبعات التدويل الذي سوف يملي عليها بالضرورة الدفاع عن أمنها ومصالحها حتى لو اقتضى الأمر تحرير الجيش الوطني الشعبي من القيد الدستوري، واعتبار ما يدبر للجارة ليبيا عدوانا مباشرا على أمن الجزائر وأمن الإقليم.

فالتهديد التركي بتفعيل اتفاقية أمنية حررت على عجل مع حكومة السراج الفاقدة للشرعية والتمثيل مثلها مثل حفتر وحكومة وبرلمان بنغازي، هو بجميع المقاييس مغامرة لم تحسب أنقرة جميع تداعياتها، وقد تخسر فيها تركيا صداقة الجزائر ومصالحها المتنامية في هذا الإقليم، فضلا عن خسارة معركة غير متوازنة مع بقية الأطراف الدولية المتورطة، وهي التي خسرت حربا مماثلة على حدودها الجنوبية بالشام، إلا إذا كانت الاتفاقية الأمنية مع حكومة السراج محض غطاء لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تسمح لتركية بالجلوس على طاولة اقتسام كعكة أحواض الغاز المستكشفة بالحوض الشرقي للأبيض المتوسط.

وفي كل الأحوال، فإن الوضع القائم والمستجد في ليبيا وعلى بقية حدودنا في الغرب والجنوب والشرق، ومع محاولة كثير من القوى الدولية والإقليمية صناعة بؤر لحروب بالوكالة مدمرة للأقليم، أن هذا الوضع بات يملي على الجزائر وعلى قيادتها ورئيسها المنتخب الالتفات السريع إلى واجب مراجعة العائق الدستوري الذي يقيد حركة الجيش الوطني الشعبي، بإعادة صياغة مفهوم الأمن القومي وتحديد فضائنا الحيوي، وتمكين البلد من الدفاع عن مصالحها وأمنها في الإقليم، كأن يغتنم الرئيس المنتخب فرصة مرجعة الدستور برفع جزء من القيد الدستوري المكبل للجيش الوطني الشعبي، وقد أساء قراءته بعض الجيران والقوى المتربصة بأمن البلد واستقرار الإقليم، كأن تستثنى من أحكام القيد دول الجوار التي هي بحكم الجغرافية جزء من أمننا القومي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • عبد الرحمان بن مبروك إليزي

    يعني أن التدخل الفرنسي والروسي وقبلهما الصعلوك السيسي والمعربد الإماراتي لا تأثير لها على مصالح الجزائر بينما التدخل التركي له تأثير على مصالح الجزائر

  • HOCINE HECHAICHI

    المهم عدم التورط

  • ghad

    من الغريب ان نقيد انفسنا بقيد في حين معظم المتربصين بنا متحررون تماما في المبادرة. صحيح لن نرسل جيوشنا الى الأرجنتين مثلا، لكن ليبيا، مالي و الدول المجاورة و الله شيء غريب فعلاً. اذا كانت النية هي ان نصير قوة عالمية، هناك حقيقة ثابتة : يجب ان نحرر جيشنا. ثم لأجل ماذا هذا الكم الهائل من صفقات السلاح. المجال الحيوي لجيشنا يجب ان يبلغ مصر شرقا، فرنسا شمالا، المحيط غربا و نيجيريا جنوبا بمنطق : حدودنا +1 ،هذا طبعا على الاّ نصير دولة امبريالية. الأكيد عندما يتعلق الأمر بالأمن القوي، الهجوع أنفع من الدفاع.

  • علي

    تحليلات في المستوى من رجل مطلع